◄كثيراً ما يشعر الطالب الجديد في المدرسة الثانوية بالرهبة لمواجهة زملاء جدد في بيئة جديدة لذلك فإنّ المدارس تحاول في الوقت الحاضر إزالة هذا الشعور بمنح الطلاب أكبر فرصة للتأقلم مع البيئة المدرسية الجديدة بتنظيم الرحلات واشتراك التلاميذ في الندوات التي تقيمها المدرسة وتعويدهم على النظم المدرسية. وإلى جانب دور المدرسة يجب أن يبذل الطالب من جانبه جهداً ليشترك في الجماعات المدرسية الجديدة ويتكيّف معها، إنّ الصداقة في المدرسة تقوم على أساس تشابه الميول والخبرات وتلعب النوادي المدرسية دوراً هاماً في تكوين مثل هذه الصداقات، وعن طريق هذه النوادي يتعلم الطالب كيف يعيش؟ وكيف يتعامل مع الآخرين؟ وإذا رفض الاشتراك في النوادي كان معنى ذلك خوفه من الناس أو عدم تكيّفه مع البيئة المدرسية. ومن الممكن أن يسهم الآباء بصورة غير مباشرة في تكوين صداقات مدرسية عن طريق السماح لأبنائهم بتبادل الزيارات. ويلعب المدرس دوراً هاماً في تهيئة الجوّ الاجتماعي في المدرسة ويكون ذلك عن طريق خلق جو من الودّ والترابط والتعاون والمشاركة الوجدانية بين الطلاب بعضهم ببعض بحيث يكونون مجتمعاً حياً يمثل المدرسة أحسن تمثيل والأساس الذي يؤدي إلى تحقيق هذا الهدف هو إشباع حاجات التلاميذ الاجتماعية، فالتلاميذ يحتاجون إلى تقبل الأقران والكبار لهم ورضاهم عنهم كما يحتاجون إلى الشعور بأهميتهم وإلى تقدير أعمالهم ويحتاجون إلى الشعور بأنّهم جزء من جماعة ينتمون إليها وأنّ كلّ تنظيم اجتماعي ينكر ذلك من شأنه أن يولد البؤس وسوء التكيّف النفسي والاجتماعي. ويتحقق النمو الاجتماعي للتلاميذ بوسائل متعددة.
1- الاشتراك في النوادي المدرسية:
يجب تشجيع المراهقين على الاشتراك في النوادي بحيث يصبح كلّ طالب عضواً في نادٍ ويقوم بدوره في هذا النادي والواقع إنّ الحياة الاجتماعية في المدرسة تمارس بشكل أوضح خارج قاعات الدراسة وكذلك يجب أن يشرف على هذه النوادي موجهون يفهمون المراهقين وحاجاتهم. ويعتبر النادي المدرسي أحد أنواع النشاط الاجتماعي المدرسي فهو أحد الوسائل التي تعتمد عليها المدرسة في تحقيق التنشئة الاجتماعية للطالب فهو يضفي جواً ملائماً لممارسة النشاط الحرّ في أوقات الفراغ التي تتخلّل اليوم المدرسي طوال العام الدراسي، كما أنّه يهيىء لطلابه فرصة الاشتراك الجماعي في أوجه مختلفة من النشاط كألعاب التسلية والموسيقى والقراءة فضلاً عن أنّه مركز تجمع المجالس واللجان المدرسية.
2- الجمعيات التعاونية المدرسية:
تعنى المدرسة بإنشاء جمعية تعاونية يسهم فيها طلاب المدرسة بصورة تؤدي إلى تنشئتهم وتعويدهم على التعاون وتدعم الحركة التعاونية التي تعتبر أحد المقومات الأساسية لأهداف مجتمعنا العربي الجديد وبذلك يكون الهدف الأساس للجمعية التعاونية المدرسية هو تنشئة جيل مؤمن بنظام التعاون الاجتماعي والاقتصادي. إنّ التعاون المدرسي يحقق للطالب نتائج تربوية عديدة في تكوين العادات الصالحة وتوجيه السلوك الاجتماعي السليم وإكساب الطلاب مهارات في تكوين العلاقات الاجتماعية والخبرات والمعارف الجديدة المرتبطة بالنشاط التعاوني فضلاً عن اكتساب المميزات والاتجاهات الصالحة التي تساعد كثيراً على خلق المواطن العربي الصالح.
3- جمعية الخدمة العامة المدرسية:
من أهم النشاط الاجتماعي المدرسي هو إنشاء جمعية الخدمة العامة المدرسية التي تهدف إلى تهيئة الظروف الملائمة لتنشئة الطلاب تنشئة صالحة، كما تدربهم على القيام بواجباتهم نحو خدمة مدرستهم عن طريق اشتراكهم في شعب النشاط المهني فيساهمون في إنتاج ما تحتاج إليه المدرسة من أثاث وأدوات بسيطة، إنّ هذه الجمعيات تساعد الطلاب على اكتساب المهارات والاتجاهات الصالحة للإسهام بواجبهم نحو الخدمة العامة المحلية في بيئتهم والخدمة القومية في مجتمعهم".
العلاقة بين المدرِّس والمراهق:
"تلعب العلاقة بين المدرس والطلاب دوراً هاماً في بناء شخصياتهم بدرجة أنّه يمكن اعتبارهم المفتاح الموصل إلى نجاح الموقف التعليمي أو فشله ومن ثم يحرص على الصحّة النفسية على أن يدخل من الوسائل التي قد تبدو في مظاهرها تافهة ولكنها في حقيقة الأمر تؤدي إلى أن تكون العلاقة بينه وطلابه علاقة صحّية سليمة.
إنّ الطلاب الصغار كالمرآة تعكس حالة المدرس المزاجية واستعداداته الانفعالية فإن هو أظهر المرح والاستبشار والتفتح للحياة كان خليقاً بطلابه أن يظهروا الابتهاج وروح الودّ والتجاوب معه أمّا إن أظهر الاكتئاب والضيق والتبرم وسرعة التوتر لم يجد من طلابه إلّا ما واجههم به، كذلك لا يلبث المدرس الذي اضطربت نفسه واختل الجانب الانفعالي من شخصيته أن ينشأ تلاميذه مضطربين انفعالياً ومنحرفين مزاجياً، فالمدرس الذي يتصف بأنّه شديد الميل إلى العدوان والسيطرة يضطر تلاميذه إلى أن يكونوا جبناء أميل إلى الانسحاب أو إلى أن يكون الواحد منهم كثير الميل إلى العدوان وهم يحاولون التنفيس عن هذا الميل عن طريق معاكسة زملائهم واتخاذ العنف وسيلة للتعامل مع الناس عموماً، كذلك يلاحظ أنّ المدرس الذي يحقّر طلابه ويهون من شأنهم ويسخر من قدراتهم يضطرون إلى أن يسلكوا سبيل الغش والكذب والخداع حتى يمكنهم أن يواجهوا أوامر مدرسيهم المتعسفة. فالعلاقة بين المدرِّس وتلميذه ليس أمراً بسيطاً إذ يحدّدها ويتدخل فيها مجموعة من العوامل المعقدة، فالتلميذ قد يتأثّر بمدرسه وبعلاقته مع والديه، بمعنى أنّ العلاقة التي تربطه بأبيه إذا كانت علاقة احترام فإنّه يحترم المدرس وإذا كانت علاقته سيئة فإنّه يسيىء إلى المدرِّس فنظرة الطالب لمدرِّسه قد تتأثر بنظرة والديه أو نظرة المجتمع الذي يعيش فيه المدرِّسون قد يتأثّر بظروفه خارج المدرسة وبكونه متزوجاً أو غير متزوج منجباً للأطفال أو غير منجب. إنّ كراهية الطالب لمدرِّسيه قد تنشأ من شعوره بعدم الأمن بسبب ما يحدث في الأسرة من شجار بين الوالدين، أو مرض أحدهما أو تدهور اقتصادي يصيب الأسرة لذلك فهو يفقد الثقة بنفسه وبالناس والمدرسة والمدرِّسين وهنا يتخذ الطالب من السلطة ممثلة في مدرِّسيه هدفاً للعدوان.
تلك هي بعض الدوافع التي تدفع فئة من التلاميذ إلى مضايقة مدرِّسيهم في الوقت الذي يشعر فيه هؤلاء المدرِّسين نحوهم بشعور طيب حيث يبذلون كلّ الجهد لمساعدتهم على أن يتعلموا وينجحوا. من الممكن أن نصل إلى فهم أسباب هذا السلوك الشاذ إذا علمنا أنّ هؤلاء الطلاب يختزنون ضغائن مكبوتة ومشاعر عدوانية كامنة فيهم وهم في هذا يشبهون أولئك الذين يحملون قطعاً من الديناميت في انتظار مَن يلمسها وأنّ هؤلاء الطلاب يحسّون أنّ كلّ شخص يمثل السلطة إنّما يهدّد سلامتهم أكثر من الديناميت الذي يحملونه.
وبناء على ذلك يلزم ألا يقابل المدرِّس سلوك الطلاب بما يزيد هذه الكراهية نحوهم وإنّما ينبغي أن يقابلهم بما يخففها بالتدريج وذلك بالصبر والأناة والتفهم وحسن التوجيه.
هناك ناحية أخرى تبيّن أهمية الدور الذي يقوم به المدرِّس كأب بديل فبعض الطلاب لا يشعرون بالأبوة الحقيقية وهم لذلك يبحثون عن علاقات عاطفية مع شخص ما يستطيع أن يحلّ محل الوالدين وهنا يحين للمدرِّس فرصة مؤاتية لأنّ يقدم لهؤلاء الطلاب القلقين المضطربين ما يحتاجون إليه من عطف وأمان وحاجة الانتماء. والغريب أنّ هؤلاء الطلاب الذين يكونون في أشدّ الحاجة إلى محبة المدرِّس وعطفه واهتمامه هم الذين لا يمكن احتمالهم بسبب ما يصدر عنهم من سلوك شاذ ذلك أنّهم يتباهون بأعمال الشغب والعدوان داخل حجرة الدراسة وما هذا السلوك إلّا مظهر من مظاهر العناد والعدوان للدفاع عن أنفسهم.
المدرِّس قليل الخبرة بأصول الصحّة النفسية ينظر إلى هذا الشغب على أنّه نوع من التحدي ومن ثم تزيد كراهية المدرِّس للطالب. إنّ المدرِّس الناجح هو الذي يسعى لمعرفة نفسية كلّ تلميذ قصد مساعدته والأخذ بيده نحو الأفضل وكبح جماح العدوان لديه.
هناك ناحية ثالثة تبيّن أهمية الدور الذي يقوم به المدرِّس كأب بديل فهناك فئة من الطلاب تشعر بالنبذ، والأطفال المنبوذون من والديهم يحتاجون إلى الاطمئنان العاطفي في المدرسة إذ أنّهم محرومون من الأبوين الحقيقيين فلذلك يلتمسون العلاقات العاطفية من أي شخص يمكن أن يأخذ دور الوالدين والطفل المطمئن إلى حب والديه يمكنه أن يحقق نجاحاً مبكراً في بلوغ الاستقلال العاطفي أمّا الطفل غير المطمئن في حاجة شديدة إلى أن يحظى بحب مدرِّسيه.
بناء على ذلك نستطيع القول أنّ من أوّل واجبات المدرِّس هو أن يكسب حب طلابه له ويجب أن يكون ذلك أمراً فردياً فالمدرِّس العاقل هو الذي يسبق طلابه في التعرف بهم، وعليه محاولة أن يجد أشياء طيبة في كلِّ طالب على حدة، وأن يعبِّر عن تقديره لهذه النواحي الطيبة علناً وفي كلّ وضوح، وعليه كذلك أن يحاول فهم الظروف العائلية لكلّ طالب والشدائد التي يواجهها واحتياجاته في المدرسة.►
المصدر: كتاب مشكلات المراهقة والانحرافات غير الواعية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق