• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الغاية من خلق الإنسان

عمار كاظم

الغاية من خلق الإنسان
الإسلام دين الله عزّوجلّ، وأبرز شيء في هذا الدِّين العظيم أنّه إنساني الطابع، وأنّ الإنسان في هذا الدِّين مكرَّم أعظم تكريم، فالإنسان في نظر الإسلام مخلوق متميز، مكرَّم ميّزه الله وكرَّمه، وفضَّله على كثير من خلقه .ومن مظاهر هذا التكريم استخلافه في الأرض قال تعالى :(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 30). إنّ أفضال الله ونِعَمه التي لا تُعدّ ولا تُحصى على الإنسان تبدأ من تسويته وخلقته على الصورة التي هو عليها في أتم كمالها وبهائها، إنّها صورة تليق بآدميته وبالتكريم الذي حظي به من خالقه، صورة في أبهى وأجمل هيئة وأحسن خلق، لقد خلقه الله من طين وتدّرج في التكوين من نطفة فعلقة ثمّ مضغة، لتتحوّل المضغة إلى عظام ثمّ تُكسى لحماً، هكذا تستوي صورة الإنسان في أتم خلق بجميع أعضائه وحواسه وعقله، وبهذا الاكتمال يكون قادراً على أداء ما يُطلب من عبادات وأعمال صالحة (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ) (المؤمنون/ 12-14).

إنّها القدرة الإلهية التي لا يعجزها شيء في الأرض ولا في السماء، إذا أراد الله شيئاً فإنّما يقول له كن فيكون، وكلّ ما في هذا الوجود أحسن خلقه وأبدعه بالصورة التي أرادها لمخلوقاته (الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (السجدة/ 6). إنّ الإنسان حينما ينظر في تركيب أعضائه الظاهرة والباطنة يشعر بهذه النِّعمة العظيمة والتكريم الذي خصّه به خالقه، فلولا تلك النِّعمة لما استطاع القيام بالأعمال التي يمارسها بسهولة في حياته، فهو يسخِّر الأشياء الكبيرة والصغيرة لخدمته، ألا يشعر هذا المخلوق بأنّ هذا تكريم من خالقه وتفضيل له على مخلوقات كثيرة لا تستطيع فعل ذلك، إنّ ما وهبه الله من تناسب تامّ في الأعضاء والحواس وفي القدرات العقلية والنفسية هو الذي مكّنه من فعل كلّ ذلك بسهولة (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) (المؤمنين/ 79).

لقد وهب الله الإنسان عقلاً يفكِّر به، ونُطقاً يتواصل به، وأعضاء يبني بها ويشيد، فتمكّن من صنع حضارة تميزت بالابتكار والتجديد والبناء والإعمار، ولم يصل إلى كلّ هذا إلّا بفضل ما وهبه الله من قدرات وطاقات وما سخَّر له في هذه الحياة الدُّنيا (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً) (لقمان/ 19). إنّ الله العليم بخلقه الحكيم في تدبير الأُمور لم يخلق الكائنات الحيّة في البرّ والبحر والسماء عبثاً، وإنّما لغايات نبيلة كلّها خير وفضائل، ولعلّ من هذه الغايات إسعاد الإنسان وتوفير حاجياته وإحداث توازن وجمال في الكون (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) (البقرة/ 116)، لقد أراد الله لهذا الكون أن يكون بديعاً ومتناسقاً ومُحكماً للدلالة على إحكام صنعه وبديع خلقه وقدرته المطلقة، وليتدبّر الإنسان هذا الصنع العجيب الذي لا يقدر على إيجاده مخلوق مهما أُوتي من قوّة: (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا) (الفرقان/ 61).

إنّ الله وهب للإنسان العقل والإحساس والشعور ليدرك الغاية من وجوده، وليتأمّل ما في هذا الكون من أسرار وبدائع هي آية في الجمال والاكتمال، فلا ينبغي أن يعطِّل فكره ووجدانه وشعوره وحواسه فيتساوى مع مخلوقات أدنى منه: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف/ 179)، إنّ كلّ ما في هذا الكون يهدي إلى الإيمان بالله القوي القادر، والإيمان يهدي إلى الحقّ واليقين والرِّضا الذي يجعل الإنسان يسير في طريق آمن من الزلل والعثرات وبذلك يستحق التكريم والتفضيل.

ارسال التعليق

Top