بينما ارتبط ضبط الغضب عكسياً بصورة دالة مع كل من سمة القلق، والصحة العامة (معكوس)، ووجهة الضبط، والحساسية من الفشل، واجترار خبرات الماضي المؤلمة، وطردياً مع كل من التفاؤل، واحترام الذات. وبالتحليل العاملي استخلصت أربعة عوامل، هي: حالة نفسية مرضية، غضب ظاهري، تأزم نفسي، وغضب مخفي. كما أجريت معادلة انحدار للتنبؤ بكل مقياس فرعي للغضب، وعلق على نتائجها. وتوصلت الدراسة إلى أن كلاً من إظهار الغضب وقمعه يحمل في طياته مخاطر على صحة الفرد العامة. في حين كان ضبط الغضب هو أكثر الطرق ارتباطاً بصحة الفرد النفسية. وأكدت الدراسة الصدق التلازمي لمقاييس الغضب المستخدمة.
المقدمة: تؤدي الانفعالات دوراً مهماً في حياة الإنسان، ومن دونها لا يكون للحياة معنى ولا متعة، سواء أكانت هذه الانفعالات سارة، كالبهجة والحب، أم غير سارة كالغضب والخوف والحزن. إن انفعالاتنا تعلن عن موقفنا النفسي تجاه بيئتنا، إنّها تجذبنا تجاه بعض الأفراد، والأشياء، والأفكار، أو تنفرنا منهم. كما تساعدنا انفعالاتنا على تنظيم خبراتنا، وتوجيه سلوكنا؛ فهي تحرض السلوك، وتوجهه، أو تعوقه وتوقفه، ومعظم سلوكنا يكون مصحوباً بحالة انفعالية وخبرة وجدانية من نوع ما، كما تؤدي الانفعالات وظيفة مهمة في تيسير التواصل الاجتماعي بين الأفراد؛ فالغضب يهيئ الكائن للقتال، والخوف للهرب، والحزن للانسحاب من البيئة أو الموقف وإعادة التأمل، والسرور يبعث على الإنتاج، ويجدد الأمل يوطد العلاقات الاجتماعية. وانفعالاتنا تؤثر في وظائفنا الجسمية النفسية وتتأثر بها، غير أنّ العجز عن إدارتها بصورة بناءة من الممكن أن يؤدي إلى عديد من الاضطرابات الجسمية والنفسية والعقلية. وتتناول الدراسة الحالية انفعال الغضب وعلاقته بمتغيرات ذات أبعاد مؤثرة في الصحة النفسية والبدنية للفرد كالقلق، والتفاؤل والتشاؤم، واحترام الذات، وأحادية العقلية، ووجهة الضبط، والحساسية من الفشل، والميل لاجترار خبرات الماضي المؤلمة. حيث يتضمن التراث النفسي إشارات واضحة لعلاقة الغضب بجملة من المشكلات الصحية والنفسية. إنّ الغضب ينشأ من تفسير الموقف بأنّ الطرف الآخر قام بعمل سيِّئ أو خاطئ وهو يستحق بذلك أن يعاقب أو يرفض، وإنّ الغاضب على حق والطرف الآخر على خطأ، كما ينشأ من شعور الفرد بالظلم أو الانتقاص والتحقير ومصادرة الحق. والغضب يهيئ الفرد للهجوم على الطرف المعتدي، ويحمي احترام الفرد لذاته، ويشعره بالأمن حول مصداقية معتقداته، حيث يدافع عنها برفض الأفكار والأشخاص الذين يعارضونها، كما أنّ الغضب يحفز الفرد لأخذ قرارات حازمة، وله شكل حميد عندما يظهر من أجل الدفاع عن النفس والمحافظة على حياة الفرد وماله وعرضه، وفي زيادة دافعيته ونشاطه، وللتعبير عن خطأ سلوك ما في المواقف التربوية والاجتماعية. غير أنّ للغضب صورة سلبية عندما يظهر في مواقف غير مناسبة، أو عندما يؤدي إلى تعقيدات اجتماعية ونفسية أكبر، أو عندما يؤدي إلى مشكلات صحية للإنسان كاضطرابات ضغط الدم والتنفس، وعدم انتظام ضربات القلب، كما يؤدي إلى صعوبات ذهنية كضعف التذكر، وحالة عقلية تسهم في تشتيت الانتباه للتفاصيل اللازمة لحل الموقف وتحريف الإدراك. إنّ معظم الجرائم تقع في ثورة الغضب، ومعظم حالات الطلاق تحدث في ذروة الهيجان، وأجمل الصداقات وأقدسها تتمزق وتنفصم عراها بسبب عدم ضبط النفس وقت الغضب، حيث يقول جنون الغضب على لسان صاحبه ما لا يقوله عاقل، فهو ينفر الآخرين من الغاضب، ويساعد على التحيز ضده، ويقيد استجواب الفرد ونقده لذاته، ويزيد من توتره. - الإطار النظري للدراسة: يفرق "سبيلبيرجر وزملاؤه" بين الغضب والعداوة والعدوان، فالغضب Anger حالة انفعالية تمتد من الإثارة إلى الهيجان العام بسبب أذى أو ظلم حقيقي أو متوهم، أما العداوة Hostility فتعرف بأنها مشاعر الخصومة والتنافر مع الطرف الآخر، سواء أكان بحق أم بغير حق، أما العدوان Aggressiveness فهو الميل للقيام بسلوك مؤذ غير مستحق على الطرف الآخر. وهناك مفهوم آخر يرتبط من جملة المفاهيم السابقة، وهو العنف Violence، الذي يشير إلى درجة مرتفعة من سلوك العدوان والإيذاء للطرف الآخر وحدة في رد الفعل تجاهه، وهو غالباً ما يرتبط بالإيذاء الجسدي. كما يعتبر الغضب أحد المكونات الانفعالية للعدوان، التي تشمل أيضاً العداوة التي هي المكون المعرفي، والعدوان اللفظي، والعدوان البدني. وفي اللغة العربية تعابير لطيفة تبرز حساسيتها لمستويات الانفعال، حيث يُعبَّر عن الغضب بتعابير مختلفة تشير إلى درجات شدته، فهناك الغيظ، وهو غضب كامن مقموع لا يستطيع الفرد التعبير عنه، والحنق وهو درجة أعلى من الغيظ تسفر عن حقد دفين، وعندما تهدأ الاستثارة الانفعالية الغاضبة فإنّها تتحول إلى سخط، ويبدو أنّ الكره درجة أدنى من السخط، تحمل معاني عدم الارتياح والرغبة في تجنب الطرف الآخر، وهو اتجاه نفسي سلبي للطرف الآخر، وعندما يشتد الكره يصبح بغضاً. أمّا الحقد فهو انفعال مركب يحمل في مكوناته كلاً من الغضب والحسد والحزن. وكما هو الحال مع القلق، ميز "سبيلبيرجر" الغضب إلى حالة وسمة، واقترح ثلاث طرائق رئيسة للتعبير عنه، هي القمع، والإظهار، والضبط. فحالة الغضب هي حالة نفسية فسيولوجية، تتكون من مشاعر ذاتية بدرجات متفاوتة من الاستثارة أو الضيق البسيط إلى الغيظ الشديد، يصاحبها تنشيط للجهاز العصبي الذاتي، وتمثل حالة مؤقتة تختلف من وقت إلى آخر، ويستثيرها عادة إدراك الشخص أنّه تعرض للإهانة أو الظلم أو الإحباط. أما سمة الغضب فتعبر عن تكرار تعرض الفرد لحالة الغضب؛ فالأفراد الذين لديهم سمة الغضب مرتفعة يدركون مدى واسعاً من المواقف على أنّها مثيرة للغضب، وبذلك يتعرضون لحالة الغضب بصورة مستمرة أكثر تكراراً وأشد حدة مقارنة بالأشخاص الذين تكون سمة الغضب لديهم منخفضة. أما قمع الغضب كإحدى صور التعبير عنه، فيقصد به توجيه الفرد غضبه للداخل، بقمعه لمشاعر الغضب بحيث لا تظهر للآخرين، وهي عكس إظهار الغضب الذي يشير إلى توجيه الفرد غضبه للخارج، حيث يظهر الفرد مشاعر الغضب في صورة سلوك عدواني لفظي أو بدني، أما ضبط الغضب فهو يمثل موقفاً وسطاً في التعامل مع مشاعر الغضب، بين القمع والإظهار، ويشير إلى قدرة الفرد على السيطرة على غضبه. ويصنف "ديفدسون وزملاؤه" الغضب إلى نوعين: بنّاء وضار، وكل منهما يمكن أن يقسم إلى ثلاثة أقسام فرعية، وهي: "لفظية، وسلوكية، ومعرفة. حيث وجد الباحثون أنّ الأفراد الحاصلين على مستوى عال من الغضب البناء يتمتعون بمستوى صحي من ضغط الدم مقارنة بأقرانهم من الحاصلين على درجات مرتفعة في الغضب الضار. وعلى ضوء ما سبق، من المتوقع أن ترتبط مقاييس كل من حالة الغضب، وسمته، وقمعه، وإظهاره، إيجاباً بالمقاييس السلبية للصحة العامة كالقلق، والتشاؤم، والمشكلات الصحية، في حين يرتبط مقياس القدرة على ضبط الغضب إيجاباً بمقاييس الصحة العقلية والنفسية. كما أنّ الانطباع العام لدى معظم الناس أن كبت الانفعال، ولا سيما الغضب، مرتبط بالمشكلات الصحية، وأنّ الفرد أولى له أن يعبر عن غضبه بدلاً من قمعه، وستحاول الدراسة هنا تعرّف مدى صحة هذا الاعتقاد. - أهمية البحث: لا شكّ في أنّ لعلم النفس غايات مهمة تهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان وأمنه النفسي، ونمو صحته النفسية والعقلية حتى الجسدية. وانفعال الغضب، على ما فيه من جوانب مهمة تسهم في استثارة الفرد للدفاع عن الذات، وحماية المعتقدات، وحفز الطاقة، فإنّ المبالغة في التعبير عنه يمكن أن تسبب كثيراً من الآثار الضارة بصحة الفرد النفسية والبدنية والعقلية، كما أنّها تسهم في تفكك العلاقات الاجتماعية. والدراسة الحالية تسهم في ترشيد فهمنا لهذه الظاهرة الإنسانية على المستويين النظري والتطبيقي. إنّ الدراسة الحالية تحاول معرفة علاقة الغضب بمقاييسه الفرعية الخمسة كما قدمها "سبيلبيرجر" بمتغيرات يعتقد بعلاقتها بصحة الفرد وكفاءته العقلية، وهي: الصحة العامة، وسمة القلق، والتفاؤل والتشاؤم، وضبط النفس، ووجهة الضبط، والحساسية من الفشل، واجترار خبرات الماضي المؤلمة، وأحادية العقلية، واحترام الذات، وهي بذلك أشمل من الدراسات السابقة من ناحية مجموع المتغيرات التي تم تناولها في آن واحد، فغالباً ما يفحص الغضب مع متغيرات محدودة. ويحسن ملاحظة أن هناك متغيرات جديدة في هذه الدراسة لم يتطرق لها في الدراسات السابقة، وتستخدم هنا لأوّل مرة، كونها مقاييس طورت حديثاً، وهي الحساسية من الفشل، واجترار خبرات الماضي المؤلمة، الأمر الذي يساعدنا على فهم ظاهرة الغضب بصورة أشمل. ومن جانب آخر، فإنّ المقياس المستخدم في هذه الدراسة لا ينظر لمفهوم الغضب على أنّه بعد واحد، كما هو الحال في معظم مقاييس الغضب الأخرى، بل ينظر إلأيه بصورة أكثر عمقاً؛ فيصنفه إلى غضب حالة، وغضب سمة، كما يفحص ثلاث طرائق رئيسية في التعبير عنه، مما يساعدنا على فهم هذه الظاهرة النفسية بصورة أشمل، ومعرفة أي من أبعادها متصل بالاضطرابات النفسية والجسمية بصورة مباشرة؛ فمثلاً كان الاعتقاد السائد بأن قمع الغضب أشد تأثيراً على صحة الفرد مما لو عبر عنه (إظهاره)، والمقياس المستخدم هنا يساعدنا في الكشف عن ذلك ما سنلاحظ لاحقاً. من جهة أخرى، فإنّ المقياس المستخدم في هذه الدراسة لقياس الغضب هو قائمة حالة الغضب وسمته والتعبير عنه لسبيلبيرجر، وما دام هذا المقياس حديثاً من ناحية تقنينه على البيئة العربية، فمن المناسب الكشف عن صدقه التلازمي مع متغيرات البحث المستخدمة في هذه الدراسة، الأمر الذي يسهم في نقاء مقاييسنا النفسية المستخدمة في البيئة العربية ونضجها، ويساعد على دقة عمليات التشخيص ومصداقيتها، وبخاصة إذا علمنا بأن مقياس سبيلبيرجر من المقاييس واسعة الانتشار في المجال البحثي والتشخيصي. - الدراسات السابقة: تهدف هذه الدراسة إلى تعرّف علاقة الغضب، بمقاييسه الفرعية الخمسة كما قدمها "سبيلبيرجر"، وهي: حالة، وسمة، وقمع، وإظهار، وضبط، بمتغيرات يعتقد بعلاقتها بصحة الفرد وكفاءته العقلية، وهي: الصحة العامة، وسمة القلق، والتفاؤل والتشاؤم، وضبط النفس، ووجهة الضبط، والحساسية من الفشل، وأحادية العقلية، واحترام الذات. وبذلك تكون الدراسة أشمل من الدراسات السابقة التي سنستعرضها لاحقاً من ناحية عدد المتغيرات التي درست في بحث واحد. ولقد اختيرت هذه المتغيرات لفحص علاقتها بالغضب لما وجد في التراث النفسي من مشكلات عديدة يسببها الغضب المفرط والمستمر على صحة الفرد النفسية والعقلية وكفاءته. إنّ الخروج عن الحدود المعقولة لدرجة الانفعال يؤدي إلى مشكلات عدة؛ فالدراسات تشير إلى خطورة كل من الغضب والتوتر على صحة الإنسان البدنية من حيث خفضهما لنظام مناعة الجسم وجعله أكثر عرضة للأمراض، وزيادة مستويات الدهون في الجسم، وزيادة احتمالات الخطر من الوفاة بسبب أمراض القلب. إنّ المواقف المثيرة للغضب تزيد من احتمال اللجوء لجرائم العنف والعدوانية، وتزيد احتمالات الموت المبكر والأمراض الجسمية؛ ففي دراسة لكل من "سوافر وهولن" على 100 شاب محكوم عليهم بقضايا جنائية، وجد أنّ الغضب ارتبط سلباً بصحة الفرد العامة، وارتبط التعبير عن الغضب إيجاباً بكل من الأرق، والاكتئاب، والقلق، والعجز عن القيام بالمهام الاجتماعية، وأعراض جسدية أخرى، في حين ارتبط القلق والأرق والأعراض الجسمية بالغضب المعرفي (على مستوى التفكير). وباستخدام 85 زوجاً (ن = 170) من مدينة واشنطن، وجد "سارامبوت" أنّ الزوج والزوجة اللذين يشعران بعدم المساواة وعدم العدالة في زواجهما كان لديهما شعور أكبر بعدم الرضا، وكان كل منهما أكثر غضباً من الطرف الآخر، وأكثر شعوراً بأعراض مرضية نفسية وجسدية. وفي نفس السياق، حاولت دراسة "فاندرفوت وآخرون" فحص العلاقة بين التعبير عن الغضب والصحة لعيّنة مكونة من 1407 من سائقي الحافلات في ولاية سان فرانسيسكو الأمريكية، متوسط أعمارهم 42.4 عاماً، معظمهم من الذكور (90.7%) وتوصلت الدراسة إلى وجود علاقة جوهرية إيجابية، عند مجموعة الذكور فقط، بين المستويات العالية من الغضب المكبوت والغضب المعبر عنه من جهة، وكل من: الاضطرابات المعوية والعضلية وتلك المتصلة بالجهاز التنفسي، غير أنّ هذه العلاقة لم تؤيد الفرض القائل: إنّ الغضب المكبوت أكثر ضرراً من الناحية الصحية قياساً بالغضب المعبر عنه. وقام كل من "برومان، وجنسون" بتحليل بيانات 1322 مفحوصاً من الأمريكان السود الذين كانوا يعانون نوبات عصبية لمعرفة أثرها على صحتهم الجسمانية، وخلصا إلى أنّ الغضب والعدوانية كانا معيارين مهمين للتنبؤ بالقلق والمشكلات الصحية. وتوصل "فافا وآخرون" إلى أنّ المرضى الذين لديهم مستوى مرتفع من حالة الغضب كانوا أكثر عرضة للإصابة بأمراض القلب ولديهم نسبة أكبر من الكولسترول مقارنة بأقرانهم ممن لديهم مستوى منخفض من حالة التوتر. وهناك دراسات ربطت بين الغضب وارتفاع ضغط الدم، والاكتئاب، وأخرى بين الغضب ونمط الشخصية "أ"، والسرعة والعجلة إلى الإصابة بأمراض القلب. وبالنظر إلى دراسة "توماس، وويليامز" نلاحظ أن نتائجها خرجت عن الصورة العامة للدراسات التي اسعرضناها؛ فباستخدام 720 مفحوصاً في إجدى الكليات الجامعية الأمريكية، وجد أنّ التوتر ارتبط بصورة منخفضة دالة إحصئياً بكل من حالة الغضب وأربعة أنواع من طرق التعبير عنه، ولم يكن هناك فروق جوهرية بين كلا الجنسين في مقاييس الغضب، كما وجد أن متغيرات الغضب أسهمت بصورة ضعيفة في تباين درجات الصحة. ومن المتوقع أيضاً أن يكون للتفاؤل دور في التأثير على مستوى غضب الفرد، حيث يؤدي التفاؤل إلى تهوين الموقف الضاغط، وتوقع أحداث سارة مستقبلاً، مما يقود إلى خفض الاستثارة الانفعالية، ويبدو أنّ التفاؤل المرتفع يؤدي إلى ما أسماه "فولكمان" "توهم السيطرة" إذ تشير الدراسات السابقة إلى أنّ المتفائلين، قياساً إلى المتشائمين، يتبنون إستراتيجيات أكثر نضجاً في مواجهة المواقف الضاغطة المثيرة للغضب، كمواجهة المشكلة بدلاً من تجاهلها، وطلب الدعم الاجتماعي، ويكونون أقل ميلاً للانفجار العاطفي. وقد يكون السبب في ذلك هو ما وجده "جيورينارا، وويليامز" (1987) من أنّ المتفائلين أكثر ميلاً لتقبل مسؤولياتهم عند حدوث مشكلة، حيث تميل وجهة الضبط عندهم إلى أن تكون داخلية. وفي دراسة قام بها "أسبروكس وآخرون". على 720 مفحوصاً، توصل الباحثون إلى أنّ التفاؤل والإيمان بقدرة الذات Self-Efficacy ارتبطا بصورة إيجابية بالميل إلى التعبير عن الغضب من خلال الحوار والمناقشة، وسلبياً بالميل إلى قمع الغضب، وإظهاره بصورة لوم للآخرين، وأيضاً بالشكوى من مشكلات صحية جسدية أثناء الغضب. وباستخدام 43 موظفاً يعملون في القطاع المصرفي، وجد كل من "هارت وهتنر" أن مقياس التفاؤل ارتبط إيجابياً بكل من أسلوب مواجهة المسؤولية وقبولها، وسلبياً بأسلوبي الهروب وتجنب المسؤولية، لكنهما، على عكس ما كان متوقعاً، لم يجدا ارتباطاً دالاً بين التفاؤل والتشاؤم من جهة ومستويات رد الفعل الغاضب الناشئ بسبب التوتر من جهة أخرى. ويؤيد ذلك أيضاً، دراسة "كومينين" الذي قام بفحص العلاقة بين الغضب وحب الاستطلاع والتفاؤل والتشاؤم عند عينة إيطالية مكونة من 500 مفحوص، وخلص إلى عدم وجود ارتباط دال بين التفاؤل وحب الاستطلاع مع الغضب بمقاييسه الفرعية (السمة، الحالة، القمع، الإظهار، والضبط)، كما كانت جميعها سالبة. ومن خلال الدراسات السابقة التي حاولت الربط بين الغضب والتفاؤل والتشاؤم نجد أنها لم تصل إلى صورة واضحة يمكن أن تحسم صورة العلاقة بين هذين المتغيرين. أمّا علاقة الغضب بمستوى احترام الفرد لذاته، فإنّ الممارسة الإكلينيكية والتجريبية، كما وجدها "كولتر" تشير إلى قدرة المستوى المنخفض من احترام الذات على التنبؤ بمستوى عال من الغضب. ففي دراسة قام بها "دريمان وآخرون" استخدموا بها 172 امرأة مطلقة بعد أربع سنوات على الأقل من طلاقهنّ، وجدوا أن احترام الذات قد ارتبط عكسياً بالغضب. وفي دراسة أخرى لـ"بابز، وكارول" استخدمت 338 مفحوصاً، وجد الباحثان أنّ الأفراد الذين حصلوا على درجات عالية على مقياسي احترام الذات وحب الذات (الأنانية) حصلوا على درجات عالية أيضاً في مقياسي التعبير عن الغضب والعدوانية، في حين أنّ الأفراد الذين حصلوا على درجات مرتفعة في مقياس احترام الذات ودرجة منخفضة على مقياس حب الذات قد حصلوا على درجات منخفضة في مقياسي التعبير عن الغضب والعدوانية. ومن المنطقي أيضاً أن نتوقع أنه كلما زادت قدرة الفرد على ضبط نفسه Self-Regulation، أي زادت درجة كفاءته في تنظيم ذاته، وكبح نزواته، وضبط سلوكه مع الآخرين Self-Discipline، وقلت لديه الاندفاعية والتمركز حول الذات، وتجنب الأفكار غير المقبولة وغير المنطقية، والتزام الأعراف والنظم والقواعد العامة المتعارف عليها في المجتمع، قل مستوى حالة الغضب وسمته، وزادت درجة ضبط الغضب لديه. ويعتقد كل من "بك، وفرناندس" أن ضبط النفس يمكن أن يؤدي إلى تجنب حدوث الغضب وإلى الحيلولة من استمراريته عندما يحدث، ولكنه لا يؤثر في مستوى شدته. وتحاول هذه الدراسة أيضاً تحديد العلاقة بين الغضب والشخصية أحادية العقلية Single Mindedness؛ فالشخصية أحادية العقلية كما يراها فرج (2001) لديها "خصائص انغلاقية أحادية تتضمن ضبطاً خارجي المصدر للسلوك، وسمات عصابية اكتئابية مع مكونات ذهانية ودفاعية موجبة وتقدير منخفض للذات وضيق في مجال الحركة السيكولوجية والمشاعر والتفاعلات". فأحادي العقلية يرفض التنوع، ولديه محدودية في استبصار البدائل، ويتحرك في مساحة فكرية ضيقة، ويتجنب الحركة في إطار المجهول، ويخشى التجريب، ويميل للقطعية، ولا يفضل الحلول التوفيقية، ويركز على أهداف ضيقة. وربما كانت أحادية العقلية آلية دفاع انسحابي يتبناه الفرد لحماية ذاته وأفكاره من متغيرات البيئة الخارجية التي ربما شكلت تهديداً له. ويرى منصور وحفني (1996) أن أحادي العقلية يعاني ضيقاً وقصراً في مجال الرؤية، وانغلاقاً ذهنياً يتسم بنظرة خطية من حيث أحادية المدخلات، واستلائية تتصور احتكار الحقيقة، وتؤمن بإطلاقيتها، وترفض القبول بنسبيتها، وهي بذلك ترفض تصحيح المسار، وتنظر نظرة إقصائية تستبعد الرأي الآخر، لذا فمن المتوقع، والحال كذلك، أن ترتبط الشخصية أحادية العقلية إيجاباً بالغضب حالة وسمة، وهو ما ستحاول هذه الدراسة تعرّفه. وتحاول الدراسة الحالية أيضاً ربط الغضب بمتغيرات جديدة غير مسبوقة؛ فقد صمم الباحث مقياسين أحدهما يقيس شدة حساسية الفرد نحو الفشل، ويعني مدى الخوف والانزاع والضيق من فكرة فشله في أمر هو محل اهتمامه، كالامتحان مثلاً، أو عند وقوعه في مشكلة، أو عند عجزه عن الوصول إلى هدفه، أو حين يكون موضع سخرية لدى الآخرين، أو عندما يرفضه شخص يحبه. أمّا المقياس الثاني فيقيس مدى إفراط الفرد في اجترار أحداث الماضي المؤلمة بالنسبة له، وإلى ميله إلى تذكر تلك الأحداث السيِّئة والمواقف المزعجة التي مرت به أكثر من ميله إلى تذكر الأحداث السارة، سواء أكان هو سبباً فيها أم لا يكن، مما يزيد من تعاسته، كما يشير إلى الصعوبة في نسيان أخطائه حتى لو لم يكن بإمكانه فعل شيء لتصحيحها. ومن المنطقي التوقع أنّه كلما زادت حساسية الفرد من الفشل، وزاد إفراطه في تذكر الأحداث المؤلمة التي مرت به، زاد مستوى الغضب لديه حالة وسمة، ولعله من المناسب أيضاً أن نتعرف الكيفية التي يعبر بها الأفراد ذوو المستويات المرتفعة في كلا المقياسين عن غضبههم، وهم يميلون إلى إلقاء اللوم في فشلهم على ذواتهم أم لعوامل خارجية (وجهة الضبط). * قسم علم النفس – كلية العلوم الاجتماعية – جامعة الكويتمقالات ذات صلة
ارسال التعليق