• ٢٢ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٠ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الطفولة في بعدها الإنساني

عمار كاظم

الطفولة في بعدها الإنساني

اهتمَّ الإسلام كدين بتكوين الطفولة المنسجمة مع مبادئه، من خلال ترسيخ مجموعة القيم الأخلاقية والتربوية التي تنفتح على الإنسان طفلاً وشاباً وشيخاً، للتخطيط لبناء جيلٍ سليمٍ نفسياً ودينياً وصحّياً وتربوياً وأخلاقياً، والعمل على إعداد الإنسان لتحقيق معنى وجوده لكونه الخليفة على الأرض، ولبناء الحضارة الإنسانية على الصورة التي يريدها الله في الإنسان كفردٍ وكمجتمعٍ وكدولةٍ. ففي قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (غافر/ 67)، إشارة واضحة إلى أنّ (الطفولة) هي أساس بقية المراحل الإنسانية. فالطفولة في بعدها الإنساني ومعناها الحيوي هي عملية تأسيس الشخصية الإنسانية وتقويتها وتنميتها، وغرس البذور الطاهرة النقية فيها، وإعدادها للتحوّل إلى عنصرٍ فاعل منتج يمارس دوره في بناء الحياة على أساس ثابت. كما أنّ العلم من الصغر والتربية خلاله، تعني التثبيت لكلّ القيم والمفاهيم والأفكار التي يراد تأكيدها.

الطفل كيان متكامل، ومن المفترض أن يكون تحت رعاية الأهل الكاملة، فهم الذين يؤثّرون بشكل أساس في تلك الشخصية، ويمنحونها القوّة والثقة بالنفس، وما تحتاجه من اهتمام مادّي ومعنوي، فالأطفال أمانة ومسؤولية، أوّلاً على مستوى الأهل، وثانياً على مستوى المحيط والمجتمع.. فهم أبناء المستقبل الذين يجب إعدادهم وتوجيههم وإدارة شؤونهم بالشكل الطبيعي والسليم الذي يؤتي ثماره خيراً على الجميع. يقول الإمام عليّ (عليه السلام): «أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم يغفر لكم»، وعن الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) قال: «جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: يا رسول الله ما حقَّ ابني هذا؟ قال: تحسن اسمه وأدبه وضعه موضعاً حسناً».

ومن المؤسف، لم يعد اليوم لقيمة الإنسان وللطفولة البريئة معنى واعتبار، حيث أصبحنا نسمع ونشاهد الكثير من قصص التجاوزات والتعدّيات بحقّ الطفولة، قتلاً واغتصاباً وتشريداً وحرماناً من التعليم وتجنيداً واستغلالاً في الحروب، وحتى الحرمان من الحصول على تغذية سليمة، ما يترك طفولة مجروحة بائسة، تغزوها الأمراض النفسية والصحّية من كلّ الجهات. إنّ مسألة تجنيد الأطفال واستخدامهم في النزاعات المسلّحة، وفي ساحات الحروب، في مساحات كبيرة من هذا العالم، يجب أن تلقى اهتماماً دولياً كبيراً، سواء من المنظّمات الحقوقية والإنسانية أو التشريعات الدولية، لمحاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها، واتخاذ ما يلزم من إجراءات تمنع تجنيد الأطفال وتحظرها وتعاقب مرتكبيها، مع وضع قوانين تشدّد على ضرورة تعليمهم وحمايتهم.

من حقّ الأطفال في هذا العالم أن ينعموا بالأمن والأمان والسلام والاستقرار، وأن تتمّ تهيئة الأجواء الاجتماعية المناسبة لهم في طور نشأتهم ومستقبلهم. لذلك يجب المحافظة على الأطفال وحقوقهم، وتهيئة بيئة سليمة اجتماعياً ونفسياً لهم، ليقوموا بالدور المطلوب منهم مستقبلاً في الإعمار والبناء والعطاء النافع لهم وللحياة. يعتبر استغلال الأطفال من أبشع أنواع الاستغلال، وهو يشكّل خطورة كبيرة على البناء الاجتماعي، ويحرم الواقع من طاقاته الواعدة. لذا، فالمطلوب من كلّ القيّمين والمسؤولين، التنبّه لذلك، والسعي الدؤوب للمحافظة على الطفولة وإيصالها إلى برّ الأمان. فإنّ الاهتمام بالطفولة هو الاهتمام بالنموّ الطبيعي لحركة المستقبل في الإنسان، وإنّ إهمال الطفولة يشكّل نوعاً من إهمال المستقبل، أو تعقيده، أو إيجاد الكثير من العراقيل أمام حركة الإنسان في المجتمع.

ارسال التعليق

Top