إنّ المجتمع الإسلامي مجتمع أخلاقي يتميَّز باحترام الأخلاق الفاضلة، والتمسُّك بها، كالعطف والرحمة، واحترام الصغير للكبير، وإلقاء التحية، وحسن الجوار، وصلة الرحم، والتعاون على البرِّ والتقوى واستنكار الظلم والقسوة والعدوان... إلخ. فهو مجتمع متكافل متعاون متضامن، والقرآن الكريم يعبّر عن جماعة المؤمنين كأنّهم نفس واحدة لأنّهم جميعاً متعاونون متكافلون، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات/ 10-11). إنّ الله سبحانه وتعالى يعلّمنا في هذه الآيات أنّ المؤمنين إخوة تجمعهم أخوّة الدِّين وأخوّة البشرية، ومقتضى الأخوّة أن يتعارفوا ولا يتناكروا ويتواصلوا ولا يتقاطعوا ويتصافوا ولا يتشاحنوا ويتحابوا ولا يتباغضوا ويتحدوا ولا يختلفوا. وفي الحديث الشريف قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تحاسدوا، ولا تدابروا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخواناً». ویقول تعالى: (وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (المؤمنون/ 52)، باعتبار المسلمين أنّهم أُمّة واحدة وأنّ كيانهم هو الكيان الواحد رغم تنوعاتهم القبلية والعشائرية واختلاف اللون والجنس في الوطن الواحد. وأيضاً هو نداء إلى الرُّسل كلّهم بحيث يؤكّد تبارك وتعالى أنّ كلّ الرُّسل في كلّ دعواتهم هم أُمّة واحدة حتى لو اختلفت مواقعهم الرسالية ودرجاتهم النبويّة، لأنّ دعوتهم واحدة ومضمون دعواتهم الرسالية للإنسان هو مضمون واحد الخير والعدل والحقّ (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 104). فالأُمّة التي تنطلق من خلال خطّ الرسالة هي أُمّة تدعو إلى الخير كلّه، الخير في النفس، في الجانب الفردي بحيث يكون الإنسان إنسان الخير، والخير من المجتمع الصغير بحيث يكون الإنسان في العائلة، إنسان الخير لعائلته وفي المجتمع الكبير بحيث يكون إنسان الخير في المجتمع كلّه فلا يصدر منه أيّ شيء سواء كان الشرّ شرّاً في النيّة فيما يُضمره الآخرون، أو شرّاً في الفكرة فيما يفكّر فيه الآخرون، أو في الحركة فيما يتحرّك به مع الآخرين، أو في القول والفعل فيما يصدر عنه قول للناس أو فعل ينعكس على حياتهم.
تعتبر الوحدة من العوامل الأساسية الضرورية في عزّة الأُمّة ومنعتها وثباتها أمام أعدائها، فهي شعار من شعارات القرآن الكريم التي يسعى في كثير من آياته للتشديد عليها والدعوة إليها لتكون للمسلمين الغلبة حينما يلتحمون مع عدوهم في صراع. والوحدة التي دعا لها القرآن هي وحدة قائمة على المحبّة والمودة والتآلف والأخلاق والعدالة، ولا يمكن لرابط كالدِّين أن يبعث على وحدة من هذا القبيل، فالوحدة القائمة على الدِّين هي وحدة نابعة من القلب، وهي ليست وحدة مصالح ووحدة إرغام، بل هي وحدة نابعة من قلوب واعية مدركة داعية لله تعالى تبتغي رضاه. إنّ المجتمع المتحاب أفراده سيكون من القوّة بمكان ليقف في مواجهة شتّى التحديات، لأنّ هذه المجموعات ستشيع هذه الروح في أُسرها، وعائلاتها، وجيرانها وأصدقائها من خلال فهمها الصحيح للإسلام في قلب الوطن الواحد المتحاب المتعايش. أيضاً تحدّث القرآن الكريم عن الفرقة وآثارها إذ قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/ 46). وهي دعوة صريحة من الله إلى عباده بالوحدة على أساس التوحيد والنبوّة لا الاختلاف في الآراء بمعنى الخلاف الذي يخل بالوحدة لأنّ الخلاف يؤدِّي إلى التنازع الذي يوهن الإرادة ويذهب المنعة ويدمر القوّة ويضعف الأُمّة فيسيطر عليها أعداءها. لقد نهج القرآن الكريم منهجاً يحقّق ذلك الهدف الأسمى ليربط بين المسلمين برباط الألفة ويقوي بينهم علاقة الود والصفاء فدعا المسلمين إلى الوحدة والتماسك والتآلف ونبذ روح الفرقة والاختلاف فقال عزّوجلّ: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق