كما أنّ الذكاء العاطفي ينطبق على الأفراد فهو ينطبق على المؤسسات أيضاً، وإنّ أكثر أفراد المؤسسة قدرة على رفع مستوى ذكائها العاطفي هو قائد المؤسسة، ولكي يفعل ذلك عليه أن يدرك الواقع العاطفي لمؤسسته، وأن يرسخ فيها ثقافة الشفافية والبحث عن الحقيقة.
إنّ بعض المديرين لا ينصتون إلى موظفيهم، ولا يدخلون معهم في مناقشات صريحة حول الأنظمة التي تعمل أو تلك التي لا تعمل في الشركة، وحول العادات السائدة، وما يحتاج منها إلى تغيير، وهم يبتعدون عن الحقيقة، دائماً، ويمنعون الآخرين برفضهم للنقد والتغذية الراجعة من نقل الأخبار السيِّئة إليهم.
إنّ إدراك الواقع العاطفي للمؤسسة يعني معرفة طبيعة المشاعر السائدة في هذه المؤسسة، هل تغلب فيها مشاعر الولاء والاندفاع للعمل والنقد والصراحة وروح الإبداع والمبادرة، أم أنّ جوها تسممه مشاعر الملل والإحساس بالظلم والتشنج والانغلاق؟
إذا أراد المدير أن ينهض بمستوى الذكاء العاطفي في مؤسسته فعليه أن يعرف أوّلاً طبيعة المشاعر السائدة في هذه المؤسسة؛ ويتم ذلك من خلال طرح أسئلة صريحة، وإطلاق حوار مفتوح مع الموظفين حول مشاعرهم تجاه عملهم في الشركة وحول أحلامهم ونظرتهم إلى مستقبل الشركة. هذه الأسئلة وهذا الحوار سيرشد الموظفين إلى معرفة ما يريدونه حقّاً، ومعرفة العوائق التي تقف في طريق تحقيقه. وأورد مثالاً على ذلك قصّة مديرة جديدة تسلمت منصبها في شركة تضم 220 موظفاً، وتخدم 50 مليون زبون. كانت الشركة تعاني من البيروقراطية وانخفاض روح الإبداع والمبادرة عند موظفيها. طبّقت المديرة طريقة الأسئلة الصريحة، وصارت تسأل الموظفين عن رأيهم في الشركة وفي أنفسهم، وعن القوانين المعيقة في الشركة، وعن آمالهم الخاصّة والجماعية (المتعلقة بمستقبل الشركة)، وكيف يحرّرون طاقتهم للتحرك باتجاه مستقبلية مشتركة. فكانت النتيجة تغير في جوّ الشركة العام، وشعور الجميع بالتوجه والاندفاع وارتفاع أداء الشركة.
الفاشلون ينتظرون المستقبل أمّا الناجحون فيقومون بصناعته..
يخشى بعض المديرين من النقاش الصريح حول حقيقة ما يشعر به موظفو الشركة، إذ يخشون أن تكون هذه النقاشات حامية، وأن يعجزوا عن السيطرة على المشاعر الناجمة عنها، لكن ترك المشاكل والمشاعر السلبية من دون مصارحة ومعالجة أسوأ بكثير من مجابهتها؛ لأنّ المشاكل عندما تترك من غير علاج تتفاقم ويزداد الأمر سوءاً، أمّا عندما يشيع المدير جو الصراحة والصدق في مؤسسته فإنّه سينشر فيها ثقافة تقدر البحث عن الحقيقة.
وعندما يرى الجميع قائدهم يبحث عن الحقيقة فسيتعلمون البحث عنها والحلم بصوت مرتفع. وفي جوٍّ كهذا تُحدَّد الأخطاء والسلبيات، وتعالج بسرعة، وتسود فيه روح المسؤولية والمبادرة والإبداع.
عندما يوجّه فريق العمل في المؤسسة واقعه العاطفي، أي عندما يقول الجميع بصوت واحد: "لا نحب المشاعر السائدة هنا" فسيبدأون بالتحرك نحو التغيير. إنّ التغيير يبدأ في المجموعة عندما يدرك أفرادها واقعهم، والواقع هنا ليس أمراً سطحياً (وجود موظف مقصر هنا أو مدير متسلط هناك) إنّما له علاقة بثقافة المؤسسة والعادات القائمة بين أفرادها.
بعد تحديد الواقع العاطفي للمؤسسة وطبيعة المشاعر السائدة بين أفرادها يستطيع القائد أن ينتقل بها إلى مؤسسة ذكية عاطفياً عن طريق تحديد رؤية مثالية للمؤسسة، وإشعار الجميع بأنّهم فريق واحد يخدم بعضهم بعضاً. إنّ مهمّة القائد إحداث التناغم، وليس التوافق فقط بين أتباعه. التوافق هو توافق العقول، ويعني الاتفاق في الآراء أمّا التناغم فهو تناغم القلوب، ويعني اندماج الجميع في جوٍّ من التفاعل المتبادل والحماس المشترك لبلوغ أهداف المؤسسة. التوافق هو أن يتفق أفراد فريق كرة السلة مثلاً على الفوز في المباراة، أمّا التناغم فهو الحالة التي يعيشونها في أثناء المباراة وهم يمارسون أقصى درجات التنسيق والتفاعل والتفاهم فيما بينهم وهم يحرزون الأهداف الواحد تلو الآخر.
القائد يجد الحلم ثمّ يجد الناس، الناس يجدون القائد ثمّ يجدون الحلم...
إنّ هذا التناغم لا يتحقق إلّا بإشراك الموظفين بشكل عميق في عملية تحديد الفجوات بين واقع المؤسسة العاطفي والرؤية المثالية التي تسعى إليها، وبإشراكهم في عملية التغيير والانتقال من الواقع إلى الرؤية.
الخلاصة: على القائد الفعّال أن يخرج المشاكل الخفية في الشركة إلى دائرة الضوء من خلال تشجيع جو الصراحة والحوار والانفتاح بين الموظفين، ولكي يؤسّس أرضية مشتركة وفهماً مشتركاً حول؛ ما الذي يجب أن يتغير، ولماذا يجب أن يتغير؟. عليه أن يشجع الآخرين على التحدّث عن آمالهم وعن كيفية تحقيقها، وأن يبدأ بنفسه، فيُطبِّق الأُمور التي يدعو الناس إلى تطبيقها، وهكذا تصبح المؤسسة ذكية عاطفياً بحيث يشعر الموظفون أنّهم في المكان المناسب، وأنّهم يفهمون بعضهم بعضاً، ويشعرون بالسعادة بوجودهم معاً.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق