• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المجتمع التعاوني

عمار كاظم

المجتمع التعاوني

يقول تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة/ 2)، تشكّل القوانين والقيم الأخلاقية منظومة متكاملة، تؤدي وظيفة بنائية في هيكلية المجتمع القرآني وعناصر بنائه، ومَن يتابع دعوة القرآن الأخلاقية والتشريعية، وما آثر عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمه الهُداة (عليهم السلام) من توجيه وتعاليم يجدها دعوة إلى التعاون بين أفراد المجتمع ومؤسساته، وتشكّل هذه الآية الكريمة قاعدة تشريعية لتأسيس الجمعيات والشركات والأحزاب الإسلامية والمنظمات ذات النفع العام والنقابات.. إلخ.

إنّ التعاون الذي أمر به القرآن في هذه الآية: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) لهو مفهوم عام وشامل لكلّ عمل خير ومباح، أو واجب، أو منع للفساد والتخريب والانحراف.. إلخ. التعاون المادّي والعلمي والخدمي والإنساني العام.. إلخ، فالمؤسسات التعاونية التي تجمع طاقات المئات والآلاف والملايين من الأشخاص أو رؤوس الأموال أو الكفاءات، تنتج المشاريع الاقتصادية والخدمية والعلمية والإصلاحية الكبرى التي يعجز الأفراد عن تكوينها. فمثلاً رأس المال الصغير لا يمكنه أن ينتج مشاريع ذات قيمة اقتصادية أو خدمية هامة، وعندما يتعاون الناس وتجتمع رؤوس الأموال الصغيرة والخبرات لتصبح رأس مال كبير، فسيكون قادراً على تأسيس وإقامة المشاريع الإنتاجية والخدمية الكبرى، وعندما تحدث المشاكل والحوائج في المدينة والقرية مثلاً، ويتعاون الناس على حلها ستكون سهلة الحل.

وعندما ينتشر الفساد الاجتماعي والجريمة، ويتعاون الناس على مكافحة الفساد والجريمة سيتمكن هؤلاء الناس من تطهير المجتمع من ظاهرة الفساد والانحراف. في حين يعجز الأفراد أو الإمكانات الضعيفة عن القيام بمشروع الإصلاح هذا؛ لذلك أمر القرآن بالعمل الجماعي لإصلاح المجتمع بقوله: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104).

وعندما يداهم المجتمع خطر، كالحوادث الطبيعية: مثل الزلازل والفياضانات والجفاف.. إلخ، أو يهاجم البلاد عدو، أو تحديات ومخاطر، ويتعاون الناس على صد العدوان والمخاطر، بما يقدمون من مال وخبرة ومعلومات، وجهد ومشاركة في الدفاع عن العقيدة والأوطان، ومصالح المجتمع، فسيتمكنون من دحر العدو ومواجهة التحدّيات وتحقيق الآمن والسلام. أمّا المجتمع الذي تنتشر فيه الأنانية والتخاذل، ولا يتعاون أفراده سيكون مجتمعاً متخلفاً منحلاً، خاضعاً للأزمات والتحدّيات.

إنّ التعاون يعتبر من أهم عناصر بناء المجتمع وحمايته من التخريب والانحلال، والمجتمع القرآني الذي يستجيب فيه الناس لدعوة القرآن هذه، لهو مجتمع تعاوني.. تتظافر فيه الجهود والطاقات والإمكانات في مشروع البناء والتحصين والدفاع والإصلاح، وللتعاون بالإضافة إلى ما يحقّقه من نتائج في التطوير الاقتصادي والخدمي، وانجاح المشروع السياسي، فإنّ له انعكاسات وآثار نفسية إيجابية على أفراد المجتمع الذين يتعاون معهم الآخرون لحل مشاكلهم وحمايتهم.

ورد عن الرسول الكريم محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما يغني المجتمع ويحشِّد الطاقات ويوحِّدها في مجال التعاون على  البر والتقوى. روي عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص؛ يشدُّ بعضه بعضاً»، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «مثلُ المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». كما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «الساعي في حاجة أخيه كالساعي بين الصفا والمروة».

ارسال التعليق

Top