• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

اللعب وعلاقته بالتفكير الإبداعي عند الأطفال

أ. د. فاروق السيد عثمان

اللعب وعلاقته بالتفكير الإبداعي عند الأطفال
◄بيّنت بعض الدراسات مثل دراسة "ليبرمان، ستون، وسمث" انّ الأطفال الذين تعلموا اللعب بطريقة تخيلية يحصلون على درجات عالية على إختبارات التفكير الإبداعي بالمقارنة مع الأطفال الذين لم يمارسوا اللعب. وتنمية الإبداع يأتي من خلال الجمع بين التدفق الترابطي للأفكار والاتجاه المتسامح نحو الألعاب المتنوعة. إنّ محاولة فهم سيكولوجية اللعب هي من الانجازات الضخمة في ميدان علم النفس. إنّ تاريخ اللعب تاريخ طويل أمتد من عهد أفلاطون وأرسطو حتى الآن، حيث يرى أفلاطون أنّ الصغار يمكنهم التدريب على أعمال البناء من خلال اللعب وذكر أرسطو أنّه من الضروري تشجيع الأطفال على اللعب مستخدمين المهارات التي ستكون حرفتهم في المستقبل. وفي بداية العصر الحديث قدم العديد من علماء التربية مثل "بستالوزي" و"وفرويل" تصورات عن اللعب، حيث أعتقدوا أنّ الطفل يجب أن يطلق حراً لكي يمارس نشاطه التلقائي بحيث يعبر عن ميوله ورغباته. وأفضل الأساليب لتحقيق ذلك هو اللعب بإستخدام الموسيقى والشعر. وقد توصلت "مونتيسوري" إلى عدد الاكتشافات حول الكيفية التي يتم بها التعلم المتمثلة في التصورات الآتية: 1- الصور أفضل من الكلمات. 2- إنّ الإطلاع أفضل من الاخبار. 3- إنّ الافراط في التعلم أفضل من التفريط فيه. 4- عندما تكثر المخاطر وتزداد مشاعر القلق، فإنّ المتعلمين يميلون إلى تجنب تجربة جديدة ويفضلون عدم الانفتاح على تجارب إضافية. 5- التعزيز الإيجابي يعتبر أفضل من العقوبات.  

 - مفهوم اللعب:

يطلق اللعب عادة على كل أعمال الأطفال، وبعض أعمال البالغين غير الجدية التي تتجلى فيها الحالة التلقائية، وعدم التقيد بقيد ما، أو اعتبار لغير قانون اللعبة، أو الشعور بالمسؤولية من ناحية والارتياح المتجدد أثناء القيام بها، واللذة التي يجدها الفرد فيها، والمثابرة والاستمرار للحصول على أكبر قسط من هذه اللذة من ناحية أخرى (حامد عبدالقادر، 1966). قدم جود (1975) تعريفاً للعب وهو عبارة عن نشاط موجه وغير موجه يقوم به الأطفال من أجل تحقيق المتعة والتسلية ويستغله الكبار عادة ليسهم في تنمية سلوكهم وشخصياتهم بإبعدها المعرفية والجسمية والوجدانية. ويعرف شابلن (1965) اللعب بأنّه نشاط يمارسه الأفراد في صورة فردية أو جمعية بقصد الاستمتاع ودون أي دافع آخر. ويعرف "عدس ومصلح" (1980) اللعب بأنّه "استغلال طاقة الجسم الحركية في جلب المتعة النفسية للفرد". وتعرف كاترين تايلور (1967) اللعب بأنّه "أنفاس الحياة بالنسبة للطفل، وانّه حياته وليس مجرد طريقة لتمضية الوقت وأشغال الذات. فاللعب للطفل هو كالتربية والاستكشاف والتعبير الذاتي والترويح". ويرى "بيرسي" (1950) انّ اللعب عبارة عن كل نشاط يقوم به الإنسان لمجرد النشاط". ويرى المؤلف (1995) انّ اللعب عبارة عن جميع الأنشطة التي يقوم بها الطفل بقصد اشباع حاجاته النفسية وتفريغ طاقته بحيث يجد فيها متعة ولذة". وهو في اللعب يكون مدفوعاً بدوافع كثيرة مثل حب الاستطلاع والاستكشاف والمعالجة.  

 - مميزات اللعب:

يتميز اللعب بعدة مميزات يمكن التعبير عنها في الآتي: 1- رغبة الطفل في أن يكون هو الفاعل للعب والمسبب له. 2- الشعور بالحرية النفسية أثناء اللعب. 3- النشاط المطلق غير المقيد بقواعد أو شروط. وتظهر تلك الخاصية في مراحل الطفولة، أما في مرحلة المراهقة والرشد فأنّ اللاعب يلتزم بقواعد أو شروط اللعبة. 4- حب التقليد وخاصة في الألعاب الجديدة ومعظم العاب الكبار. 5- المنافسة في اللعب والتي يقصد بها هزيمة الخصم. والتغلب عليه مما يعطي اللاعب أو الفريق شرف الفوز والإنتصار.   - مراحل اللعب عند الأطفال: لقد حدد علماء النفس مراحل اللعب من سن العام الواحد حتى العام الثاني عشر وهو موضح في الجدول التالي: مراحل اللعب عند الأطفال العمر صفة المرحلة المستوى مراحل اللعب نمط اللعب 1-5 سنوات التركيز على الذات اللعب الفردي اللعب المتبادل التعرف على الأشياء التقليد التعرف على الأشياء حل المشكلات 5-8 سنوات التعاون اللعب مع الزميل اللعب مع المجموعات التقليد التوقع التحليل التركيب الإكتشاف حل المشكلات 8-12 سنوات المنافسة اللعب في مجموعات وفرق الاختبارات التحليل التركيب التقويم حل المشكلات الاكتشاف الإبداع   - وظائف اللعب: لحض أرنود (Arnold, 1974) وظائف اللعب في تربية الأطفال على النحو الآتي: 1- يعمل اللعب كمولد ومنظم لعمليات التعلم المعرفي. 2- يساعد اللعب الأطفال في السيطرة على القلق والصراعات النفسية العادية. 3- اللعب أداة رئيسية لتعميق احساس الطفل بالمشاركة الاجتماعية وتنمية المهارات اللازمة لعمليات التطبيع الاجتماعي. 4- يساعد اللعب في السيطرة على العمليات الرمزية المجردة. 5- يساعد اللعب في تحقيق النمو الجسمي والمهارات الفعلية. 6- يساعد العلم في تعلم الإبداع والاختراع. 7- يستطيع الأطفال خلال الخبرة الذاتية للعب والتحقيق مع امكاناتهم الفريدة في الإحساس بالذات.  

 - نظريات اللعب:

يوجد العديد من النظريات التي تفسر اللعب عند الأطفال، وقد اختلف علماء النفس في تفسير اللعب كظاهرة من الظواهر الإنسانية. ففي مرحلة من المراحل كانت الألعاب تمثل أحد الطقوس التي لجأ إليها ليتخلص من توتراته وانفعالته والقلق. وقدم كل من "حامد عبدالقادر"، ومحمد الأبراشي" (1966) مع "مالك سليمان" (1986) العديد من النظريات التي تفسر اللعب والتي تتخلص في الآتي:   - أوّلاً، نظرية الطاقة الزائدة: قدم "شيلر وسبنسر" هذه النظرية، حيث كانا يعتقدان أنّ اللعب مهمته الأصلية في التخلص من الطاقة الزائدة عند الطفل. فالطفل يحتاج إلى ممارسة مجموعة من أنشطة للعب حتى يستطيع تقليل الطاقة. واللعب هام في مرحلة الطفولة لمساعدة الطفل في تكوينه الجسمي والنفسي. وغالباً يكون اللعب من أجل اللعب في تلك المرحلة. ويمكن الاستفادة من تلك النظرية في مساعدة الأطفال مرتفعي النشاط في تفريغ طاقاتهم من خلال ممارسة الأنشطة المعدة لهم في رياص الأطفال.   - ثانياً، نظرية الإعداد للحياة المستقبلية: قدم "كارل جروس" هذه النظرية. ويرى "جورس" أنّ اللعب يمرن الأعضاء الجسمية، وبذلك يستطيع الطفل أن يسيطر سيطرة تامة عليها وأن يستعملها استعمالاً حرّاً في المستقبل. وهو بذلك يمكن أن يقوم بعملية التآزر البصري والحركي. كما يساعد اللعب الطفل في التحكم في عضلاته الكبرى ثمّ عضلاته الصغرى. فاللعب يعد الطفل للمستقبل وترى هذه النظرية أنّ الطفل يمتلك من الآليات التي تؤهله أن يقوم بدوره بنجاح في المستقبل إذا تم إعداده الإعداد السليم ويمكن استخدام اللعب كأحد نماذج الإعداد الناجح في ممارسة دورة في الحياة.   - ثالثاً، النظرية التلخيصية: قدم هذه النظرية "ستانلي هول" وهو يرى أنّ اللعب هو تلخيص لضروب النشاطات المختلفة التي يمر بها الإنسان عبر الأجيال المتعاقبة. واستخدام الإنسان نماذج كثيرة من اللعب لكي تساعده في عمليات القبض على الأشياء والتسلق والصيد. فالإنسان يلخص في لعبه أدوار الحياة التي مرت عليه. وترى هذه النظرية أنّ المهارات التي تعلمها جيل من الأجيال سوف يقدمها للجيل التالي الذي يمكن أن تضيف إليها.   - رابعاً، نظرية التحليل النفسي: ترى هذه النظرية أنّ ألعاب الأطفال تساعد على التخفيف مما يعانيه من القلق الذي يحاول كل فرد التخلص منه بأيّة طريقة. واللعب إحدى هذه الطرق، وتشبه هذه النظرية إلى حد ما نظرية الطاقة الزائدة. ويبعد اللعب في تلك النظرية عن رغبات محبطة أو متاعب لا شعورية وهو تعبير صريح عما يشعر به الطفل. فاللعب هو لغة الطفل في التعبير عن ذاته ووسيلة الاتصال مع الآخرين.   - خامساً، نظرية النمو الجسمي: قدم هذه النظرية العالم "كارث" حيث يعتقد أنّ اللعب يساعد على نمو الأجهزة ولا سيما المخ والجهاز العصبي. فالطفل عندما يولد لا يكون مخه وصل إلى حالة متكاملة. وبما أنّ اللعب يشتمل على حركات تسيطر على تنفيذها كثير من المراكز المخية ولهذا فإنّ النمو الجسمي يساعد على استخدام أساليب من اللعب التي تتطور مع زيادة العمر.   - سادساً، نظرية الاستجمام: تؤكّد هذه النظرية انّ الإنسان يلعب كي يريح عضلاته المتعبة وأعصابه المرهفة التي أضناها التعب، ذلك لأنّ الإنسان يستخدم عضلاته بصورة أثناء اللعب تختلف عن استخدامها في العمل. فالعضلات تعمل أثناء العمل ولكنها تشعر بالراحة والاسترخاء والاستجمام، أثناء اللعب.   - سابعاً، نظرية فيجوتسكي للّعب: يرى "فيجوتسكي" أنّ الطفل يميل إلى إختزال حاجاته بصورة فورية. ومع تقدم عمره ودخوله في مرحلة رياض الأطفال فإنّه يعبر عن رغباته بصورة تلقائية في صورة لعب. ويتميز اللعب في تلك المرحلة بالتلقائية والتخيل ويلعب اللعب دوراً رئيسياً في نمو الطفل. فالنشاط التخيلي وإبداع الأهداف، وصياغة الدوافع إنما تظهر من خلال أنماط اللعب التي يمارسها الأطفال. ويسهم اللعب في تحقيق ما يلي: 1- التفكير المجرد: يساعد اللعب على الإسراع في تنمية التفكير المجرد من خلال تنمية بعض المهارات في عملية تنظيم شبكة من التفكير المنظم. وفي مرحلة ما قبل المتوسط ينقلب اللعب إلى عمليات داخلية وفكر مجرد. 2- ضبط الذات: إنّ التزام الطفل بقواعد اللعب وأنظمته يوفر له المتعة. كما يتعلم الطفل أن يسيطر على عناصر البيئة الخاصة بأنظمة اللعب ويتعلم أيضاً القيام بعملية ضبط الذات. 3- اللعب نشاط إنساني: يشبع اللعب حاجات الطفل النمائية. وأنّ اللعب يتغير من مرحلة عمرية إلى أخرى.   - ثامناً، نظرية جان بياجيه في اللعب: اهتم بياجيه (Piaget, 1962) بملاحظة اللعب عند الأطفال في المراحل العمرية المختلفة، ووصف التفاعل به التي يتم أثناء اللعب بين الطفل وبيئته. ويعتقد بياجيه انّ التفاعل هام وجوهري في عملية النمو. ويعتقد أن عملية التمثل والمواءمة ضروريتان لنمو الطفل. ويرجع النمو العقلي إلى التبادل المستمر والنشاط بين عملية التمثل والمواءمة. واللعب عند بياجيه هو طريقة تستخدم لكي تناسب الأسكيمات التنظيمية لدى الطفل. ويتطور اللعب في مراحل مختلفة حسب نظرية النمو المعرفي عند بياجيه وهي كالآتي:   أ- اللعب التدريبي: يبدأ هذا النمط من اللعب من الميلاد حتى سن الساعة تقريباً. وغالباً يرتبط اللعب في تلك المرحلة العمرية بجسمة أو المحطين به. ويكتسب الطفل بعض المهارات مثل التآزر الحسي – حركي الضروري لممارسة الموضوعات في المكان والزمان، وأن يرى العلاقة السببية بينهما.   ب- اللعب الرمزي: أنّها مرحلة اللعب التخيلي الذي نجده عند غالبية أطفال الحضانة التي تمتد حتى سن السابعة تقريباً. وفي هذه المرحلة يحاول الطفل أن يخضع الواقع بحيث يلائم اهتمامه وحاجاته الخاصة. كما يستخدم الكلمات إلى تصوراته وأفكاره ومشاعره الداخلية.   ج- اللعب المنظم: وهي مرحلة اللعب الذي تحكمه القوانين المتفق عليها، والذي يمثل سلوك اللعب عند الأطفال والكبار. وهي مرحلة أطلق عليها بياجيه مرحلة "التقليد المادي المحسوس". ويتجه الطفل في تلك المرحلة نحو الواقع حيث يميل إلى التعارف مع الآخرين حتى تلائم هذا الواقع (سيد الطواب، 1985). ويرى بياجيه (Piaget, 1962) أنّ اللعب هو أساس كل الأشكال العليا في الأنشطة العقلية. ولذا فهو يعمل كقنطرة للمرور من الذكاء الحسي – حركي إلى ذكاء العمليات العقلية المجردة. قدم "أحمد بلقيس وتوفيق مرعي" (1987) في كتابهما بعنوان "سيكولوجية اللعب" أهم الفروق في تفسير اللعب عن كل من "جان بياجيه" و"سيجمون فرويد" التي تأخذ التصورات الآتية:   تصورات اللعب عند بياجيه وفرويد تصورات بياجيه تصورات فرويد 1-    اللعب واقعي 2-    اللعب وسيلة تعلم 3-    اللعب يقوم على التوفيق بين الإمكانات والبيئة 4-    يهم المعلم 5-    يعتبر كل ما في البيئة مصدراً للتعلم 6-    يستوجب تحسين وتنظيم الألعاب واستغلالها. 1-    اللعب إيهامي 2-    اللعب وسيلة علاج من الأمراض النفسية 3-    يقوم على التوفيق بين الواقع والخيال. 4-    يهم الوالدين 5-    على الوالدين تهيئة الفرص للعب أطفالهما 6-    يمكن استغلاله لحل المشكلات النفسية.   إنّ تفسير بياجيه للعب يرتبط بعمل المعلم، فعلى المعلم أن يعتبر كل ما في البيئة مصدراً للتعلم، وعليه يجب تنظيم الأنشطة التعليمية واللعب بحيث يكون التعلم من خلال اللعب ممتعاً. أمّا تفسير فرويد يرتبط بمهمة الوالدين أكثر من المعلم، فعلى الوالدين أن يوفرا فرص اللعب لأ"فالهم، وأن يحاولا حل المشكلات النفسية التي تواجه طفلهما من خلال اللعب بأشكاله وأنواعه المختلفة. وقدم هنريوت (Henriot, 1969) تقسيماً للعب في ثلاثة مراحل متمايزة هي:   أ- اللعب الإيهامي: ينغمس الطفل كلياً في الخيال ويحول العالم الحقيقي إلى عالم خاص به، فلا يعود الكرسي كرسياً بل يتحول إلى سيارة، ولا الدمية دمية بل طفلاً نائماً أو صاحباً يتحدث ويأكل.   ب- اللعب الواقعي: يتعلم الطفل اكتساب العديد من المفاهيم فهو يدرك العلاقة بين اسم الكرسي واستعماله، ويتعامل مع هذه المفاهيم والألعاب على أساس ما هي عليه في الواقع.   ج- اللعب الواقعي الإيهامي: يتعلم الطفل أن يستخدم خياله لجعل النشاط يتخذ شكل النشاط اللعب. وهذا اللعب يسهم في تطوير الأطفال عقلياً ووجدانياً.►   المصدر: كتاب (سيكولوجية الإبداع)

ارسال التعليق

Top