• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

القيّم النبيلة في شخصية الحسين (عليه السلام)

عمار كاظم

القيّم النبيلة في شخصية الحسين (عليه السلام)

عندما نقرأ سيرة الحسين (عليه السلام) في انطلاقته، فإنّنا نجد أنّ العنوان الذي كان يحكم مسيرته هو عنوان الإصلاح في أُمّة جده، الإصلاح الفكري في مواجهة الانحراف الفكري، والإصلاح السياسي في مواجهة الانحراف السياسي، والإصلاح الاجتماعي في مواجهة الانحراف الاجتماعي... وهذا ما لخّصه في كلمتي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللتين تمتدان إلى كلّ معروف أو منكر في خط الإسلام.

كان الإمام الحسين (عليه السلام) شعار ومدرسة وتيّار كفاح وجهاد رسالي وسياسي فريد في تاريخ الإسلام.. لذلك كان دوره كبيراً، وأثره عظيماً.. فقد كان قوّة دافعة محرِّكة في أحداث التاريخ الإسلامي وخصوصاً الجهادي منه على مدى أجيال وقرون عديدة ولم تزل نهضته وحركته ومبادئه تتفاعل وتؤثر في ضمير الأُمّة ووعيها.

ثورة الحسين (عليه السلام) ثورة إنسان كمل في إهابه معنى الرشد، وحقيقة الوعي، وروح الإيمان، وسرّ العلو المطلق، فتشكّل في حياته دليلاً أميناً لطلاب الحقّ، وبعد مماته أمثولة رائعة حازت شرف الأسوة في خطٍ مشروعٍ نقلاً وعقلاً، وبقي مَن واجهه رأساً في حربة الظلم والغدر والإثم، ذات نتاج الفساد والخديعة والشرّ. سيبقى الحسين (عليه السلام) الثائر يعلّم الناس من خلال ثورته كيف يموتون، لأنّ الموت فنٌ كالحياة، فمن لم يختر الشهادة النبيلة فسيختاره الموت الوضيع، والشهادة قيمة طغراء في صفحة الولاء بعد الثناء.

علّم الحسين (عليه السلام) مَن بعده كيف تُعتنق المبادئ، وكيف تُحرس، وكيف يُقدَّس الإيمان، وكيف يُدافع عنه، وكيف يكون الموت من أجل العقيدة، وكيف يحيا كريماً من تبنّاها عَرِيّة عن الخَطَل، مرعية الصلة بالخالق الأعظم.

ثار الحسين (عليه السلام) ضد الظلم، وأي إنسانية أعظم من أن تثور ضد الجور والحيف، وتأتي بالعدل عنواناً صادقاً لمجتمع الأفراد وأفراد المجتمع؟ نظّم الحسين عاشوراء الزمان وكربلاء المكان في سلك الشهادة، ووضعها قلادة على جيد التاريخ، تاريخ الإصلاح، فتحوّلت بعده كلُّ ذكرى للزمن إلى عاشوراء، وأضحت كلّ مناسبة للمكان كربلاء. مات الحسين (عليه السلام)، ولكنّ موته لم يكن - أبداً - هموداً ولا رقوداً، بل هو خروج الحركة عن قطبها لتحلّ منتشرة في ثوّار كُثر، ففي روح كلّ مصلح لمعة من روحه، وفي ضمير كلّ مجاهد قبسات من عطائه.

إنّ الحسين (عليه السلام) بشر ولكنّه تحمّل من الآلام والفجائع ما لم يتحمّله البشر وتحمّل من المحن ما يفوق طاقة البشر، ومع ذلك بقي صامداً قوياً إنّ صوته جلجل في رحاب الأرض منادياً بالحرّية. "كونوا أحراراً في دنياكم" ونداءُه أرعب الطغاة وهزّ عروش الحكام: "والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرّ لكم إقرار العبيد" و"هيهات منّا الذلة" وصوتُ نسائه وبناته رنّ في فضاء هذا الكوكب وكان صدىً في القلوب والنفوس.

إنّنا قد نظن أنّ الحسين (عليه السلام) كان يشعر بالرضا لو لم يُعانق الشهادة ولم يُقتل ولم يشهد مأساة كربلاء. ولكن الحسين (عليه السلام) كانت له نظرة أخرى، فِرضاهُ في إحياء القيم الإسلامية إذ نجده يصرخ ويقسم بالله بأنّ سعادته في القتل. إذ أكّد: «والله لا أجد الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً». كان الإمام الحسين (عليه السلام) يرى أنّ المجتمع الإسلامي يحتاج إلى ثورة ولكنها ليست ثورة من أجل إسقاط حكم واستلام سلطة ولكنها ثورة في النفوس ثورة في الضمائر، ثورة في المفاهيم، ثورة في مشاعر الناس وقلوبهم. وقد نجح في ذلك أيّما نجاح ذلك هو النصر وذلك هو الفتح المبين. النزعة الإنسانية في ثورة الحسين (عليه السلام) تجسّدت في تغليب الخير على الشر ومناصرة المظلوم على الظالم. وإخراج الإنسان من العبودية والقهر والذل إلى الحرّية والعزّ والكرامة نجده يخاطب أصحابه: «صبراً يا بني الكرام» والنزعة الإنسانية تتمثل في تغليب المنفعة العامّة والمصلحة الاجتماعية على النوازع الفردية كما قال العقاد: «إنّ منفعة الإنسان وُجدت لفردٍ من الأفراد، أمّا الأريحية التي يتجاوز بها الإنسان منفعته فقد وُجدت للأُمّة كُلّها أو للنوع الإنساني كلّه ومن ثمّ يكتب لها الدوام».

ارسال التعليق

Top