انتهت العطلة الصيفية وحان وقت العودة إلى المدرسة ثانية. قد يشعر بعض الأطفال بالإثارة، وربما بقليل من الحزن لانتهاء العطلة، وبالقلق أو ربما بقليل من الخوف في اليوم الدراسي الأوّل بسبب كلّ ما هو جديد: مدرسات جديدات، أصدقاء جدد، وربما مدرسة جديدة.
بشكل عام، يشعر كلّ الأطفال بالانزعاج في اليوم الدراسي الأوّل لأنّه، بعد اعتيادهم على النوم لوقت متأخر من النهار أو القيام بأعمال وأنشطة متعددة طوال النهار، أصبحوا ملزمين بالنهوض باكراً والاستعداد للذهاب إلى المدرسة. حتى لا ترتبك الأُم وطفلها في الصباح، يجب تحضير كلّ ما يلزم الطفل من ملابس وطعام وأدوات وكتب ليلاً، تجنباً لإضاعة الوقت وحتى يصل الطفل إلى المدرسة وهو مرتاح.
من الطبيعي جدّاً أن يشعر الطفل بالخوف في أوّل يوم دراسي بعد انتهاء العطلة المدرسية. إذ يلزم الطفل بعض الوقت قبل أن يعتاد روتين المدرسة ويتكيف مع أعباء الدراسة بعد عطلة الصيف الطويلة. فإذا شعر الطفل بتشتت ذهنه وبالخوف أو الارتباك من اليوم الدراسي الأوّل، على الأُم أن تذكره بكل "الأيام الأولى" التي مرت عليه في السنوات السابقة، وكيف أنّه تمكن من التغلب على مخاوفه بعد فترة قصيرة.
ينتاب الطفل شعور غامر ممزوج بالسعادة والقلق عند بدء السنة الدراسية الجديدة، بسبب معرفته أنّه سيلتقي أطفالاً جدداً في المدرسة، أو رفاقه القدامى بعد غياب طويل، خاصة إذا كان الطفل خجولاً أو متحفظاً بطبعه. على الأُم في هذه الحالة أن تنصح طفلها بأن يكتفي بالتعرف إلى طفل أو طفلين إذا كان العدد الكبير يخيفه. أن يبدأ مثلاً، في التعرف إلى الطفل الذي يجلس إلى جانبه، ثمّ بعد فترة من الزمن يمكنه زيادة عدد أصدقائه تدريجياً.
لحسن الحظ، لا يدوم هذا الشعور لفترة طويلة. إذ يحتاج الطفل إلى بعض الوقت حتى يعود ويتكيف مع جو المدرسة. على الأُم أن تذكره بأن كلّ شخص، وحتى الأستاذ، يشعر بالقلق والارتباك في اليوم الأوّل من الدراسة، ولكنه يعتاد الروتين بعد فترة زمنية قصيرة. عليها أن تركز في حديثها مع طفلها عن اليوم الدراسي الأوّل على الأشياء الإيجابية مثل لقاء أصدقائه القدامى الذين مرّ وقت طويل على رؤيتهم، لقاء تلامذة جدد، شراء المستلزمات المدرسية، الانخراط في الأنشطة الرياضية وأنشطة أخرى، التباهي بملابسه ومقتنياته الجديدة أمام بقية الأطفال.
من المهم أن تبحث الأُم مع طفلها في الأمور التي تقلقه وتحاول طمأنته بخصوصها. عليها معرفة ما إذا كان سبب قلقه هو خوفه من ألّا يتمكن من عقد صداقات جديدة، أو من الا ينسجم مع مدرّسته؟ أو من ضغوط الواجبات المدرسية؟ أو من رفاقه القدامى الذين كانوا يعاملونه بخشونة، وأحياناً كثيرة يرفضون اللعب معه. لذا، على الأُم أن تحاول قضاء وقت طويل مع طفلها في أيّام الدراسة الأولى إلى أن يتمكن من التكيف مع وضعه الجديد.
إذا كانت الأُم عاملة، يستحسن أن تكون في المنزل قبل وصول طفلها إليه بعد انتهاء اليوم الدراسي الأوّل، على الأقل في الأسبوع الأوّل من بداية السنة الدراسية (مع أنّه من الصعب على الأُم العاملة أن تترك عملها قبل انتهاء الدوام). وإلا عليها أن تحاول تخصيص الوقت اللازم لطفلها مساءً بعد عودتها من عملها، خاصة في الأيّام الأولى.
إذا كان الطفل قد التحق بمدرسة جديدة، على الأُم أن تقوم بزيارتها مع طفلها قبل بدء الدراسة ليتعرف إلى كلّ الأماكن، خاصة تلك التي تهمة مثل الصف الذي يجلس فيه، المكتبة، قاعة الألعاب، الساحة، مداخل ومخارج المدرسة.. إلخ. كما أن عليها أن تسأل عما إذا كان في الإمكان وضع طفلها مع رفيقه في الصف نفسه، والتعرف في الوقت نفسه إلى أُمّهات أطفال جدد آخرين. فهذا يساعد الطفل والأُم على التكيف مع الأطفال الجدد والمحيط الجديد.
تستطيع الأُم تطبيق روتين ليلي معيّن قبل أسبوع أو أسبوعين من العودة إلى المدرسة، لتساعد طفلها على التكيف مع التغيير الجديد بعد العطلة. وعليها أن تتأكّد من أن طفلها ينال قسطاً كافياً من النوم، ليتمكن من الدراسة في صباح اليوم التالي، وأنّه يأكل طعاماً صحياً في الصباح، لأن وجبة الصباح الكاملة تساعد الطفل على أن يكون أكثر نشاطاً. عليها أيضاً أن تطلب منه تسجيل المواعيد المهمة على دفتر الملاحظات. مثل: موعد الامتحان، موعد الدروس الإضافية، موعد التدريب.. إلخ. وأن تشجعه على بذل ما يكفي من الجهد في الدراسة وأداء واجباته المدرسية، وأن يسأل المعلمة عن أي شيء لم يفهمه، أن يحاول الحفاظ على معنوياته، وأن تعلمه النظام وأن تطلب منه تحضير حقيبته المدرسية وملابسه قبل ذهابه إلى النوم.
مع أنّه من الطبيعي أن يشعر الطفل بالقلق عند كلّ طارئ جديد، لكن بعض الأطفال يُظهرون عوارض مرضية مثل الصداع، ألم في المعدة تصاحب بداية السنة الدراسية. إذا شعرت الأُم بأن قلق ومخاوف طفلها تجاوزت الحد الطبيعي، عليها استشارة طبيبه الخاص، أو بحث الأمر مع معلمة المدرسة المسؤولة عنه.
ما المطلوب من الطفل الناضج؟
بالتأكيد، حين كان الطفل صغيراً، كان اليوم الدراسي الأوّل أسهل عليه. لأنّه كان هناك من يوجهه ويهتم به طوال النهار. أما الآن، وبعد أن أصبح ناضجاً، اختلف الأمر. إذ أصبح لديه العديد من الخيارات والمسؤوليات، مطلوب منه ترتيبها بحسب أولوياتها، مع الأخذ في الاعتبار الوقت الذي يجب أن يخصصه للدراسة وللعب. هذه بعض النصائح التي يمكن أن تسديها الأُم لطفلها لتساعده على الموازنة بين وقته ومسؤولياته.
· التخطيط مسبقاً: الطلب منه تسجيل على دفتر ملاحظات أوقات الامتحانات الشهرية والفصلية والنهائية وأية امتحانات أخرى، وتسجيل مواعيد تقديم الدراسات أو المشاريع المفروض عليه القيام بها، وتسجيل أيّة مواعيد للأنشطة التي يمارسها. مثل أوقات لعب كرة القدم أو أي ألعاب أخرى، السباحة، الرسم، درس الموسيقى.. إلخ. إذا شعر بأن برنامجه أصبح مزدحماً، عليه أن يتوقف عن الالتزام بأنشطة جديدة.
· أن يكون متابعاً: الطلب منه أن يحاول عدم التخلف عن الآخرين. إذا شعر بأنّه متخلف عنهم وتسبب له هذا الشعور في الإحباط والخوف، عليه بحث الأمر مع أساتذته. إذ إن من الأفضل أن يحصل على المساعدة في وقت مبكر، بدلاً من الانتظار، اعتقاداً منه أن في إمكانه التغلب على الصعوبات والنجاح في الفصل الأخير، إذا بذل المزيد من الجهد في الدراسة. يجب أن تجعله الأُم يدرك أنّ العديد من الأطفال يتخلفون في مادة أو أكثر، وأن من الطبيعي أن يطلب مساعدة المدرسين بعد انتهاء الدرس ليشرحوا له ما لم يستطع فهمه.
· أن يصغى بانتباه أثناء الشرح: إنّ الانتباه في الصف، يوفر الوقت ويعطي نتائج ممتازة على المدى الطويل. فالإصغاء إلى الشرح وتدوين الملاحظات يساعدانه على مراجعة المعلومات بسهولة عند التحضير للامتحان.
· كتابة الملاحظات: عليه أن يعرف أن تسجيل الملاحظات عن المواد الدراسية يسهّل عليه سؤال الأستاذ عن أي شيء لم يفهمه، كما يمكن أن يساعده على مراجعة المواد مع تلميذ آخر واثق بمعلوماته. عليه أن يدرك أنّ الاعتياد على تسجيل الملاحظات في سن مبكرة يساعده كثيراً في الدراسة الجامعية.
ما المطلوب من الأُم؟
يمكن أن تشعر الأُم نفسها بقليل من الخوف والقلق، خاصة إذا كان طفلها يذهب لأوّل مرة إلى المدرسة، أو كان قد انتقل إلى مدرسة جديدة. للمساعدة على جعل اليوم الأوّل أقل وطأة على الطرفين، الأُم والطفل، هذه بعض التوجيهات التي يمكن أن تفيد في هذا المجال:
· التحضير الجيِّد: على الأُم أن تتأكد من الملابس التي يستطيع طفلها ارتداءها في المدرسة، خاصة إن كان قد انتقل إلى مدرسة جديدة. وأن تعرف ما إذا كان لابدّ من إرسال ملابس بديلة للطفل، في حال كان صغيراً. عليها أن تحرض على شراء كلّ ما يلزم الطفل من ملابس وقرطاسية وكتب قبل بدء العام الدراسي. يفضل أن تشارك الأُم طفلها في شراء حاجاته ليختار ما يحب من أقلام وأدوات أخرى، فهذا يساعد على الإقبال على الدراسة برغبة وحماسة أكثر.
· وسيلة النقل: بعد أن تتأكد الأُم من موعد بدء الدراسة، عليها أن تهتم بالوسيلة التي يستخدمها طفلها للذهاب إلى المدرسة. فإذا كان يستخدم الباص المدرسي، عليها أن تتأكد من موعد مروره لاصطحاب طفلها. إذا كان الباص لا يمر من أمام المنزل عليها أن تسأل عن أقرب مكان للانتظار، أن تحرص على اصطحاب طفلها إلى موقف الباص خاصة في الأيام الأولى، أن تنبه طفلها إلى ألا يتقدم من الباص إلا بعد أن يتوقف ويفتح أبوابه. إذا كان طفلها يذهب إلى المدرسة سيراً على الأقدام، على الأُم أن تطلب منه السير على الرصيف. وفي حال كان مفروضاً عليه قطع الشارع، يجب تنبيهه بألا يقطعه إلا في الأماكن المخصصة للمشاة، وأن تعلمه إشارات المرور، وأن تحذره من التكلُّم مع أي شخص غريب، أو أخذ أي شيء منه، أو الصعود معه إلى سيارته أو الذهب معه إلى أي مكان.
· ما بعد المدرسة: إذا كانت الأُم عاملة، يجب أن توفر لطفلها مكاناً آمناً يذهب إليه بعد المدرسة لحين عودتها من عملها، خاصة إن كان عمر طفلها يقل عن عشر سنوات. فإذا كان عمل الأُم يحتم عليها العودة إلى المنزل بعد وصول طفلها إليه، عليها أن تطلب من شخص موثوق، أو من صديقة، أو من قريبة، أو من أحد الجيران مساعدتها على الاهتمام بطفلها لحين عودتها إلى المنزل. قد يكون في إمكان الطفل البالغ الاهتمام بنفسه، ولكن يجب عدم ترك الطفل الصغير لوحده إطلاقاً.
إذا تحتم على الأُم ترك طفلها وحيداً في المنزل، من المهم أن تضع قوانين واضحة وتطلب منه الالتزام بها: تحديد موعد عودته من المدرسة، والاتصال بها أو بأحد الجيران، لإبلاغها بوصله إلى المنزل. تحديد الأشخاص المسموح لهم دخول المنزل أثناء غياب الأُم. التأكيد للطفل ضرورة عدم فتح الباب لأي شخص غريب. عدم الاقتراب من الغاز أو اللعب بعيدان الكبريت. التأكّد من معرفة الطفل كيف يتصرف في حالة الطوارئ. تعيين شخص محدد لاصطحاب الطفل إلى المنزل من المدرسة. وضع برنامج تسلية للطفل بعد الانتهاء من دراسته. إشراك الطفل في أنشطة مدرسية بعد انتهاء اليوم الدراسي، مثل مشاهدة برامج تلفزيونية معينة، أو التسلية مع أطفال آخرين في ألعاب الفيديو. مثل هذه الأنشطة تساعد على تطوير ذكاء واهتمامات الطفل، وتعطيه الشعور بأنّه جزء من المجتمع، وتبعده عن المشاكل. على الأُم أن تراقب برنامج الطفل الدراسي للتأكد من تخصيص وقت كافٍ للدراسة ومن ثمّ اللعب.
· المساعدة في الواجب المدرسي: إنّ الواجب المدرسي جزء مهم من الدراسة. وسواء أحبت الأُم أم لم تحب عليها أن تساعد طفلها على أداء واجبه، وفي أسوأ الحالات أن تشرف عليه. عليها: بداية أن توفر له مكاناً هادئاً خالياً من أدوات التسلية، منعه من مشاهدة التلفزيون أثناء الدرس أو أثناء أدائه واجبه المدرسي، وضع برنامج يتضمن أوقات الدراسة وأوقات اللعب والتسلية، على أن تكون ساعات مشاهدة التلفزيون محدودة جدّاً خاصة في الليل، منعه من التحدث مع أصحابه على التليفون أو تبادل الرسائل الإلكترونية معهم أثناء الدرس، أن لا تؤدي الواجب عن طفلها إطلاقاً، ولكن عليها التوضيح له أن دورها يقتصر على مساعدته في تفسير ما لا يستطيع فهمه، مراجعة الواجب والدرس مع طفلها للتأكد، ليس فقط من خلو الواجب من الأخطاء، ولكن لمعرفة ما إذا كان طفلها يفهم ما يقرأ. عليها تشجيع طفلها على أن ينمي عادات دراسية جيدة ومفيدة، مثل تسجيل ملاحظات أثناء شرح الأستاذ للدرس، سؤال الأستاذ عن أي شيء لم يفهمه، كتابة واجبه المدرسي، أن يستفيد من أوقات الفراغ في المدرسة، بإقامة علاقات والتواصل مع أطفال آخرين.
في الخلاصة، سواء أكان اليوم الدراسي هو الأوّل أم الأخير، على الأُم أن تحرص على التوضيح لطفلها بأنّها مستعدة دائماً لمساعدته ولفهم مشاعره وأخذ اهتماماته في الاعتبار، وبأنّها لا توقع منه أن يكون مثالياً، بل أن يبذل أقصى ما يستطيع من جهد.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق