• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العراق: مسارات الاحتجاج إلى أين؟

د. حسين أحمد السرحان

العراق: مسارات الاحتجاج إلى أين؟

السلطات و«القوى السياسية» العراقية بحاجة لتملّك رؤية للعمل الإجرائي إذا ما كانت فعلاً مريدة لهدف بناء الدولة وتصحيح المسار في ترميم ما يمكن ترميمه في المرحلة الحالية مستفيدة من ضغط الجماهير كمساند قوي ضد قوى الاعتراض على الإصلاح والتغيير.

تشهد العاصمة بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق استمرار لحركة الاحتجاج وتوسع تلك الاحتجاجات وزيادة يومية في أعداد المنضمين لها، فضلاً عن التعاطف الشعبي الكبير لها والذي ظهر جلياً في تحدّي وكسر قرارات حظر التجول التي أعلنتها الحكومة، وقيام موظفي بعض الدوائر والمديريات لبعض الوزارات بالإضراب عن العمل في تلك المحافظات على الرغم من توجيهات من الوزارات الاتحادية بالالتزام بالدوام ومحاسبة المخالفين، حتى وصل الأمر إلى إعلان العصيان المدني في عدد من المحافظات كما في محافظات واسط والنجف وبابل وغيرها.

الاحتجاج دائماً هدفه إحداث التأثير وتصعيد الضغط على السلطات لتستجيب لمطالب المحتجين وتحقيق أهدافهم. وما شهده بلدنا العراق منذ بداية تشرين الأول الماضي هو تطوّر طبيعي لحركة الاحتجاج بدءاً من التظاهر ثمّ توسّعها أفقيا وزيادة المشاركين فيها، تبعها إضراب لبعض النقابات الفاعلة كنقابة المحامين والمعلمين حتى وصلت إلى ما هي عليه اليوم بوجود إضراب عام وعصيان شمل معظم محافظات وسط وجنوب البلاد.

وإذا ما عدنا إلى هدف تحقيق التأثير، فالمحتجين غالباً ما يبحثون عن وسائل وطُرُق جديدة تحقيقه، ولكن عدم إدراك عدم تحقيق الهدف عندها تلجأ الجماهير الغاضبة إلى ابتكار وسائل أكثر تصعيدية. وهذا أمر طبيعي تشهده معظم الاحتجاجات إلى مستوى العالم بما فيها الدول الأكثر رفاهية اقتصادية وذات النُّظم الديمقراطية.

إلى الآن هذه المسارات طبيعية، ولكن ما هو غير طبيعي تعامل السلطات بوحشية وإرهاب مع المحتجين في والذي قاد إلى مقتل ما يقارب من 300 مواطن وجرح ما يقارب 12 الف آخرين. ولذلك نجد أنّ مسارات التظاهر اتّسعت أكثر واتّسمت بانضمام فئات اجتماعية أكثر مثل العشائر وباقي النقابات المهنية، فضلاً عن تزايد المنضمين لها من الطبقة الوسطى وطلبة الجامعات والمدارس الثانوية.

استمرار التجاهل لمطالب الجماهير والتعامل معها بقسوة يُفشل تحقيق هدف التظاهر إلّا وهو تحقيق التأثير، كما أنّه عامل أساس في تصاعد مسارات الاحتجاج ويدفعه للتحوّل إلى غضب عام وعندها قد تكون وسيلة استخدام العنف هي الوسيلة الأنجع من وجهة نظر المحتجين. وهذه المرحلة ستكون سماتها الفوضى والاقتتال الداخلي والذي سيفضي إلى الحرب الأهلية وسيتعرض الأمن والسلم المجتمعي لخطر الانهيار وانعدام مظاهر الدولة والأمن. لاسيّما مع معاناة العراق الأزلية من أمرين أساسيين وهما انتشار السلاح لدى مجموعات وجهات متعدّدة، والضعف الكبير في القدرة والكفاءة على إنفاذ القانون لدى المؤسّسات الأمنية والقضائية.

ولذلك تسعى السلطات في الدول التي تشوبها تظاهرات إلى إدارة الأزمة بحكمة وواقعية لتجنّب التصعيد في مسارات الاحتجاج. ولكن في العراق لازالت السلطات ومن أنجبها من «القوى السياسية» لا تعي خطورة الموقف ووقعت في فخ سوء تقدير الموقف وقراءة المسارات التي تبلورت منذ بداية تشرين الأوّل الماضي. وقادة إلى التصعيد التي تشهده البلاد حالياً.

السلطات و«القوى السياسية» العراقية بحاجة لتملّك رؤية للعمل الإجرائي إذا ما كانت فعلاً مريدة لهدف بناء الدولة وتصحيح المسار في ترميم ما يمكن ترميمه في المرحلة الحالية مستفيدةً من ضغط الجماهير كمساند قوي ضد قوى الاعتراض على الإصلاح والتغيير.

 وبخلاف ذلك فإنّ التصعيد المفضي إلى استخدام العنف ليس ببعيد وحينها لا يمكن إدارة الأزمة باتجاه تحويلها إلى فرصة وستُثقل تلك «القوى» والسلطات بمهام إيجاد نوع من توازن القوى الحامي لمصالحها الفئوية الضيِّقة وسط مشاهد ضياع الدولة والمجتمع وسيكون الجميع في خانة الخسارة.

ارسال التعليق

Top