• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

العاطفة مهمة جداً في حياتنا

العاطفة مهمة جداً في حياتنا
◄عاطفة الإنسان تجعله في الكثير من الأحيان يفكر بطرق مختلفة حسب طغيان العاطفة في تلك اللحظة.
والعاطفة أو الشعور العاطفي ليس بالسمة السلبية في طبيعة الإنسان انما سمة إيجابية تجعل من ذلك الشخص إنساناً يعيش ويتفاعل مع مجتمعه وهي مهمة في حياة المجتمعات البشرية. انّ العيش بدون عاطفة يجعل الإنسان المجتمع ينحدر إلى درجة المجتمعات الحيوانية التي تملك شعوراً عاطفياً معيّناً. وربما كان سبب اعتقاد بعض     الناس ان اطلاق لقب عاطفيين عليهم يعتبر اهانة لأنّ العاطفة تؤثر على المنطق. لكن إذا كان الإنسان منطقياً وواقعياً فهل يكون بحاجة إلى العاطفة لتسيير شؤون حياته وهل هي مهمة في حياته إلى ذلك الحد؟ هنا يتدخل العلم لالقاء بعض الضوء على طبيعة الشعور بالعاطفة.
لقد حاول داروين صاحب "نظرية التطور" دراسة وجود العاطفة عند الإنسان وإيجاد علاقة بينها وبين قانون التطور الذي اقترحه. وعلل داروين العاطفة بانها من بقايا الاصل الحيواني للإنسان، حسب زعمه، لكنه أشار إلى أهميتها في حياة الإنسان. أما علماء النفس فقد كان جوابهم بعد سنوات عديدة من البحث والتمحيص انّ العاطفة ليست من "بقايا طفولة الإنسان أو أصله الحيواني" طبقاً لاعتقادهم إذ ان وجودها مهم لاتخاذ القرارات المستمرة في حياة الإنسان خصوصاً عند مواجهة المشاكل اليومية المتعددة. فالإنسان بدون عاطفة كالآلة أو الإنسان الآلي الذي يعمل على أداء وظيفة مقررة لكنها لا تستطيع أن تغير الواقع أو المحيط الذي تعيش فيه. أما الإنسان فإنه يجمع بين المنطق المتمثل بالعقل والعاطفة التي تجعله يتفاعل مع المؤثرات المختلفة. والفرق هنا بين عاطفة الإنسان وعاطفة الحيوان ان الأخيرة تمتلك شكلا واحداً من التفاعل مع مثيلاتها بدافع الغريزة.
فالنحل يعمل مع بعضه البعض ليس بدافع العاطفة المشابهة لعاطفة الإنسان وإنما بغريزة المنفعة المشتركة. ولهذا فإنّ الاعتقاد بأن النحل يكون في لحظات معيّنة في هيجان عصبي أو غضب ليس له من الواقع بشيء من الناحية العاطفية. إذ انّ الغضب عاطفة فوارة أما وضع النحل فإنّه وضع استحابي أو رد فعل لاستفزاز معيّن.
لهذا فإنّ الغرائز الموجودة في الحيوانات تسير ضمن نظام العاطفة لتسيير حياتها. والإنسان الآلي هو الآخر يسير ضمن خط ثابت لأداء عمل معيّن ولا يحتاج إلى العاطفة لإتخاذ القرارات المختلفة. لكن الإنسان خلاف ذلك فهو يعيش ويتفاعل مع مجتمعه وهذا التفاعل مشترك وكل يؤثر في الآخر. والإنسان يمتلك الأهداف المختلفة خلال مسيرة حياته لذلك فإنّه غير مبرمج لأداء أفعال معيّنة فقط كالحيوانات. لهذا فإنّ الإنسان يحتاج إلى خاصية معيّنة في تركيبه تمكنه من القيام باعمال رئيسية ثلاثة حسب تقسيم العلماء. العمل الأوّل ضرورة التمكن من تحمل المعقوات التي تعترض مسيرة حياته اليومية خصوصاً الكبيرة منها. وبذلك يمكن لهذه الخاصية أن تخبر الشخص عند حدوث طارئ معيّن باهمال الأعمال غير الضرورية والتركيز على ذلك الطارئ. والعمل الثاني هو تغيير الأولويات في حياة الشخص عند حدوث معوق مهم وبذلك يمكن له الانتقال من فاعلية إلى أخرى وثالثاً الاستفادة من المعلومات المكتسبة لمواجهة تلك المعوقات.
ولذلك فهذه الخاصية تمكّن الإنسان من إعادة برمجة حياته على ضوء سلسلة الأحداث التي تواجهه حتى بعد انتهاء اللحظات الحرجة. هذه الخاصية هي العاطفة التي يحملها الإنسان والتي تمكنه من مواجهة الأحداث اليومية المختلفة والخروج منها بنجاح. وهنا يجب التمييز بين العاطفة والمزاج. يقول العلماء انّ العاطفة تظهر فجأة لدى الإنسان وقد تستمر لثوان أو دقائق معيّنة.
أمّا مزاج الشخص فهو حالة خاصة قد تستمر لساعات أو أيام بعد اختفاء العاطفة. ويمثل العلماء الفرق بين الحالتين كالفرق في حالة النشاط العضلي. فتقلص العضلة يحدث نتيجة لتغير وضع الأطراف ووضع العضلة. فالعاطفة المتقطعة تتعلق بتغير شيء. أمّا المزاج فهو الابقاء على حالة ذلك الشيء أو حالة التقلص في العضلة.

- صفات العاطفة وأنواعها:
تمتلك العاطفة خمس صفات متميزة حسب اعتقاد العلماء، الصفة الأولى: إمتلاك العاطفة الدافع الغريزي للعمل أي إنها تظهر بدون سابق انذار. الصفة الثانية: وجود بعض المؤثرات الجسدية. وثالثاً: وجود شعور متميز ثمّ ظهورها بصورة متميزة كالإبتسامة أو البكاء. أما الصفة الخامسة فهي تدفق الأفكار في اللحظات العاطفية بصورة غير إرادية وبصورة قد لا يمكن السيطرة عليها. والعاطفة هنا تشمل حالة التأهب النفسي وطبيعة الاستجابة غير الإرادية لاتخاذ الفعل المناسب.
وهناك خمسة أنواع رئيسية لمظاهر العاطفة: وهي السعادة والكآبة والغضب والخوف والاشمئزاز. وهناك حالات عاطفية متعددة ومتداخلة تشمل هذه الأنواع الخمسة. فالغيرة مثلاً تشمل الكراهية والغضب بينما يشمل الحسد الغيرة والكراهية والغضب والاشمئزاز وهكذا. ولذلك يعتقد العلماء إن مختلف العواطف تعتمد على حالات التأهب لاتخاذ فعل معيّن. ويأتي هذا التأهب بعد تحليل العقل الباطني للأحداث المحيطة. فحل مشكلة معيّنة قد يؤدي لظهور حالة من السعادة بينما الفشل في ذلك يؤدي إلى الحزن أو فقدان العزم. والسعادة تؤدي إلى الابتسام والضحك والانشراح بينما يؤدي الحزن إلى البكاء أو الانقباض. وهي حالات استجابية للعواطف الكامنة في النفس. أما الخوف فهو عاطفة متقطعة تتحول إلى قلق وتوتر ويتحول ذلك بدوره إلى مزاج مستمر.
ولا يوجد هنا شكل ثابت من أشكال رد الفعل المضاد لحالة الخوف ربما لعدم وجود الزمن الكافي للتفكير. ولذلك يوجد هنا الدافع الغريزي الذي يساعد على اتخاذ رد الفعل المناسب خلال الأوقات الحرجة من هرب أو دفاع عن النفس وما شابه. وقد توصّل بعض الباحثين إلى خلاصة معيّنة وهي انّ العاطفة تعتمد على طرق مراقبة أفعال الإنسان اليومية وبصورة مستمرة. وترسل إشارات بسيطة عن تغير خطة عمل معيّن نحو الأحسن أو الاسواء. لكن هذه الإشارة لا تدل على سبب ذلك التحذير تماماً كما هي الحال مع جرس الانذار الذي تعلن إشارته عن وقوع الخطر وضرورة اتخاذ الاجراء الواقي لكن الإشارة لا تدل على نوعية ذلك الخطر.

- العاطفة ومشاكل الإنسان:
وتشير بعض الأدلة الأخرى إلى انبعاث العاطفة أو الحالة المزاجية بدون حدوث شيء له علاقة بتلك العاطفة أي بدون سابق انذار. ومع ان ذلك لا يحدث بصورة مستمرة لكن له تأثيره الخاص على حياة الإنسان. فالشخص قد يشعر بالفرح أو الحزن المفاجئ ولأسباب لا يمكن وصفها. ويعاني بعض الناس من القلق أو التوتر بدون معرفة الدافع الحقيقي وهو ما يطلق عليه بالخوف من المجهول. وهناك بعض العقاقير كالمهدئات العصبية التي يمكنها تغيير مزاج الشخص بدون تغيير الدوافع الحقيقة. هذه العقاقير تعمل على احداث حالة مزاجية معيّنة أو تغيير شدتها. ويدل ذلك على علاقة بعض الحالات المزاجية بالتغييرات الفسلجية من هرمونات وجهاز عصبي. أي أن تغير مثل هذه الهرمونات أو الأعصاب يؤدي لتغير مزاج الشخص. لكن هناك حالات عاطفية أخرى لا يمكن أن تحدث بدون مسببات كالشعور بالذنب أو الحسد أو الندم.
ومن المعروف انّ الشعور العاطفي يؤدي إلى تدفق الأفكار بصورة لا يمكن وقفها. ففي حالة الحزن لا يمكن التخلص من العوامل التي أدت إلى حالة الحزن بل وانها تتردد في النفس باستمرار.
وفي حالة الغضب تتدفق الأفكار حول ضرورة الانتقام والثار. وفي الواقع فإن سلسلة الأفكار هذه التي تتدفق في حالة العاطفة تساعد كثيراً على استخلاص القرار الملائم بعد توقف العاطفة. أما اتخاذ القرار أثناء الوضع العاطفي فقد لا يكون حكيماً. ولذلك فإن سلسلة الأفكار التي تتدفق أثناء العاطفة يجب أن تعرض على العقل لاختيار الملائم ويعتمد هذا على نوعية الشخص. ولذلك فإنّ العاطفة لا تعتبر غير مجدية وغريزة حيوانية حسب ادعاء بعض العلماء إذ انها مهمة لتفكير الإنسان بالعالم المحيط به وللتوصل إلى بعض القرارات. ويعرف بعض العلماء العاطفة بأنها حل جسدي ونفسي للمشكلات التي تواجه الإنسان في حياته اليومية وهي ضرورية لحل تلك المشكلات. والإنسان بدون عاطفة لا يمكن أن يشعر بالفرح أو السعادة أو الحزن أو الغضب وهي من ضروريات إقامة المجتمع الإنساني.►

ارسال التعليق

Top