• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الضمير الإنساني

عمار كاظم

الضمير الإنساني

إنّ ما يعانيه العالم اليوم من تدهور في الأخلاق وانكباب على الرذائل وانتشار الإجرام هو بسبب غفلة الإنسان عن خالقه وعن استحضار عظمته التي تجعل في القلب رهبة تحول بينه وبين الميل إلى الشر. فخشية الله من الدعائم التي قامت عليها الحياة الروحية لأنّها تسمو بالإنسان إلى كلّ خير، لذلك جاءت الأديان تسعى لغرس هذه النزعة في نفوس الأفراد مبنية ما يؤدي إليه غضب الله من لعقاب الدنيوي والأخروي. ولولا خشية الله لاسترسل الإنسان في شروره، وانكب على شهواته، غير مقيم لمصلحة الغير أي اعتبار، ولما نفعت في ذلك كلّ القوانين التي شرعت للمحافظة على الإنسان من عدوان الغير، وهذا ما يعاني منه عالمنا الحاضر. والإسلام بجانب ما شرعه من العقوبات والزواجر التي تردع الإنسان عن اقتراف الشر لم يهمل تذكيره بخشية الله والخوف من عقابه لأنّ ذلك أدعى إلى طاعته سبحانه وتعالى وسلوك الطريق المؤدي إلى رضائه والفوز بنعيمه، والآيات القرآنية الآتية شاهدة على ذلك: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ) (النّور/ 52). (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (الملك/ 12). (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البيّنة/ 8). وخشية الله تهب الشجاعة الأدبية للإنسان وهي من محاسن الصفات التي يتحلى بها وقوامها: أن يبدي الإنسان رأيه وما يعتقد أنّه الحقّ مهما ظن الناس به أو تقولوا عليه، ولو جر عليه غضب الحاكم، ويرفض العمل بما لا يراه صواباً ولو لم يقع رفضه موقعاً حسناً عند الناس، والله سبحانه يرشد المؤمنين إلى التحلي بهذه الصفة بقوله: (فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران/ 175). (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (التوبة/ 13). ويذكر الله صفات المؤمنين بقوله: (يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ) (المائدة/ 54). والتاريخ مملوء بسير الأبطال الذين ضحوا بكلّ نفيس في سبيل قول الحقّ ونصرته، وصبروا على الآلام حباً للحقّ لأنّهم أحبوه أكثر مما أحبوا أنفسهم ومنهم الأنبياء ونوابغ العلماء، ولهذا نرى القرآن يتحدث عن الأنبياء: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) (الأحزاب/ 39). والقرآن يقرن خشية الله بالرجاء "لأنّ المذنب الذي لا يرجو ربه في قبول المتاب ينقلب إلى قوة يائسة خطرة لا يرجى لها صلاح ولا ينتظر منها نفع، وانقطاع الصلة بين المرء وربّه هو أقصى غايات الفساد. وتخويف المرء من ربّه له حدود ولا ينبغي أن يصل الخوف إلى اليأس، فإنّ التربية التي تقوم على الخوف المطلق تربية فاسدة لأنّها تطمس أصول النور في القلب وتمنع عناصر الخير من النهوض..." ففي كلّ إنسان عواطف وميول للعمل الصالح تشجعها المكافأة الحسنة والوعد الصادق بنيل فضل الله. ومما جاء في القرآن في هذا الصدد قوله تعالى: (وَلا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الأعراف/ 56). ووصف الله المؤمنين الصادقين: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا) (السجدة/ 16). ووصف الله بعض أنبيائه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الأنبياء/ 90). إنّ خشية الله المقرونة بالرجاء لهي أقوى المؤثرات في أعمال الإنسان فهي التي تربي الضمير الإنساني وتجعله فرداً صالحاً في المجموعة الإنسانية.

ارسال التعليق

Top