• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القلب الكافر في القرآن

السيد عادل العلوي

القلب الكافر في القرآن
  (وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (الزّمر/ 45).

لكلِّ شيء علامة من علائم الإيمان والكفر، إنّ القلب الذي ليس فيه نور الإيمان وقد اسودّ وأظلم بالكفر، فإنّه ينفر من النور ويشمئزّ من ذكر الله نور الأنوار، ولكن إذا ذكر ما سوى الله من الآلهة والطغاة والكفّار ومن يشبههم، فإذا هم يستبشرون ويفرحون، وإنما يشمئزّون من ذكر الله ومن كلمة التوحيد (لا إله إلّا الله) لأنّهم لا يؤمنون بالآخرة، وإنّما لا يؤمنون لأنّهم ارتكبوا القبائح والفجور والمنكرات والفواحش ما ظهر وما بطن، وهذا يعني أن تكون عاقبتهم العذاب الأليم والخزي والعار في الآخرة، وكيف يحلو لهم ذلك، بل أنكروا يوم القيامة، وأنّهم إذا ماتوا فينتهي كلّ شيء، فليس لهم إلّا حياتهم هذه، ولهذه يرتكبون المنكرات والظلم والجور ليصلوا إلى ملاذهم، ويشبعوا رغباتهم وشهواتهم، فمن استرّ وفرح واستبشر بذكر الله، فذلك من إيمانه وقلبه المؤمن، وأمّا إذا اشمئزّت نفسه، وانقبض في باطنه، وظهر ذلك على ملامح وجهه، فإنّ ذلك من علامة القلب الكافر، وهناك من يألف مجالس البطّالين، وما لم يكن فيه ذكر الله وذكر أنبيائه وأوليائه، فهذا دليل ضعف إيمانهم، وربما يؤدّي الأمر إلى هلاكهم وكفرهم.

وقد ورد في رواياتنا أنّ الكفر على وجوه خمسة:

1- كفر الجحود. 2- الجحود على قسمين. 3- كفر بترك الأحكام الإلهية. 4- كفر البراءة. 5- كفر النعمة.

1-  فالجحود تارةً إنكار الربوبية والإلوهية فيجحد بالله سبحانه وينكر المعاد والجنّة والنار، فهم من الزنادقة والدهريين القائلين: (وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ) (الجاثية/ 24)، فمن عند أنفسهم يخترعون مسلكاً وطريقاً (وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ) (البقرة/ 78)، فلا برهان لهم، ولا تنفعهم النذر (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (البقرة/ 6).

2-  والجحود أُخرى بمعنى كفر المعرفة، فإنّهم يعرفون الحقّ لوضوحه، إلّا أنّهم ينكرونه (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ) (النمل/ 14)، لظلمهم وطغيانهم (وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 89).

فقبل ظهور الإسلام، كان اليهود يخبرون الناس بنبيّ آخر الزمان، إلّا أنّه لمّا جاءهم ما عرفوا، أنكروا ذلك وكفروا به، فمثل هؤلاء بعيدون عن الرحمة الإلهية، فلعنة الله على الكافرين.

3-  ومن الناس من يكفر بنعم الله، فإنّه سبحانه يمتحن عباده بفضله، كما في قوله تعالى: (هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل/ 40).

فإنّ من يشكر نعم الله قولاً وعملاً، فإنّ الله هو الشاكر فيزيده، ومن كفر فإنّ الله غنيّ كريم، فهو لا يزال في الدنيا يكرم عليه برحمانيّته، إلّا أنّه يعذّبه يوم القيامة كما في قوله تعالى:

(لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم/ 7).

فعلينا أن نذكر الله في نعمائه وآلائه ونتحدّث بنعمته:

(وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (الضحى/ 11).

(فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ) (البقرة/ 152).

4-     وأمّا الكفر بمعنى ترك الأحكام الإلهية، كما في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ * ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) (البقرة/ 84-85).

فمن الناس من يعمل ببعض الأحكام الشرعية لأنّها تتلاءم مع مصالحه ولا يعمل ببعضها ويكفر بها عملاً، لأنّها تتضارب مع مصالحه الشخصية، ومثل هذا لا يقبل إيمانه:

(فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) (البقرة/ 85).

5-     كفر البراءة، كما في قصّة إبراهيم الخليل في قوله تعالى: (كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) (الممتحنة/ 4).

فإنّ إبراهيم الخليل (ع) يتبرّأ من نمرود وقومه، واشتعلت نار الحرب بينهما، ولن يترك إبراهيم ذلك حتى يؤمنوا بالله وحده، ويكفروا بنمرود والطواغيت.

ومن كفر البراءة تبرّي إبليس اللعين يوم القيامة ممّن اتّبعه، كما في قوله تعالى: (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِي مِنْ قَبْلُ) (إبراهيم/ 22).

كما يتبرّأ الكفّار بعضهم من بعض يوم القيامة:

(إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) (العنكبوت/ 25).

فالكفّار إنّما عبدوا الأوثان من دون الله سبحانه لمراعاة الصداقة والمودّة الدنيوية حفظاً لمصالحهم في الدنيا، إلّا أنّه يوم القيامة يوم تبلى السرائر ويكون بصرك اليوم حديد ونافذ ويرى الحقائق فإنّهم يتبرّأون بعضهم من بعض:

(الأخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ) (الزخرف/ 67).

فالكفر له مراتب وأقسام، كما جاء تفصيل ذلك في الروايات.

 

المصدر: كتاب حقيقة القلوب في القرآن

ارسال التعليق

Top