• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المفازة بحبّ الله تعالى

عمار كاظم

المفازة بحبّ الله تعالى

جاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في مناجاة المحبِّين: «إلهيّ مَن ذا الذي ذاق حلاوة محبَّتِك، فرامَ منك بدلاً، ومن ذا الذي أنس بقُربك، فابتغى عنك حولاً، أسألك حبَّك، وحبَّ كلِّ عمل يوصلني إلى قُربك، وأن تجعلك أحبَّ إليَّ ممّا سواك، وأن تجعل حبِّي إيّاك قائداً إلى رضوانك، وشوقي إليك ذائداً عن عصيانك. يا أرحم الراحمين».

من بديهيات الفطرة والعقل والمنطق أنّ الإنسان السويّ يحبُّ مَن أحسن إليه، فيسعى لإرضائه، اعترافاً بفضله، واستزادة من معروفه، وعلى قدر الإحسان يكون الحبُّ والإخلاص، ومن هنا كان حبُّ الفرد لأبويه، واندفاعه لطاعتهما، لأنّه يعرف فضلهما عليه، ويقدِّر جهودهما وسهرهما على راحته وحمايته من كلِّ سوء. وهكذا حبُّ التلميذ لمعلِّميه الذين يبذلون جهوداً مضنية من أجل تسهيل عملية تعلّمه ونجاحه وبناء مستقبله. فإذا كان هذا شأن الإنسان مع والديه ومعلِّميه وكلِّ مَن يقدِّم له خدمات وتضحيات، فما عسى أن يكون شأنه مع خالقه الذي وهبه الحياة والعقل والحواس؟

قال سبحانه في كتابه الكريم: (وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/ 78).

على هذا الأساس يربط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الإيمان الصادق بهذا الحبّ الخالص، فيقول: «لا يُمْحَضُ (لا يُخلصُ) رجل الإيمان باللهِ حتى يكون الله أحبَّ إليه من نفسه وأبيه وأُمِّه وولده وأهله وماله ومن الناس كلِّهم».

إنّ مفهوم الحبّ يعبّر عن حالة تعلُّق خاصّ وانجذاب مخصوص بين المرء وكماله، والإنسان يعشق الأشياء، لأنّه يرى فيها سعادته. والمعلوم أنّ كمال الحبّ وجماله لا يكون لغير الله. وإذا سطع نور الحبّ على قلب الإنسان أخرج من قلبه غيره، ولهذا نقرأ في الدُّعاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللّهُمّ إنّي أسألك أن تملأ قلبي حبّاً لك، وخشية منك، وتصديقاً بكتابك، وإيماناً بك، وفرقاً منك، وشوقاً إليك». وعن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) في حديث مع أحد أصحابه: «يا زياد ويحك، وهل الدِّين إلّا الحبُّ؟ ألا ترى إلى قول الله تعالى: ﴿إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ﴾؟ الدِّين هو الحبُّ، والحبُّ هو الدِّين».

ختاماً...

كيف ننال درجةَ الحبِّ الإلهيّ؟

الطريق الوحيد لنيل المحبّة الإلهيّة هو بالطاعة لله تعالى ولرُسُله (عليهم السلام) الذين أرسلهم بالهدى ودين الحقِّ لكي يعلِّموا الناس معالم الدِّين، ويرشدوهم إلى سبيل النجاة ويأخذوا بأيديهم لما فيه خيرهم وصلاحهم في الدُّنيا والآخرة (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران/ 31). وفي الحديث القدسي: «ما تقرّب إليَّ أحدٌ بمثل ما تقرّب بالفرائض وإنّه ليتقرّب إليَّ بالنوافل حتى أحبَّه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ولسانه الذي ينطق به ويده التي يبطش بها».

ارسال التعليق

Top