في آخر جمعة من شهر رمضان.. والجمعة هي اليوم الذي أراد الله للمسلمين أن يجتمعوا فيه من خلال صلاة الجمعة ليبتهلوا إليه، وليذكروه، وليتوبوا إليه من كلّ ذنوبهم، إنّه يوم الحضور أمام الله تعالى في كلّ العالم الإسلامي، حتى يجدّد المسلم بين يدي الله تعالى إيمانه وإسلامه، ويذكر الله في كلّ أموره: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ)... أن يذكر الله في ما يلتزم به من فكر، ليكون فكره فكر الحقّ الذي يرضى به الله، وفي ما يتحسّسه في نبضات قلبه من عاطفة، لتكون عاطفته في مرضاة الله، ولينفتح عندما ينطلق من صلاة الجمعة على أعماله: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللهِ)، لينطلق من صلاة الجمعة إلى ساحة العمل، ليكون عمله ـ سواء كان في التجارة أو الاجتماع، صلاةً يذكر الله فيها كما ذكره في الصلاة.
ولعل قيمة هذه الجمعة، أنّها آخر جمعة من شهر رمضان، التي اختيرت لتكون يوم القدس العالمي ليضيف حافزاً جديداً لشدّ وحدة المسلمين من جانب، ومن جانب أخر ليستفيد من قوة المسلمين في وحدتهم الرمضانية لصالح القضية الأهم، القضية الفلسطينية. ومن المعروف أنّ المسجد الحرام هو أول مسجد بُني في الأرض وهذا ما أجاب به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) - كما ورد - حينما سأله أبو ذر عن المسجد الأوّل في الأرض، لكن أبا ذر تابع سؤاله عن المسجد الثاني الذي بُني بعده فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): ثمّ المسجد الأقصى، قال أبو ذر: كم كان بينهما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): أربعون سنة. وهذه الرواية تدل على المكانة العظمى للمسجد الأقصى لكونه المسجد الثاني الذي وضع في الأرض لذا كان أنبياء الله تعالى عبر تأريخهم من عامريه لاسيّما في الصلاة فيه فقد ورد أن بيت المقدس بنته الأنبياء (عليهم السلام)، وما فيه موضع شبر إلّا وقد صلّى فيه نبي. وبانت مكانة بيت المقدس في الإسلام حينما اختاره الله تعالى قبلة أولى للمسلمين يصلون نحوها وحينما جعلها تبارك وتعالى محلاً لمسرى سيد بني البشر محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي عبّر عنه القرآن الكريم: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى) (الإسراء/ 1)، وفي هذا المسجد أظهر الله تعالى مكانة نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث صلى جماعة في كلّ أنبياء الله تعالى وملائكته العظام. وبارك الله تعالى المسجد الأقصى بل بارك ما حوله ببركته (.. الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ...) (الإسراء/ 1). فالصلاة فيه محلٌ لنزول بركات الله تعالى فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «ائتوه فصلوا فيه فإنّ الصلاة فيه كألف صلاة فيما سواه». وأكّد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) على بركة هذا المسجد المقدّس حينما سُئل عمن لا يستطيع إتيانه للصلاة فيه فأجاب: «فليهده زيتاً يُسرَج فيه، فمن أهدى إليه شيئاً كان كمن صلى فيه». والموت في البيت المقدس سبب لنيل بركات هذا المكان فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): «من مات في بيت المقدس كأنّما مات في السماء». فالقدس بما يحظى من المكانة الرفيعة لدى المسلمين كافة، يعتبر رمزاً لوحدة المسلمين ويمكن رفع القدس شعاراً للوحدة الإسلامية. وانّ القضية الفلسطينية قضية المسلمين وليس فقط قضية شعب فلسطين الذي احتلَّت أرضه وشُرِّد من بيته وأيضاً قضية العرب باعتبار الشعب الفلسطيني جزءً من القومية العربية. نعم القضية الفلسطينية قضيتهم باعتبارهم أحد المكونات الأساسية للأمّة الإسلامية.
إنّ المطلوب هو أن تبقى القدس في البال، فلابدّ لنا من أن نتذكر القدس في هذا اليوم، بحيث تتحرّك مواقع الدراسات الدينية الإسلامية والسياسية، لتدرس العمق الذي تمثّله القدس كواجهة لكلّ الواقع الإسلامي الرسالي والسياسي والحركي والأمني.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق