• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الفکر التربوي عند الإمام الرضا (ع)

عمار كاظم

الفکر التربوي عند الإمام الرضا (ع)

الإمام الرضا عليه السلام هو الإمام الزكي ثامن أئمة أهل البيت عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، مصدر الفيض والعطاء، ومصدر الخير والرحمة إلى الناس. هو ثمرة من ثمرات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفرع مشرق من فروعه. وُلِد الإمام عليّ بن موسى الرضا عليهما السلام في المدينة المنوّرة في 11 ذي القعدة عام 148هـ وقد ملأ الدنيا بفضله.

كان الإمام الرضا عليه السلام مفزع العلماء وملجأ أهل الفكر والمعرفة، يُناظر علماء التفسير ويحاور أهل الفلسفة ويُثبت قواعد الشريعة وأصول التوحيد. الشيء البارز في شخصية الإمام عليه السلام هو إحاطته بجميع العلوم والمعارف، فقد كان أعلم أهل زمانه وأفضلهم وأدراهم بأحكام الدين والفلسفة والطب وغيرها من سائر العلوم. فالإمام الرضا عليه السلام هو الامتداد الطبيعي لمدرسة أهل البيت عليهم السلام التربوية التي كانت مستقلة في ذاتها، فريدة في أسلوبها عميقة في جوهرها وأصالتها.

والتربية بطبيعة الحال تمثل الركن الأساس لعملية الإصلاح ووسيلة مهمة لتحقيق أهداف المجتمع وفق فلسفته التي يتبناها، وإنّ القرآن الكريم الركيزة الأساس لهذه الأهداف.

من المعلوم إنّ الإيمان بناؤه رصين وراسخ في نفس الإنسان، بخلاف الإسلام الظاهري الذي ربما يتمثل به الإنسان في ظاهره من دون اليقين في نفسه. وهذا ما يؤكده الإمام الرضا عليه السلام في فكره التربوي، ونلتمسه في قوله: «الإسلام غير الإيمان، وكلّ مؤمن مسلم، وليس كلّ مسلم مؤمن»، نعم إن إظهار الشهادتين وسائر الأعمال الظاهرة تجعل الإنسان منتمياً إلى المعنى العام للإسلام، فيتحقق بذلك له وعليه سائر الأحكام الشرعية من حصانة لدمه ونفسه.

إذاً، لا بد من اقتران الظاهر (الإسلام) مع الباطن (الإيمان)، وبهذا الاقتران تتحقق الآثار التربوية المرجوة، وهنا يشير الإمام الرضا عليه السلام إلى هذا المعنى من خلال بيان أركان الإيمان، فيقول عليه السلام/ «الإيمان له أربعة أركان: التوكل على الله والرضا بقضائه والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله».

إنّ الرضا بقضاء الله سبحانه وتعالى أحد العوامل المهمة التي تنير طريق الإنسان وتوجهه إلى خالقه العظيم، وإنّ ما من شيء إلا بيده سبحانه وتعالى، وذلك أن القضاء هو النظام المحكم الذي وضعه الله تعالى لهذا الوجود والقوانين العامة والسنن التي ربط بها الأسباب بالمسببات، ومن ثم يعلم الإنسان المؤمن أن ليس مراد الله تعالى من الرضا بقضائه كما يرى الباحث باعثاً على الخنوع والنكوص، بل هو تربية على الجد والمثابرة، ومن ذلك ما نفهمه من قول الإمام الصادق: «أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسباب، فجعل لكل شيء سبباً، وجعل لكل سبب شرحاً وجعل لكل شرح علماً…».

وأخيراً، كان يؤكد الإمام الرضا عليه السلام على الجانب الإيماني في تربية الإنسان لما فيه من الآثار التي تعزز أهمية المجال الغيبي في سلوكه، والذي يظهر جلياً في أن هناك قوة عظيمة بيدها مقاليد الأمور، كما أن الإيمان بالله تعالى أصل العقيدة ومحورها، وأساس لغيره من عقائد الدين كالإيمان باليوم الآخر والكتب الإلهية والنبوة ونحوها، وهو أصل للالتزام بما جاء في الدين من العبادات والأخلاق والأحكام. فهو الذي يقوي الرقيب الداخلي (الضمير) الذي يكون نابعاً من الاعتراف بإطلاع الخالق سبحانه وتعالى على الأعمال، وإنّ خوف المؤمن من جزاء الله العادل هو الحجر الأساسي في التربية الإسلامية.

 

ارسال التعليق

Top