• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

النصيحة.. ثمرة المحبّة والمودة

عمار كاظم

النصيحة.. ثمرة المحبّة والمودة

من الآداب التي حرص عليها الإسلام، تقديم النصح والإرشاد والتوجيه للآخرين، وأن يهتمّ المسلم بغيره. ولقد كان تقديم النصيحة رسالة كلّ رسل الله (عليهم السلام)، فقد سجّل القرآن الكريم على لسان الأنبياء (عليهم السلام) قولهم لقومهم: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (الأعراف/ 62) و (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) (الأعراف/ 68). ولقد أشار النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى تلك المكانة العليا للنصيحة، حيث عرّف الدِّين بأنّه النصح للمسلمين، فقال: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ»، قيل: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ، وَلِكِتَابِهِ، وَلِرَسُولِهِ، وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ». وهكذا كانت النصيحة من العناصر الأساسيّة في الإسلام التي تختصر الدِّين كلّه في كلمة، عنصر «النَّصِيحَة». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «من استشاره أخوه المؤمن فلم يمحضه النصيحة، سلبه الله رأيه».

إنّ النصيحة في الإسلام ليست ترفاً فكريّاً أو اجتماعيّاً، بل هي واجبٌ وفريضة، يجب على المتمكّن أن يقدم عليها، وهو غير معذور أبداً، حتى ولو كانت هناك صعاب. عليه أوّلاً اختيار الأسلوب الأمثل للنصيحة، ثم اختيار المكان والزّمان، وقبل كلّ شيء، عليه أن يكون قد قام بدور الناصح لنفسه، وإلّا لا نفع من نصحه للناس، وينطبق عليه قول الله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ) (البقرة/ 44). من يبدأ بنصح الناس قبل نفسه وأهله، يفقد مصداقيّته ولا يُقبل منه. وقد ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام): «إنّ أنصح الناس أنصحهم لنفسه، وأطوعهم لربّه».

الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وصف المؤمنين، بقوله: «المؤمنون نصحةٌ متوادّون، ولو ابتعدت منازلهم، والمنافقون غششة متحاسدون، ولو اقتربت منازلهم». لذا، فإنّ من أكبر الحقوق وأوّلها وأوجبها على المؤمن، نصيحة أخيه المؤمن، وعدم ترك الواقع بلا نصيحة، فتنتشر الفوضى، ويعمّ الخراب في العلاقات، وتنقطع الصّلات بين الأفراد والجماعات. والإمام عليّ (عليه السلام) ينصح: «يا أيّها الناس، اقبلوا النصيحة ممن نصحكم، وتلقّوها بالطاعة ممن حملها إليكم، واعلموا أنّ الله سبحانه لم يمدح من القلوب إلّا أوعاها للحكمة، ومن الناس إلّا أسرعهم إلى الحقّ». وفي الحديث عن الإمام الباقر (عليه السلام): «اتبع من يبكيك وهو لك ناصح، ولا تتبع من يضحكك وهو لك غاشّ». وورد في الحديث أيضاً: «ليكن أحبّ الناس إليك المشفق النّاصح»، وفي حديث آخر: «من أمرك بإصلاح نفسك، فهو أحقُّ من تطيعه».

إنّ للنصيحة قيمةً ودوراً في حياة الأفراد والشعوب، كما أنّ من حقوق الأخوة والصداقة، أن يقدّم الشخص النصيحة إلى صديقه فيما يعتقد أنّه صواب، وأنّ فيه مصلحة الآخر، لأنّ الناس متفاوتون في القدرة والذّكاء والخبرة والتّجربة، ولذلك، فإنّ الإنسان عليه أن يقدّم نصائحه إلى الآخرين، وهي حصيلة التجارب والفهم والعلم. وللتّشجيع على هذا السّلوك الحميد، فقد اعتبرها الإسلام من السُبل التي تعبّد الطّريق إلى الجنّة: «إنّ أعظم النّاس منزلةً يوم القيامة، أمشاهم في أرضه بالنصيحة لخلقه». وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «عليكم بالنصح لله في خلقه، فلن تلقاه بعمل أفضل منه».

أن تنصح المؤمنين، يعني أن يكون قلبك مفتوحاً لهم، ليس فيه غشٌّ لمسلم، وأن تكون أقوالك وأفعالك منفتحةً على النصيحة لهم، بأن لا تقول كلمةً فيها ضرر وإضعاف وإفساد لهم، وفيها فتنة بينهم. أن تكون كلماتك في مصلحة المؤمنين في كلِّ جوانبهم الفرديّة والاجتماعيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة والأمنيّة، لأنّ النصح للمؤمنين هو ذلك. أن تنصحهم، يعني أن تهديهم، فلا تقبل منهم ضلالةً، ولا تشجِّعهم على ضلالة، وأن تعلّم جاهلهم، وتعود مريضهم، وتساعد فقيرهم، وتؤكِّد الوحدة على القضايا الحيويّة فيما بينهم، فمن ضرّ أو أهمل أمر مؤمنٍ، أو وقف حياديّاً بينه وبين الظّالم له، كان موقفه في دائرة الغشّ للمؤمنين، لا في دائرة النصح لهم.

وأخيراً، لابدّ للإنسان من أن يكون ناصحاً للناس في فكره، فينصحهم إذا استنصحوه، وناصحاً لهم في معاملاته، فيتعامل معهم بما يحقِّق لهم السعادة في أوضاعهم. وهكذا يتحوّل الإنسان إلى شخصيّةٍ كلُّها خيرٌ للناس، في كلّ ما يرتبط بحياته معهم.

ارسال التعليق

Top