• ٢٠ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٨ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الطفل والتعلم باللعب

د. بركات محمّد مُراد

الطفل والتعلم باللعب
يعد اللعب من أهم الأنشطة التي يمارسها الطفل، فتستهويه، ومن ثمّ تثير تفكيره وتوسع خياله ويسهم اللعب بدور حيوي في تكوين شخصية الطفل بأبعادها المختلفة، وهو وسيط تربوي مهم يعمل على تعليمه ونموه ويشبع احتياجاته، ويكشف أمامه أبعاد العلاقات الاجتماعية والتفاعلية القائمة بين الناس. وتعد الألعاب عامة مدخلاً أساسيّاً لنمو الطفل من الجوانب العقلية والجسمية والاجتماعية والأخلاقية والانفعالية والمهارية واللغوية... كما يسمح اللعب باكتشاف العلاقات بينها. وهو عامل أساس ورئيس في تعليم وتنمية التفكير بأشكاله المختلفة، وهو يسمح بالتدرب على الأدوار الاجتماعية وتخلص الإنسان من انفعالاته السلبية ومن صراعاته، وضروب توتره ويساعد على إعادة التكيف. إنّ للعب وظيفة مهمة وإن بدا في ظاهرة نشاطاً عبثيّاً؛ إذ من خلال اللعب يتعلم الأطفال وينمو مخهم. ونرى الأطفال يرددون أصوات المناغاة في محاولة لتعلم نطق أصوات اللغة، ويهزون الخشخيشة أو يلقون دمياتهم ليتدربوا على الوظائف الحركية، وليفهموا كيف تتحرك الأشياء، وليستكشفوا قانون الجاذبية. ويلعب الأطفال الأكبر سنّاً ألعاباً تقتضي أداء أدوار معينة ويتعلمون كيف يفهمونها ويسيطرون على الأدوار التي هي أمور ضرورية في الحياة اليومية للكبار. ويعتبر المؤشر على أهيمة اللعب لنمو الأطفال كم الوقت الذي يقضونه في اللعب وكم الطاقة التي ينفقونها. وقد يكون الأطفال أحياناً مدركين أن ما يفعلونه لعباً، ومثال ذلك حين يمارس الطفل الإمساك بكرة، ولكن يمكن أن يكون وظيفيّاً تماماً دون أن يعي الطفل دوره الوظيفي. ويحدث أحياناً أن ينطوي اللعب على مخاطرة، ويحب الصبية بخاصة الألعاب التي تشتمل على السرعة أو الإثارة أو القتال أو أداء أعمال بهلوانية تقتضي مهارة. وهذه الألعاب الخطرة لها وظيفة مهمة تفوق دور المخاطرة؛ إذ يتعلم الطفل أن يفهم المواقف الخطرة وأن تتوفر له الفرصة لتجربة استجابات بديلة. وهكذا يتعلم تقنيات القتال، وتقنيات السقوط المحكوم، وأنشطة المراوغة، والاستراتيجية وغير ذلك من مهارات يمكن أن يكون لها في الحياة بعد ذلك دور مهم حين يواجه مواقف محفوفة بالأخطار. إنّ القدرة على الاستجابة السريعة عند مواجهة خطر مفاجئ قد يكون مسألة حياة أو موت. وهنا لا تكفي فقط المعرفة العقلية، ذلك لأنّها تقتضي من المرء وقتاً طويلاً جدّاً لتنشيطها في الذاكرة، ولكن رد الفعل الفوري لا يتحقق إلا من خلال أفعال منعكسة تدرب عليها المرء، وهذه الأفعال المنعكسة لا يمكن أن يتعلمها المرء إلا من خلال ألعاب تنطوي على "عنف وجسارة". ويمكن أن يتعلم الأ"فال في مناخ اللعب الوقائي أو الآمن نسبيّاً كيف يعرفون ويقدرون المواقف الخطرة قبل أن تصبح واقعاً حياتيّاً داهماً. وهذا هو ما يسمى "التعلم الوقائي" Buffered Learning. ونظراً لما توفره الألعاب للأطفال من بيئة خصبة تساعد في نموهم وتستثير دافعيتهم للتعلم، وتحثم على التفاعل النشط مع ما يتعلمون من حقائق ومفاهيم ومبادئ ومهارات وقوانين ونظريات في جو واقعي قريب من مداركهم الحسية، وتجعلهم أكثر إقبالاً على التعلم، بدأ رجال التربية بالتركيز على الألعاب بشكل عام في مجال التفكير والتعلم. وقد بدلت النظريات التربوية الحديثة أساليب تقديم المعلومة وطورتها لا سيما بعد ظهور نتائج دراساتها المرتبطة بسوكيات الطفل وحاجاته الفطرية، فمن ذلك إثباتها أن مفهوم اللعب والنشاط لم يعودا نقيضان للجد والاجتهاد، وتأكيدها ان اندفاع الأطفال للمرح ليس عائقاً لمسيرة العملية التعليمية. ومن هنا كانت التوجهات التربوية الحديثة للمعلمين وأولياء الأمور على تفهم إمكانية استثمارها تربويّاً في زيادة حصيلة الطفل العلمية، ورفع كفاءته المهارية، وتوجيه قدرته الإبداعية. ولا ننسى أن فكرة التعليم قد سيطرت بالمعاناة على العملية التعليمية لعهود طويلة، ولم تتقادم هذه الفكرة بمرور الزمن. ففي كل عصر يظهر لها مجدِّدون ومؤيِّدون يتعصَّبون للمادة التعليمية وللمعلم وللإدارة، ويتنكرون للمتعلم وطبيعته وقدراته وتفضيلاته، وقد تسببت هذه الفكرة في وقوف كثير من معتنقيها موقفاً عدائيّاً من كل ما يضفي المتعة على التعلم والمتعلمين؛ فهم يؤمنون أنّه لا تعلم من دون ألم "no – pain, no – gain" وأنّ الدواء المر أنجع من الدواء الحلو، ورغم قسوتها فقد لاقت هذه الفكرة قبولاً شعبيّاً واسعاً في كثير من المجتمعات نظراً لما حققته من نتائج إيجابية في مساعدة المتعلمين على تعديل سلوكهم وعلى الحفظ والتحصيل. علاوة على أنّ الكثير من المعلمين شغوفين (بالفطرة) بالتعليم من خلال الخبرة المؤلمة، وأنّ الكثير من أولياء الأمور لا يقدرون التعلم الناتج عن المتعة واللعب. وفي أواخر القرن التاسع عشر ظهر العديد من النظريات التي تقول إنّ اللعب ظاهرة سلوكية تسود عالم الكائنات الحية، وتمتاز بها الفقاريات العليا ولا سيما الإنسان، ومن هنا فاللعب ليس قاصراً على البشر. إنّ غالبية الثدييات تعلب مثلما تلعب طيور كثيرة. ومن الشائع بين أغلب أنواع الرئيسيات أن نرى صغار الإناث تلعب دور الأُم مع أطفال من النوع نفسه. وتتعلم بذلك كيف تتعامل مع أطفال القردة، وهذه المعارف يمكن أن تكون حيوية حين تكبر وتنجب صغاراً أطفالاً لها. وقد لوحظ أن إناث القردة التي نشأت وكبرت في الأسر لم تجد فرصة لتعلم كيف تتعامل مع الأ"فال وبالتالي فهي تعجز عن رعاية أطفالها. ومن هنا ثمة مبرر يدعونا إلى الاعتقاد بأن لعب الأطفال بدمياتهم، ولعب دور الأُم تجاه صغارها هي ألعاب تؤدي هذه الوظيفة الحيوية نفسها. ولذلك فقد تطوع العديد من العلماء والأدباء بتذكيرنا بدعوات المفكرين والفلاسفة للتعليم عن طريق المتعة واللعب، وأخذ الكثير منهم يحاول تصحيح مفهوم اللعب وينقيه من شوائب العبث والأفعال الطائشة، ورووا لنا كيف كان أفلاطون ينصح نساء اليونان بأن يحتفظن في حجراتهنّ بالأجراس والأراجيح والدمى المختلفة لكي يلعب بها الأطفال، وكيف أنه كان يربط بين المتعة في أكل التفاح وتعليم الأطفال مبادئ العد والحساب، وأن أرسطو نادى بأن تحتوي البرامج التربوية للأطفال على الموسيقى والألعاب الرياضية والفنون. إذن لم تكن الألعاب فكرة جديدة، بل على العكس من ذلك، فإن جذورها تضرب في عمق التاريخ الإنساني، إلا أنّ النظرة إلى اللعب تختلف بحسب تفسيرها. لقد لفت موضوع اللعب أنظار الباحثين في مختلف العصور، فتأملوا لعب الحيوان ولعب الإنسان وحاولوا التوصل إلى ما قد يكون له من فوائد، ويفسرون الأغراض التي يمكن أن يؤدي إليها، وقد وضعوا عدة نظريات حول تفسيرها. وقد نشر هؤلاء العلماء والأدباء تفسيرات متعددة لهذه الظاهرة؛ فمنهم من فسرها على أنها طاقة زائدة لابدّ أن يتخلص منها الطفل، وأنّه لا مانع من أن تسهم المدرسة في ذلك عن طريق إتاحة الفرصة للأطفال للتخلص من هذه الطاقة بما يساعدهم على التركيز في الدروس بعد ذلك، ومن أنصار هذه النظرية "شيلر" الشاعر الألماني، والفيلسوف المعروف "هربرت سبنسر". وهناك من رأى أنّ اللعب هو إعداد للحياة المستقبلية، ومن أنصار هذه النظرية "كارل جروس" الذي ذكر أنّ اللعب يؤدي وظيفة بيولوجية مهمة للطفل، فهو يمرن الأعضاء ويمكّنه من السيطرة التامة عليها واستعمالها استعمالاً حرّاً في المستقبل. وهناك النظرية التلخيصية، وصاحب هذه النظرية هو "ستانلي هول" وخلاصتها أنّ اللعب هو تلخيص لضروب النشاطات المختلفة التي مرّ بها الجنس البشري عبر القرن والأجيال السالفة، وليس إعداداً للتدريب على نشاط مقبل ومواجهة صعاب الحياة، هذا بالإضافة إلى النظرية التنفيسية، وهي نظرية التحليل النفسي الفرويدية، وترى أنّ اللعب يساعد الطفل على التخفيف مما يعانيه من القلق الذي يحاول كل إنسان التخلص منه بأي طريقة. أمّا نظرية "جان بياجيه" النمائية، فيشير فيها هذا المفكر التربوي إلى أنّ اللعب يرتبط بمراحل النمو عند الأطفال، ولكل مرحلة نمائية ألعاب وأنماط لعب خاصة بها، كما أنّ اللعب عند الأطفال كالتفكير عندهم، فهناك مراحل تفكير ولكل مرحلة تفكير أنماط من اللعب خاصة بها، ويشكل نمط اللعب في كر مرحلة أسباب التطور المعرفي أو العقلي، ووسيلة للتعلم والتفاعل مع البيئة واكتشافها، وبالتالي يمكن النظر إلى اللعب على أنّه مقياس تطور العقل نفسه، ومن خلال هذه النظرية يمكن القول إنّ اللعب عبارة عن عملية كبرى تتكون من عمليتين رئيسيتين هما التمثيل Assimilation والملائمة Accommodation، وتشير عملية التمثيل إلى النشاط الذي يقوم به الطفل لتحويل ما يتلقاه من أشياء أو معلومات إلى بُنى خاصة به وتشكل جزءاً من ذاته، أما عملية الملاءمة فهي النشاط الذي يقوم به الطفل ليتكيف مع ما يحيط به لتيسير عملية التمثيل. لذا فإن "بياجيه" Jean Piaget يعزو عملية النمو العقلي عند الأطفال إلى النشاط المستمر للعمليتين وبشكل مُتكامل نشيط، وفي هذه الحالة يصبح لدى الطفل حالة توافق ذكي وانسجام بين التعلم الجديد والخبرات السابقة في نطاق حاجته، وإذا تحقق هذا فإن "بياجيه" يطلق عليه "اللعب" الذي يعتبره وسيلة تعلم بالدرجة الأولى. ويعتبر بياجيه من أهم السلطات المرجعية المهمة عن نظرية اللعب. ومن هنا تعد الألعاب طريقة جديدة و مثلى للآراء والأُمّهات للانخراط في تعليم أطفالهم وتربيتهم، لقد أظهرت الأبحاث العديدة أن مساعدة الآباء من خلال الألعاب تلعب دوراً حيويّاً في تحصيل أبنائهم في المدرسة، والاحتفاظ بما تعلّموه، وفي نقل أثره إلى مواقف جديدة. إنّ بعض الآباء يعلِّمون أبناءهم كل شيء في المنهاج المقرر لهم وبالطريقة التقليدية، وبعضهم الآخر يقدم المساعدة لأبنائه من خلال البطاقات اللاصقة في كتاب أعمال أبنائه، كل ذلك أفكار غير مقبولة غير كافية. يجب على الآباء المساعدة بطريقة ممتعة، مرحة، وذكية، وعندما يتم الاتصال والتفاعل بين الآباء وأطفالهم يجب أن تكون تلك اللحظات مفيدة وممتعة، وهذا ما توفره الألعاب التربوية المفيدة شرط أن تكون بسيطة وسهلة وغير مكلفة، ولكن شكوى الآباء أنهم لا يوجد لديهم – في معظم الأحيان – وقت فراغ لتعليم أبنائهم، أو حتى للجلوس معهم!! وتتعدد أشكال وأنواع اللعب، وقد صنفها الباحثون في عقدة أصناف هي: - الألعاب التلقائية: تمثل الأشكال الأولية للعب، وفيها تغيب القواعد والمبادئ المنظمة للعب، وهي في معظمها انفرادية ولا تتم ضمن مجموعات، ويلعب الطفل فيها كلما رغب، ويتوقف عنها حينما لا يهتم بها، ومعظم ألعاب هذا النوع هي استقصائية واستكشافية. - ألعاب تمثيل الأدوار: يعتمد هذا النوع من الألعاب على خيال الأطفال الواسع ومقدراتهم الإبداعية وفيه يتم تقمص الأطفال نماذج الحياة الإنسانية والمادية المحيطة بهم، وينشأ هذا النموذج من اللعب استجابة لانطباعات انفعالية قوية يتأثر فيه الطفل بنموذج من الحياة الوسط المحيط به. - الألعاب الترويجية والرياضية: يشمل هذا النوع من الألعاب جميع الأنشطة التي يقوم بها الأ"فال والتي تنتقل من جيل إلى جيل ومنها الألعاب الشعبية. - الألعاب الإيهامية: من أكثر الألعاب شيوعاً في عالم الطفولة المبكرة، وهي من الألعاب الشعبية، فيها يتعامل الطفل مع المواد أو المواقف كما لو أنها تحمل خصائص أكثر مما تتصف به في الواقع. - الألعاب الفنية: هي إحدى أنواع الألعاب التركيبية، وتعد من الأنشطة الفنية التعبيرية التي تنبع من الوجدان والتذوق الجمالي، ومنها الرسم بالمواد المختلفة. - الألعاب الاستطلاعية الاستكشافية: يشمل هذا النوع من الألعاب كل عملية يقوم بها الطفل لمعرفة المكونات التركيبية لشيء ما وكيف يعمل ذلك الشيء. - الألعاب اللغوية: تمثل نشاطاً مميّزاً للأطفال يحكمه قواعد موضوعية، وله بداية ونهاية محددة. من خلالها يمكن تنمية كفاءة الاتصال اللغوي بين الأطفال وتدريبهم على الاستخدام الصحيح لكثير من أدوات اللغة حروفاً أو أسماء أو أفعالاً، كما أنها تمنح الأ"فال فرص الإبداع اللغوي عن طريق التدريبات الشفوية الحرة. - الألعاب الثقافية: من خلال هذه الألعاب يكتسب الطفل معلومات ومعارف وخبرات متنوعة، ويدخل ضمنها الأنشطة القصصية المختلفة، كالمطالعة والكتابة. - الألعاب التركيبية البنائية: يمثل هذا النوع ألعاب البناء والتشييد بالطرق والمواد المختلفة. - الألعاب الفلاحية: وهي أوجه النشاط المختلفة التي توجه للأطفال الذين يعانون اضطرابات نفسية مختلفة لتخليصهم مما يعانون. ومن الجدير بالذكر أنّ الألعاب التربوية ممارسة في وسائلنا التربوية، لكنها اجتهادات فردية تفتقر إلى التأصيل، فالألعاب طريقة تربوية لها تأصيلاتها النظرية في جامعات عالمية عريقة، وتطبيقاتها العلمية المشاهدة في الدورات التدريبية، والفصول التعليمية في المدارس الغربية، تستند إلى ثروة من الأبحاث والدراسات الأكاديمية، تقدم تحت مسمى "التعليم من خلال الممارسة" تارة أو "التعليم الترفيهي Edutainment أو "التعليم بالمرح"، وما العمل التربوي في محصلته النهائية إل عملية تعلم هدفها إكساب الفرد معلومة جديدة، وغرس سلوك حميد وتنقيته من آخر مشين، وتغيير اتجاهات وقناعات. فالدراسات تؤكد أنّ الأفراد يتعلمون بصورة أفضل عندما تكون عملية التعلم ممتعة، فالألعاب طريقة جذابة وطبيعية، فنحن مفطورون على ب المرح الذي أحد مصادره اللعب، فـ"في داخل كل منا طفل يتوق للعب"، كما يقول "نيتشه". إنّ الألعاب التربوية تتبنى مبدأ التعلم من خلال الممارسة، فهي ألعاب تحكم بقوانين، وتحدد سلوك المشاركين المطلوب منهم القيام به، كما تحدد النتائج الأهداف المراد تحقيقها، والجزاءات التي تحدد نتيجة للأداء، كما تشير إلى مجموعة من الأنشطة المطلوب القيام بها لإنجاز مهمة ما، ويتم ذلك في جو مصطنع يحاكي الواقع. وأغلب الألعاب تحمل طابعاً تنفسيّاً في إطار تفاعل اجتماعي بين المشاركين، تنتهي "بفائز" و"خاسر". وهي بطبيعتها تتطلب من الأفراد المشاركة الجسدية (نشاط عضلي كالحركة) أو العقلية (نشاط عقلي كحل مشكلة)، أو كليهما، كما تستثير الجانب الانفعالي لدى المشارك (كالحماس والمتعة والإثارة والترقب). وعامة فإنّ الألعاب التربوية هي إحدى أهم وسائل نقل واستيعاب المعلومة، وغرس السلوك المطلوب، وتغيير الاتجاهات، والسبب في ذلك هو تميزها بعدة خصائص مقارنة بالوسائل الأخرى، والتي منها: مخاطبتها لأكثر من حاسة لدى الإنسان، ففي حين تعتمد المحاضرة التقليدية على حاسة السمع لنقل المعلومة، فإنّ الألعاب التربوية تستخدم بالإضافة للسمع: البصر، واللمس، وفي أحيان أخرى الشم والذوق، وكلما تم مخاطبة أكثر من حاسة خلال عملية التعلم، كلما كانت المعلومة أو السلوك أكثر ثباتاً وفهماً لدى المشارك. ومن الجدير بالذكر أنّ الألعاب من أكثر الوسائل جذباً لانتباه الأفراد، وأكثر وسائل التعليم التي يتفاعل من خلالها الإفراد فيما بينهم، كما أنها تقوي العلاقات الاجتماعية بين أفراد الجماعة، وتزيد وتعزز ثقة الفرد بنفسه. وإذا أردنا معرفة الاتجاهات الغربية عامة، والأمريكية خاصة فيما يتصل بهذا الاتجاه التربوي، فإننا نجده يتراوح بين المتطرف والمتوسط. فمن مدارس سمت نفسها بالمدارس الحرة، حيث ألغي المنهج تماماً واستعيض بدلاً عنه بالتجارب والرحلات والألعاب التي يديرها الطالب بنفسه. وتشبه هذه المدارس أحياناً المدارس المنزلية حيث يأخذ الوالدان بزمان التعليم تعبيراً عن عدم رضاهما بالمناهج الحالية التي تقتل (كما يعتقد كثيرون) الإبداع. إذن هناك نظريات في التعليم تعتقد أنّ إلزام لطالب بأي نوع من التعليم هو في الحقيقة ليس أكثر من قتل للإبداع في داخله، وأنّ الطفل يتعلم عن طريق اللعب والتجربة والاختلاط بالناس ما لا يتعلمه خلال سنوات طويلة من التعليم الإجباري الممل. وهكذا يلجأ الوالدان إلى تعليم أبنائهما عن طريق برامج التلفاز المفيدة، والقراءة والاشتراك في النوادي الرياضية والتطوع في المراكز المختلفة. أما في المدارس العادية (حيث للمنهج الدراسي اليد العليا) فقد بدأ المعلمون بإيلاء الألعاب أهمية أكبر حيث أصبحت تدخل في المنهج الدراسي بكثرة. وهي تظهر في جميع المواد على الإطلاق إذ لا تختص بمادة دون أخرى. ونلاحظ أنّ الألعاب في المنهج الأمريكي تبدأ من اليوم الأوّل من المدرسة، وهي ما تسمى بـ"الآيس بريكر Ice Breaker"، وتلعب أدواراً مختلفة مثل تلك التي تقدم للدرس أو تقرب فكرة معيّنة أو تستخدم لمراجعة الدرس أو لاستغلال وقت الحصة الباقي بما ينفع، أو لتدخل شيئاً من الاسترخاء على جو الحصة. وبعد قانون "لا طفل يخفق دراسيّاً" الذي أطلقته الإدارة الأمريكية أصبح التركيز على تعلم الرياضيات والعلوم والقراءة والكتابة كبيراً. وتظهر في الوقت الحالي محاولات جادة للدمج بين كل هذه المهارات، وذلك عن طريق الأنشطة العلمية والتجارب. وهكذا يحقق المعلمون أكثر من هدف تعليمي إضافة إلى المرح والتسلية. فإحدى معلمات العلوم في الصف السابع لم ترضَ بتدريس طلابها الحقائق العلمية الجافة فقط، فمثلاً عندما بدأت تدرس طلابها عن الحمض النووي (D.N.A) أرادت أن يفهم طلابها آثاره على المجتمع فبدأت بعرض أحد أفلام الخيال العلمي عن رجل مصاب بخلل في الجينات الوراثية. ثمّ بعد ذلك قرأ الطلاب قصة عن صبي تطوع لمحاربة الأخطار من أجل حماية الجنس البشري. ثمّ ناقش طلابها مقالات عن الاستنساخ، وبحوث الخلايا الجذعية. وقاموا بإجراء خمس عشرة تجربة في المعمل. وقاموا بعمل خلية من الجيلاتين والحلوى وفحصوا خلايا تحت المجهر، وحقنوا (D.N.A) بكتيري في إحدى الخلايا وجعلوها تتلألأ. ثمّ بعد ذلك انغمس الطلاب في كتابة قصصهم الخيالية العلمية. وهكذا استطاعت المعلمة أن تدمج أكثر من مهارة في تدريسها. ومما لا شك فيه أننا وبعد انتشار أجهزة الكمبيوتر وألعابه في كل مكان، لو استطعنا تطويع ألعابه بحيث تخدم أهداف التعليم، فسوف يرتقي التعلم كثيراً، فأطفالنا اليوم يقضون الساعات الطوال أمام شاشات الكمبيوتر بلا كلل أو ملل، أفلا يمكن استغلال الجاذبية التي يفرضها عليهم الكمبيوتر في التعليم؟ وما أكثر الألعاب التي يستطيع المعلم أن يدخلها في المنهج الدراسي. وخاصة أنها لا تعتمد على نوع واحد من الألعاب. فمن تجارب وتمثيل وألعاب حركية إلى إنترنت وألعاب كمبيوتر. وكل المطلوب أن يُعمل المعلم خياله ويجيل النظر في الخيارات الكثيرة المطروحة أمامه ليختار من بينها ما يناسبه ويناسب المنهج الذي يدرسه.   - المصادر والمراجع: * د. محمد محمود الحيلة: الألعاب التربوية وتقنيات إنتاجها، عمان، دار المسيرة، ط3، 2006م. * على فالح الهنداوي: سيكولوجيا اللعب، مكتبة الفلاح للنشر والتوزيع، عمان 2003م. * عزو عفانة: أسلوب الألعاب في تعليم وتعلم الرياضيات، غزة 1996م. * د. محمد محمود الحيلة: تقنيات إنتاج الألعاب التربوية، المعرفة، العدد 147، الرياض 2007م. * أجنر فوج: الانتخاب الثقافي، ترجمة شوقي جلال، الهيئة المصرية العامة للكتاب 2008م. * إيمان القرود: الآيس بريكر، المعرفة، يوليو 2007م.

* Kaye Peggy: Games For Learning. Farrar Giroux, New York.

المصدر: كتاب أطفالنا.. وتربية عصرية

ارسال التعليق

Top