• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

المراهقة وتحديات اليوم

عزة فرحات

المراهقة وتحديات اليوم
◄"لست أحب أن أرى الشاب منكم الا غادياً في حالين: إما عالماً أو متعلماً فإن لم يفعل فرّط، فإن فرّط ضيّع، فإن ضيّع أثم، وإن أثم سكن النار والذي بعث محمداً بالحق". الإمام الصادق (ع)

 

1-    الضغوط الاقتصادية:

لا يخفى ما انتجته حياة اليوم من ضغوط اقتصادية اضطرت الأهل للنزول إلى ساحات العمل لساعات طويلة. وبغياب الوالدين يقلّ حجم رعاية الأهل ومراقبتهم لأولادهم، وبالأخص – المراهقين الأكثر حاجة لهذه الرعاية – وهذا ما يؤدي إلى شعور المراهق بالفراغ العاطفي من جهة وبغياب الرقيب عليه من جهة ثانية. فما يلبث أن يبحث عن بدائل عاطفية خارج منزله، وينطلق وراء رغباته وميوله في ظل غياب أهله. وتعتبر هذه المشكلة من أهم مشاكل المراهقة في أيامنا الحاضرة. لقد بات الأهل يجهلون أولادهم، حتى ان كثيراً من الآباء لا يعرفون أعمار أولادهم ولا في أيّة مرحلة دراسية يدرسون. وباتت الأم لا تعرف ماذا يأكل أولادها ويلبسون، ولا تدري من هم أصدقاء ابنتها، وإلى أين تذهب ومتى تعود، وأي البرامج التلفزيونية تحب وتشاهد.

لقد أدّى الضغط الاقتصادي بشكل أساسي، إضافة إلى عوامل أخرى استلزمتها حياة العصر، إلى أن يعيش الأهل حالة طوارئ دائمة. ولم يعودوا قادرين على الجلوس مع أولادهم لساعات كما كانوا يفعلون من قبل، وربما لا يمر في النهار وجبة طعام جماعية للأسرة. ولا يلتقي الأب بأولاده إلّا مرة كلّ عدة أيّام.

هذه المستجدات الحياتية تترك آثارها السلبية على المراهق ان لم تتم مراعاتها ومحاولة تعويضها. ففي هذا الوضع يشعر المراهق انّه مهمل من قِبَل والديه، وأنّهم لا يهتمون لأمره. ولا يتدخلون في حياته الا رفعاً للتعب. وحين يتدخلون فإنّهم يفعلون ذلك بالنحو الخاطئ بالنسبة إليه، ويشعر ان أكبر هم والديه هو راحتهم واهتماماتهم الشخصية، وعليه يبرر لنفسه أن يتنصل من مسؤولياته تجاههما، كما هو حالهم معه. ويعيش أزمات نفسية وصراعات داخلية، ان لم يتداركها الأهل فإنّها تؤدي إلى أحد أمرين: أما ان يعيش المراهق الاكتئاب والانطوائية والعزلة، واما ان يثور على واقعه ويتفلت من مسؤولياته ويتمرد على والديه.

ويرمي الضغط الاقتصادي بثقله على الأهل من ناحية أخرى، فالكثير من المراهقين يرفضون واقعهم الاقتصادي ويفرضون على الأهل مستوى معيشياً أعلى مما في استطاعتهم. يظهر ذلك في اصرارهم على حد معيّن من المصروف اليومي لا يتنازل عنه إضافة إلى مطالبتهم بكل غالي الثمن من الملبس والمأكل والمشرب. ويرضخ معظم الأهل لضغط الأولاد في هذا المجال ظناً منهم ان في ذلك تعزيزاً لثقة الولد بنفسه، وعلواً لمكانته بين زمللائه، واشباعاً لطموحه. ويقع الأهل بالتالي في أعباء جديدة تتمثل أما في العمل الإضافي وأما في الديون، وفي كلا الحالين يصعب الخروج من الضائقة لأنها تتحول في معظم الحالات إلى نمط عيش جديد..

 

2-    الثقافة الداخلية:

لقد بات الاطلاع على العالم اليومي في متناول الجميع. فمع وجود الانترنت والتقنيات العصرية الحديثة أصبح بمقدور أي إنسان أن يطلع على مجريات العالم وثقافاته بكل سهولة. ومعلوم انّ الثقافة الوحيدة التي يتم الترويج لها بقوة اليوم هي الثقافة الغربية التي تتعارض مع الثقافة الإسلامية في رؤيتها العقائدية والأخلاقية والتربوية للإنسان والعالم. بل انّ التعارض يمتد إلى حد المواجهة والسعي لالغاء الآخر كما هو واضح من الغزو الثقافي الذي يقوم به الغرب على شعوب وحكومات العالم. وأولادنا في ظل هذه الحرب الثقافية هم أحد الأهداف الأساسية إذ هم جيل المستقبل وعلى يدهم يتم التغيير الحقيقي.

وتعتبر الاباحية واطلاق العنان لجميع شهوات الإنسان من أهم مفردات الثقافة الغربية اليوم والترويج للجنس والمأكل والمشارب والملاهي بهذا الشكل المشهود في وسائل نقل الثقافة هو أكبر دليل على ما نقول. ان أولادنا لو خلّوا اليوم وهذه الثقافة المدمرة سيكونون في خطر عظيم حيث انّهم سيلتقطون من هذه الثقافة المدمرة الجديدة ما يغري توجهاتهم الجديدة في هذه المرحلة العمرية من لباس وتزيين ومأكل ومشرب وعلاقات واهتمامات وغيرها. وان لم يكن الأهل واعين لهذه المخاطر ولم يشكّلوا الرادع والموجه الثقافي والتربوي بالنسبة لأولادهم فستتشكل شخصية هؤلاء بحسب قيم الثقافة الدخيلة، وتصير القدوة العملية في حياة الأبناء ذلك الممثل الفلاني أو تلك المطربة الفلانية وسريعاً ما سيسمع أبناؤنا عن انتحار ذلك أو فساد تلك فتضيع القدوة اللازمة لهم في هذا العمر، ويعيش بالتالي المراهق التشاؤم والخيبة ان لم نقل الانهيار.

 

3-    الأشكال البديلة للعائلة:

تزداد حياة المراهق تحدياً وتعقيداً حين يحرم من العيش في أسرة مع والديه معاً. وبسبب ارتفاع نسبة الطلاق في وقتنا الحاضر إضافة إلى عوامل أخرى يفرضها السفر أو الموت أو المشاكل الزوجية بات كثير من المراهقين يعيشون مع أحد الوالدين دون الآخر مما يشكل زيادة في الصعوبة والتحديات التي ينبغي للمراهق ان يجتازها لتتشكل شخصيته النهائية المستقرة. فالمراهق الذي يعيش مع امه دون أبيه سيفقد رعاية الأبوة ودورها في تكوين شخصيته السليمة الا ان يعوض له ذلك. وفقدان الأُم أيضاً يفقد الولد الحنان والعاطفة والمحبة المطلوبة لتنمو شخصيته دون عقد وأزمات عاطفية. والأصعب أن يعيش المراهق دون أب وأم، عند أحد أقاربه مثلاً. ففي ذلك ضغوطات واحتمال أزمات أكبر. لكن سلبية هذا الواقع أو ذاك ليست حتمية، فإذا وجد المراهق من يعوض له الدور المفقود وهو ممكن وان كان صعباً – ويفهمه طبيعة الحياة ومشاكلها المحتملة، فمن المرجح أن ينقلب حاله إلى الأحسن، ويتحمل المسؤولية في وقت مبكر. وتتكامل شخصيته بالنحو المطلوب. وقد رأينا الكثير من أبناء الشهداء والأسرى كيف نشأوا في ظروف عائلية صعبة واستثنائية ولكنهم كانوا شباباً فاعلين مميزين رغم حداثة سنهم.

 

4-    الاهتمام بالأبعاد الروحية:

يسعى الأبناء في سنوات المراهقة إلى الإجابة عن جميع الأسئلة المصيرية التي تثيرهم: لماذا وجدت في هذا العالم؟ وما هو هدفي في الحياة؟ وكيف أصل إليه؟ ومن هو دليلي في هذا الطريق؟ ماذا بعد الموت؟ وكيف سيكون مصيري؟ وغيرها من الأسئلة التي تطلقها النفس بقوة في هذه المرحلة العمرية وان كانت نداءاتها الأولى تبدأ في عمر مبكر. ويحاول المراهق أن يلبي نداء توجهاته نحو عالم الغيب والآخرة فيبرز موضوع التدين والعبادة كمحور أساسي في نمط تفكيره وسلوكه العملي. فإذا كانت نشأته في أسرة متدينة ملتزمة تكون الإجابات جاهزة ميسرة. ويعلم انّ العبادة والاخلاص هما سبيل وصوله إلى أعلى مراتب الكمال الذي خلق للوصول إليه، وانه بهما يصير خليفة الله في أرضه، وهما ضمان نجاته في الآخرة، وسعادته في الدارين. وتبرز اهتمامات الروح بشكل كبير عنده وتشتد توجهاتها حتى تغلب توجهات الجسد، فيسعى إلى تلبيتها بكل شوق ورغبة. وتصير العبادة عنده – الصلاة والصوم والذكر والتفكر والجهاد والتعلم أولى الأولويات. ومنها ينبثق اهتمامه بكل الموضوعات الحياتية الأخرى. وإذا كانت نشأته في أسرة بعيدة عن التدين وأجوائه فإنّه يسعى دون شك للحصول على إجابات لأسئلته لكن خارج إطار العائلة وأجوائها. وإذا تعرف على موضوع التكليف والبلوغ الشرعي والواجبات الدينية. ادرك انّه مسؤول عن القيام بها محاسب عليها فيحدد كيف سيلبي نداءات الروح وميولها، ولا يخفى ان أرواح المراهقين تكون سهلة القياد سريعة التأثر بهذه الموضوعات خاصة. فإذا ما وجدت القدوة أو الواعظ توجهت النفس تلقائياً للاهتمام بعالم المعنويات وعباداته. وإذا لم يتمكن المراهق من اشباع هذه الحاجة المعنوية عنده فمن المرجح أن يعاني أزمات ومشاكل على صعيد تكوين شخصيته وتوجهاته واستقرار نفسه.►

ارسال التعليق

Top