◄قبل أن تشرق شمس الإسلام على العالم كانت الإنسانية تعيش في ظلال علاقات اجتماعية مضطربة، وكان الصراع المادي على أشده والصلات بين الناس تكاد تكون مقطعة الأوصال وكلّ واحد يعيش لنفسه وحدها ويحب الخير لنفسه ولا يعنيه سواه من الناس. وجاء الإسلام يحمل الضياء والهدى، فيبدد ظلام هذه العلاقات ويضع الإنسانية على طريقها الصحيح، طريق التعاون والإخاء والأمن قال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة/ 15-16).
جاءت دعوة الإسلام ترسي القاعدة الأولى لحرية الإنسان عن طريق غرس عقيدة التوحيد في القلوب، فلا يدخل أحد في الإسلام إلّا بعد أن يعتقد بقلبه وينطق بلسانه قائلاً: (اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنّ محمّداً رسول الله) ومعنى الشهادتين رفض الولاء لأية قوة مخلوقة بل الطاعة لتلك القوة الخالقة القادرة (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) (الأنعام/ 102)، وذلك يؤكد كرامة الإنسان فهو يرفض أن يستذله غيره ويرفض الخضوع لغير مولاه.. وتأتي بعد قاعدة إرساء قيم العدل والمساواة بين المؤمنين فهم جميعاً إخوة الله وفي الله – لا فضل لأحد على آخر. وبهذه المبادئ القوية زالت كلّ العصبيات وأصبح المؤمنون بنعمة الله إخواناً يحب الواحد منهم أخاه ويؤثره على نفسه ويسعى نحو إيصال الخير له ويعمل على أن يعيش سعيداً كريماً تحقيقاً لمعنى الأخوة التي أكّدها القرآن الكريم في قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10).
ولهذا نجد تعاليم الإسلام ترفض الطبقية التي تجعل بعض الناس يتعالون على غيرهم ويتخذون لأنفسهم وضعاً متميزاً فهم السادة الأعلون، وغيرهم من المستضعفين هم الأدنون. وحينما أراد بعض كبار قريش أن يوجدوا لهم وضعاً طبقياً معيناً به يتفاخرون على غيرهم ويعتبرون أنّهم خير الناس، طلبوا من رسول الله (ص) أن يجعل لهم يوماً يجلسون فيه وحدهم معه والمستضعفون يكون لهم يوم آخر حتى لا يجلسوا معاً في مجلس واحد نزل القرآن الكريم رافضاً هذا ومقرراً مبدأ العدل والمساواة ليكون ذلك منهج المسلمين في علاقاتهم بعضهم بعضاً في كلّ زمان.
ولكي يؤكد الإسلام معنى العدل الاجتماعي بين أبنائه أمرهم بأن يتعاطفوا وأن يحب الواحد منهم لأخيه ما يحبه لنفسه وأن يؤث غيره على نفسه.. من أجل ذلك يعلم الإسلام الفرد أن واجبه العمل من أجل خير المجتمع كلّه قال تعالى: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) (الحديد/ 7)، ويقول (ص): "ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جانبه وهو يعلم".
لقد كرم الله الإنسان الذي يعمل على إزالة الظلم عن أخيه المسلم وعلى إرساء دعائم العدل ونشر لواء الحرية والأمن بين الناس ويعمل بكلّ طاقاته على أن يكون مجتمعه حراً لا يستذل حماه، عزيزاً لا يبغي عليه باغ فإذا ما حاول معتد أن يعتدي على أرضه وجب عليه أن ينهض لدفع هذا العدوان تحقيقاً لمعنى التكامل حسبما قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ) (المائدة/ 2)، وإذا أحب المؤمن أخاه كان جديراً بأن ينعم في ظلال عرش الرحمن يوم لا ينفع مال ولا بنون إلّا من أتى الله بقلب سليم. ►
المصدر: كتاب الإسلام والإنسان المعاصر
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق