◄قديماً في بلاد الملوك، كان كلّ فرد يتعطَّر بغزارة رغم أنّ الماء لم يكن يجري بها وكانت الأوساخ منتشرة؛ لكن مع التقدُّم الذي عرفته الصحّة وتوزيع المياه، صار العطر أُنثوياً.
وقبل خمسة عشر سنة – فقط – أصبحت العطور الرجالية أكثر انتشاراً، والاستشهاد – طبعاً في حدود الثلاثينات من القرن 19 – كان عطر (سكاندال Scandal) العطر الرجالي ذو رائحة جلدية ممتازة، وقد أعاد كربورشار اليوناني هذا العطر ثانية إلى الظهور ابتداءً من عام 1959م؛ لكن الانطلاقة الكبرى للعطور الرجالية – كما قال رودنست– كانت في السنوات الأخيرة على يد: موسطاش روكا.
ومهما يكن تطوُّر العطور التاريخي، فإنّ فقرتنا هذه لن تقف عند حدود العطور النسائية.. فالعطر شيء بسيط؛ لكنّه مستهلك، والتعطُّر – وإن كنّا نستوعب طريقة استعماله انطلاقاً من تمارين بسيطة – ، فإنّنا لن نستوعب معناه الحقيقي، ذلك أنّ الذي أو التي تستعمل العطر لا تحكم جيِّداً عليه، لأنّ غشاء حاسة الشم المنجذب دائماً بذاك العطر، تتشبع سريعاً.. وعملياً إذا أفرط أصدقاؤك وشركاؤك في التعطُّر، فإنّه بإمكانك الانتباه إلى ذلك أكثر مما ينتهبون إليه هم أنفسهم، وهنا نتساءل ماذا يعني العطر؟
هناك عطور الإغراء مثل (N5) لشنل أو (Shalimar de Guerlain)، كما أنّ هناك عطور الإغراء لكنها ذات صفة طبيعية وأقل تزييفاً من سابقتها مثل عطر (Femme de Rochas) و (Miss Dior).
والأقرب منّا حداثة يتجلّى في الماء المتوحش لـ(Dior) و(Diorella) الذي يضمن إعادة التوافق بين المرأة والطبيعة.. وانطلاقاً من إنتاج السنوات الأخيرة، وبالأخص السبعينات والثمانينات، يتضح لنا أنّه بإمكاننا أن نطلب إذا كان العطر عطراً للإغراء أو لإثبات الذات أو عطراً عادياً مزيلاً للروائح النتنة؛ لكن الاستنتاج الأهم هو أنّ موضة العطور تتطوّر مثل موضة المجوهرات، فمن جهة أصبحت تمنح جزءاً من اهتماماتها للرجال: "مجوهرات رجالية لرجال الأعمال"، ومن جهة أخرى لكلّ ما هو مبتذل ولا يمت بصلة للمجوهرات المتوارثة من الأجداد.. فالجيل الجديد من الشبان والشابات يتعطَّرون بحرِّية زائدة عن سابقيهم، وبدون شك يفعلون ذلك دون التمسُّك بإرث الماضي، إلّا أنّ التقدُّم الذي عرفته المستحضرات العطرية – بين العموم – هو ناتج أساساً عن تأثير الإشهار.
يقول بارث: "كلّ واحد منّا يعلم أنّ البشرة – كانت منطقة حيوية أو ميتة هي قابلة لأن تجف وتشيخ – صديقة للماء والطبيعة وعرضة للدهنيات. فهذه المبادئ تؤسس لتسويق كلّ منتجات التجميل: فالجسم المليء بالعرق محتاج دائماً إلى مزيلات للروائح وعطور مخلصة من الرائحة النتنة".
نستنتج أكثر أنّ العطور هي مسألة متعلقة بالموضة ليس إلّا، ولا تعني شيئاً إذا أردنا أن ننسبها إلى نموذج ثقافي.. فبالنسبة لأولئك الذين يعقلون جيِّداً رسالة الروائح، فالعطر الخفيف – الذي لا تدوم رائحته مدّة أطول – غير مُكوَّن من مواد ثقيلة، وبما أنّ هذه العطور غالية فإنّها تُحدِّد التميُّز الاجتماعي والأناقة واللباقة.
فالرائحة الخفيفة مثل ملابس النوم الشفافة والعطر اللازج يظل مثل منظف.
التبغ بارد في رائحته؛ لكن العطر يجمع الإحساس بالنشوة واللطافة.. أمّا إذا كانت رائحته كريهة، فإنّها تُثير الاشمئزاز والنفور. إنّ فستان مدخن يمكن أن يجعل – مثلاً – مقصورة قطار في حالة مزرية، وأن يحدث تعفُّناً بعدم التوافق حين نزاوج بين مزيل للروائح والبنفسج.
ويحدث أن يتضاعف هذا الإزعاج بمزاوجة رائحة الدخان بعطر رائحة البنفسج. ►
المصدر: كتاب التواصل بكيفية أخرى
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق