• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الوضع النفسي والأخلاقي للمراهق

عصام فضل­ الله

الوضع النفسي والأخلاقي للمراهق
◄إنّ النمو الجسدي يكون مصحوباً بتطور نفسي عميق، وفي هذه المرحلة من حياة الولد يتوجب عن المتابعين له أن يتذكروا أنّ الولد ليس صورة مصغرة للكبار ويجب أن نعامله معاملةً خاصةً. نسمعه عندما يتكلم، نراقب حركته، يعرف كيف يعبّر عن نفسه، يقول كلمات تحسبها أحياناً أكبر من سنه، لذلك يجب أن نحذر دائماً من أن نطبع هذا الولد بتصرّفات أكبر من سنه، لذلك يجب أن نحذر دائماً من أن نطبع هذا الولد بتصرفات الكبار الذين يحيطون به وما كلّ ما ينطق به ويتصرفه سوى واجهة تغطّي شخصيته الحقيقية.

والولد في هذه السن بحاجة لأمرين مهمّين. التفاعل الاجتماعي والبناء الذاتي. في الطفولة المبكّرة يكون الولد إلى حد ما وحيداً، حضن الأُم وذراعيها عالمه الخاص وفيها يبدأ باكتساب تجاربه المتواضعة، في بداية السنة السابعة تصبح العزلة عبئاً ثقيلاً وكأنّها نوع من التبعية، حتى الأهل الأكثر عطفاً والذين يكونون في سنّ يسمح لهم بمشاركة الولد ببعض نشاطاته ومن ناحية أخرى لين عريكتهم وتقبّلهم لكلّ ما يصدر عنه حتى لو كان متعباً فإنّ ذلك لا يكفيه، فهو يظهر رغبة جامحة بالاختلاط مع أولاد آخرين من سنّه، دون أن يأخذ في الاعتبار الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها، فهو يعاشر آخرين قد يكونون وقحين ولكن كلما تقدم به العمر يرى هذه الأخطاء واضحة جلية أمامه فيبتعد طوعاً عن مرتكبيها إلّا إذا كان من نفس الفئة.

غالباً ما تسبب له مشاعرة الكبار الإزعاج والضجر لذلك يجب عدم اللجوء إلى الاحتفاظ بالولد داخل البيت ولفترات طويلة مع البالغين لأنّ ذلك يمنعه من أن يتقاسم مع أترابه اهتماماته والأمور التي تسلّيه وتلهيه، وهذا كما يقول أحد التربويين كأنّك تحرمه الهواء النقي والغذاء الجيد.

هنا يلعب الأهل دوراً مهمّاً في اختيار الرفاق عبر علاقاتهم العائلية والإشراف بشكل غير ملفت للنظر، كي لا يتعلم الولد أموراً قد لا يرغبون في أن تكون مصدر إزعاج له ولهم في المدى المنظور لأنّ فريق السوء قد يسبب ضرراً بالغاً يصعب ترميمه. إنّ تحديد علاقات الولد مع الآخرين قد لا يكون مؤثّراً بشكل مطلق فهو يفتّش بشكل إرادي عن الذين يناسبون ذوقه ويحبّ أن يستمع إلى قصص تبدو فيها بطولات وأعمال خارقة على سبيل المثال. جندي يعمل المعجزات، مغامرات صيّاد ماهر في غابة أو في البحر، القوّة والجرأة عند ملاكم الرّشاقة وسرعة الحركة عند لاعب كرة مضرب أو كرة قدم، يُفتتن في هذه السنة أحياناً بملاكم، الرّشاقة وسرعة الحركة عند لاعب كرة مضرب أو كرم قدم، يُفتتن في هذه السن أحياناً بلباس ضابط، وفي كلّ الحالات نلاحظ أنّه يعجب بالقوة الجسدية، والنباهة والحيلة عند هؤلاء الأشخاص ويفكّر كيف يمكن أن يستفيد من كلّ ذلك في تنمية قدراته وتجاربه الشخصية وليكتشف بطريقة مبتكرة كيف يرضي رغباته.

وأحياناً بعيداً عن الأشخاص الذين ذكرناهم والذين يراهم أمامه بوضوح فإنّه يلجأ إلى الكتب بما فيها من قصص خيالية.. إنّها الرغبة في قراءة المغامرات ومن هنا يتوجب على الأهل أن يساعدوا الولد في اختيار الكتب المناسبة والتي تتكلم عن أبطال يقومون بأعمال لا تخلو من النبل والأخلاق والإنسانية سواء كانت حقيقية أم خيالية.

إنّ الولد كما ذكرنا أعلاه بين سن السابعة والثانية عشرة يفتن بالقوة الجسدية، ولا يلتفت كثيراً للناحية الأخلاقية أو العقلية التي تبقى في هذه المرحلة عالماً مغلقاً، فهو لا يستطيع أن يعبّر عن نفسه بالشكل المطلوب ولا يعبأ كثيراً ولا يتخيّل ما يمكن أن تسببه بعض الأعمال للمشرفين عليه.

لا يعني هذا أنّه بتصرفه هذا يكون شريراً ولكن باللاشعور يكون الأولاد في هذه السن عندهم نوع من الفظاظة، سطحيّون جدّاً، ولا يشعرون في داخلهم بما يسمّى اللذة الجمالية الناتجة عن أعمال حسنة ومقبولة. يقدرون أصحابهم الذي يشاركونهم اللعب والتسلية في الصف والملعب. الغضب والحسد وبعض المشاعر الأخرى التي تبقى طارئة ولا تستمر لفترات طويلة، وهي تشكل الجزء الأهم من حياتهم العاطفية.

إنّهم لا يطلبون بشكل مطلق العدالة ولا يستنفرون للمطالبة بحقوقهم إلّا إذا أحسوا بأنّ رغباتهم موضع سؤال.

في كلّ هذه الحالات على الأهل أن يعلموا أنّ هذا القصور ملازم لهذه السنوات وما عليهم إلّا المراقبة والتوجيه فإذا أحسّوا مثلاً أنّ ولدهم سطحي، كثير الحركة، يهتمّ باللعب لدرجة تؤثر على دراسته وأحياناً لا يتجاوب ويعاند، فلا يجب أن يقول الأهل إنّ هذا الولد غير طبيعي ومهما حاولنا معه لا نصل إلى نتيجة.. بالصبر والتفهّم يتأتي اليوم الذي تنفتح فيه نفسه للحوار ويتقبّل النصائح وتصبح حياته بالتجربة أكثر غنىً وعمقاً ويقول التربويون، ليكن الولد هو نفسه، لا تطلب منه جهوداً تتجاوز مقدرة سنّه، ودائماً حاول أن لا تقولبه كما تريد خاصة بالكتب التي تختارها له وغير ذلك ولكن أن تلتفت إلى حاجاته في الحركة والنشاطات المفيدة.►

 

المصدر: كتاب أبناؤنا من الطفولة المبكّرة إلى سن الرشد

ارسال التعليق

Top