• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العطاء والقيم السامية في ملحمة عاشوراء

عمار كاظم

العطاء والقيم السامية في ملحمة عاشوراء

كانت ثورة الحسين (ع) ثورة رائدة فذّة العطاء، غنية القيمة والتأثير، واسعة الأهداف، فلم يكن هدفها مركزاً في استلام السّلطة وحسب، وإن كانت السلطة أداة وضرورة سياسية في نظر الإمام الحسين (ع) لتغيير الأوضاع وإصلاح المجتمع وممارسة عملية البناء والتوجيه، وانّما كان يستهدف أهدافاً كثيرة قريبة وبعيدة، لقد كان يجري في فهمه للسّلطة على المبدأ الذي ثبته أبوه: "اللّهمّ إنك تعلم لم يكن الذي كان منّا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحِطام، ولكن لنردّ المعالم من دينك، وتُقام المعطّلة من حدودك، ويأمن المظلومون من خلقك". حكايةُ ثورة الحسين، حكاية ثورة الإنسان بكل ما فيه من سُمُو وإباء، والمؤمن بكل ما تحتوي عليه كلمة الإيمان من صدق وثناء، والمصلح بكل ما تستلزمه أبعاد الحروف من حقِّ ونجدة ومروءة ووفاء. ثورة الحسين ثورة إنسان كمل في إهابه معنى الرشد، وحقيقة الوعي، وروح الإيمان وسرّ العلو المطلق، فتشكّل في حياته دليلاً أميناً لطلاب الحق، وبعد مماته أمثولة رائعة حازت شرف الأسوة في خطٍ مشروعٍ نقلاً وعقلاً، وبقي مَن واجهه رأساً في حربة الظلم والغدر والإثم، ذات نتاج الفساد والخديعة والشر.

لقد كان الإمام الحسين (ع) يستهدف من حركته الجهادية الكبرى عدّة أهداف منها:

- تغيير الأوضاع السياسية واستبدال الجهاز الحاكم وأسلوب الإدارة والسياسة، والتعامل مع الأُمّة وفق الموازين والمقاييس التي ثبّتها الإسلام.

- إيقاظ الحس والوعي السياسي للأُمّة، وجعلها جهاز مراقبة للسلطة، متى ما انحرفت عن المبادئ أو تخلّت عن تطبيق الأحكام والقوانين الإسلامية.

- تثبيت مبدأ شرعية القوة والمقاومة المسلّحة للحاكم الظالم.

- إعادة تربية وبناء الأُمّة تربية وبناء سليماً.

- تصحيح الانحراف وتطبيق أحكام الشريعة وقوانينها.

- كسر حاجز الخوف والإرهاب المفروض على الأُمّة وتحريك روح الثورة والفداء فيها.

وما أن تحرّك الحسين (ع) - وقد كان واضحاً لديه انّ الثورة قد لا تنجح نجاحاً عسكرياً إلّا انّها ستكون بداية لتحريك جماهير الأُمّة وإثارة روح المقاومة والنهوض فيها - ما أن تحرّك واستشهد حتى وقفت السّلطة الحاكمة على شفا جرف هاو، وفوهة بركان مدمِّر، وبدأت الانفجارات والثورات، وبدأت السّلطة الحاكمة تترنّح، وتفقد ارتباطها بالأُمّة، وتستعمل القمع والإرهاب كأسلوب لإسكات الأصوات وكبت الحرِّيات، وبدأت أحاسيس الشعور بالذنب والجريمة من قتل الحسين (ع)، إمام الأُمّة وسبط رسول الله (ص)، وبدأت سحب العاصفة ونذر الانفجار تتجمّع في النفوس، وظهرت بشكل ردود فعل مسلّحة عنيفة، كما مهّدت حركته السبيل وهيّأت الأجواء والظروف السياسية والنفسية لحركات أخرى أن تظهر وتقاوم الحكمة الأموي وتعمل على إضعافه، حتى انتهى الأمر بسقوط الأمويين في نهاية المطاف، وكان لثورة الحسين (ع)، ولدم الحسين (ع) القسط الأوفر في هدم هذا الكيان وإزالة وجوده.

انّ مأساة الحسين، ذات وجهين.. وجه المصيبة والدموع والرثاء والبكاء.. ووجه البطولة والشجاعة والإباء.. "إنّ علينا إبكاء الناس على المصيبة باستمرار ولكن في رثاء البطل.. أي يجب أن نرثي بطلاً – وبطلاً أبياً صار فخراً للإسلام والمسلمين على امتداد التاريخ وإلّا فإنّ رثاء رجل مسكين مستكين مظلوم لا حول له ولا طول، لا قيمة له..". "نعم إبكو البطل وأقيموا مجالس الرثاء والعزاء للبطل، حتى تولّدوا إحساساً بالبطولة والشجاعة.. يجب أن تنعكس ظلال روح البطل على أرواحكم وتزداد غيرتكم تجاه الحق والحقيقة وتنذروا أنفسكم للعدالة وتصبحوا من المقاتلين ضد الظلم والظالمين، وتصبحوا أحراراً وتقدّروا الحرية. إجلسوا في رثاء البطل حتى تعرفوا معنى عزّة النفس، ومعنى الشرف والإنسانية والكرامة". "إنّ اسم الحسين وتأريخه ومرثيته كانت أسلحة تعبوية، بل حتى قبره الشريف كان كذلك، لذلك قرروا هدمه ومحو آثاره وتسوية الأرض التي دُفن فيها.. إنّ الرثاء الحسيني يجب أن يأتي ممزوجاً بالحماس ويجب أن يخلد". وباختصار شديد أن نرفع شعار أو شعارات الإمام الحسين البطولية الخالدة:

الموت أولى من ركوب العار *** والعار أولى من دخول النار

أو "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد". أي بتفريغ الأهداف العظيمة التي استشهد الإمام الحسين من أجلها، وإبقاء شعارات البكاء والتباكي فقط دون العمل والكفاح والجهاد.

ارسال التعليق

Top