المساجد هي بيوت الله التي بنيت للعبادة والتقرب من الله عزّوجلّ، وإنّ أوّل ما فعله الرسول (ص) حينما وصل إلى المدينة المنورة هو بناء مسجد، وذلك لأهمية المسجد وقدرته على بناء مجتمع سليم ومتكامل، ويعود سبب تسمية المسجد بهذا الاسم هو أنّ هذا المكان هو مكان للسجود للخالق.
وتمتاز هذه المساجد بأنّها تجمع الناس من كافة الطبقات والأعراق والأشكال معاً على تأدية الصلاة والوقوف خلف الإمام، فليس هناك فرقٌ بين فقيرٍ أو غنيٍ، ولا سيدٍ أو عبدٍ، ولا أسودٍ وأبيضٍ، فعندما يؤذِّن المؤذِّن ويقيم الصلاة فإنّ الجميع يقفون معاً بين يدي الله تعالى الذي ساوى بينهم بموازين الدنيا ولا فرق عنده عزّوجلّ إلّا بالتقوى. الأصل في جميع بقاع الأرض أن تكون مسجداً للصلاة لقوله (ص): "جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، فأيما رجل من أُمتي أدركته الصلاة فليصلِّ".
قال عزّوجلّ: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ) (النور/ 36-37). فالمساجد محلُّ راحة المسلمين النفسيّة، فيه تطمئن قلوبهم، وترتاح نفوسهم، وتتزكى نياتهم، وتترقى روحانيتهم، وتعلو همهم، وتتقوى عزيمتهم، وتتسامى إرادتهم للعلم والعمل؛ فالنبيّ (ص) كان يقول لبلال عندما يحين وقت الصلاة: "أَرِحْنَا بها يا بلال" والمساجد محلّ تلاوة القرآن وتدبر أحكام السنة والقيادة والقضاء والتشاور والعلم والتعلم والتخطيط لكلّ ما يهم الإسلام والمسلمين. والإنسان فيها ضيف كريم على ربّ العزة والجلال، يكرمه بالتوبة والمغفرة، وينزل عليه سحائب رحمته وجزيل ثوابه وفيض نعمائه، ويشمله بكلّ ما يسعد دنياه ويعمر آخرته.
في بيوت الله تعالى ينشغل فيه العبد فقط بالصلاة والذكر والإكثار من التسبيح والاستغفار. كما أنّ الخطيب عندما يلقي الخطبة أو الدرس الديني، فإنّه بذلك يذكّر المسلمين بأمور دينهم ويزوّدهم بالمعلومات الجديدة، التي تفيدهم وتجيب على أسئلتهم، ويرشدهم إلى الطريق القويم. وتحقيق أواصر المحبة والألفة بين المسلمين، فكثير من المسلمين تبدأ علاقتهم في المسجد وتستمر فيما بعد وتتوثق بشكلٍ أكبر، فالله تعالى يبارك بالعلاقات التي تكون خالصةً لوجهه عزّوجل.. فهي مأوى لعابري السبيل والفقراء الذين لا يجدون مكاناً ينامون فيه، فالكثير من الرحالة والمسافرين المسلمين عندما يتعبون ويمرون بمسجدٍ فإنّهم يلجؤون إليه للراحة. يمكن كذلك تعلُّم الكثير من العلوم، فقديماً كانت المساجد هي دور للتعليم، فيتم فيها تعلّم الأمور الفقهية والعلمية من خلال حلقات العلم التي تعقد في المسجد، كما أنّ المساجد كانت قديماً تعتبر مكاناً لانطلاق المسلمين للجهاد في سبيل الله وتلقي التعليمات والأوامر من القادة.
إنّ البيوت وإن اتسعت دواوينها فهي ليست كبيوت الله التي جعلها لعباده في الأرض يدخلون إليها بدون استئذان، ولا يحتاجون تصريحا بذلك، وهو حقّ لكلّ مسلم على وجه الأرض، مهما اختلفت جنسيتهم وطبقتهم ومنزلتهم، فالمسجد يجمع شرائح المجتمعِ بكافة أطيافهِ، لا أولولية لأحدٍ على أحدٍ، ولا طبقية بينهم؛ تساووا في المسجد فيما بينهم، وكيف لا؟ وهم في بيت من خلقهم.
فهي تَصرفُ عن المُريد شجون الدنيا وشهواتها وتعطيلها على العقول والقلوب، فتصفوا للذهون عباراتُها، ويقوى لملكة التحليل والحفظ نبراسها، وتستنير قوةُ الاستدراك، فكلّها أحوال لا يعلمها إلّا من جرّبها وعايشها في بيئة المسجد. إنّ الباحث عن متعة المأكل والمشرب ليجدُ من خلال اجتماعه على مائدة المُحبّين لذة للاجتماع تفوق لذة المأكل نفسه؛ نظراً لما ترتاح له النفس من مجاورة ومشاركة المحبين عليها.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق