الوطن هو مركب الجميع، تسيره الحكمة وحبّ التعايش مع الآخر، وتحكمه محبةٌ متدفقة صادقة وفيض من أمل وعمل، وبالأخلاق الإنسانية الرفيعة يكون التوافق والتعاون والبناء والتناصح والبر والتناصر، حتى تبقى راية الوطن مرفوعة خفاقة تحكي تاريخاً شيّده الآباء والأجداد عبر السنين والأعوام، ولوحةً رائعة يرسمها الأبناء بألوانٍ مختلفةٍ زاهية جميلة. فالمواطنة هي الجانب السلوكي الظاهر لمشاعر الفرد بحبه لوطنه والمتمثل في الممارسات الحية التي تعكس حقوق الفرد وواجباته تجاه مجتمعه ووطنه، والتزامه بمبادئ المجتمع وقيمه وقوانينه، والمشاركة الفعّالة في الأنشطة والأعمال التي تهدف إلى رقي الوطن والمحافظة على مكتسباته.
إنّ استمرارية المجتمع ونهضته مرهونة بمدى نجاح البناء الاجتماعي الذي يعتني بالفرد ويرفع من مستواه وكفايته، وذلك انطلاقاً من مسلّمة أساسية مفادها أنّ الفرد هو اللبنة الأساسية في بناء المجتمع وكلّما كانت اللبنة قوية كان البناء قوياً في مضمونه وشكله وحاضره ومستقبله. إنّ القيم الإنسانية والتعاليم الإسلامية توجبُ على المسلم أن يلتزم خلق السلم والوسطية والتسامح والعدالة والمساواة والإخاء الإنساني العام والرحمة مع كلّ من يعيش معه ويشاركه العيش الشريف المشروع ولو كان من غير المسلمين. إنّ التوجيهات الربّانية عبر القرآن الكريم وإنّ السنن النبويّة لتؤصل التسامح في قلب كلّ مسلم ومسلمة لبناء مجتمع الألفة والمحبة والأخوة والتسامح. إنّ الأُمّة الإسلامية أُخرجت لتكون خير بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، يقول تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) (آل عمران/ 110). إنّ شعور الناس بالأمن والرحمة ليدفعهم إلى حبّ الوطن والتضحية في سبيل أمنه واستقراره، والعمل على تطويره وتنميته وتجميله ورقيه، لأنّ كلّ ذلك هو عائد عليهم وعلى أهليهم وذويهم.
نحن بحاجة إلى إحياء ونشر روح السلام والإخاء والتماسك بعيداً عن الحقد والكراهية ومكافحة الأفكار الهدامة السلبية والنظرة الإيجابية إلى المستقبل. فالإسلام دين المحبة والصفاء والألفة، فهو يشيع مبدأ الأخوة الإسلامية لتذويب الفوارق العرقية والإقليمية والمادية، فتسمو على كافة الروابط الأخرى من خلال التأليف بين القلوب. الإسلام هو دين عالمي يتجه برسالته إلى البشرية كلّها، تلك الرسالة التي تأمر بالعدل وتنهى عن الظلم وتُرسي دعائم السلام في الأرض، وتدعو إلى التعايش الإيجابي بين البشر جميعاً في جو من الإخاء والتسامح بين كلّ الناس بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم ومعتقداتهم. فالجميع ينحدرون من (نفس واحدة)، كما جاء في القرآن الكريم: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ (النساء/ 1).
إنّ الحياة الإنسانية لا يمكن أن تنمو وتزدهر في محيط يفتقر إلى الوحدة والتفاهم والتعايش الاجتماعي، نحن في حاجة دائماً الى التفتح والإشراق في جو دافئ من المحبة والتبادل والإخاء. وعليه يجب بناء المجتمع على أساس المودّة والرحمة والتعاون على البرِّ والتقوى، فالإنسان لم يخلق ليعيش فرداً بل خُلِق ليعيش ضمن المجتمع البشري كما في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) (الحجرات/ 13). على الإنسان المؤمن أن يملك قلباً ينبض بالمحبّة والخير والصدق والأمانة، وأن يكون مخلصاً في تأديته لدوره ولعمله في هذه الحياة، وأن ينعكس هذا الإيمان على أخلاقه وسلوكه وتعامله مع الآخرين. قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) (آل عمران/ 103)، اعتصموا بحبل الله جميعاً كأُمّة ليكن الإسلام هو الذي يجمعكم وليكن القرآن هو الذي يؤدّي بكم إلى الوعي فتمسّكوا به وتوحّدوا به ولا تتفرّقوا وتكونوا شيعاً وأحزاباً، ومذاهب هنا وهناك، يضلِّل بعضها بعضاً، ويكفِّر بعضها بعضاً، كونوا أُمّةً واحدة ومذهباً واحداً وخطّاً واحداً.
وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَثلُ المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى عضو تدانى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى»، وقال أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يدخلون الجنّة حتى يؤمنوا ولا يؤمنوا حتى يحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم افشوا السلام بينكم». فالإسلام يدعو إلى جمع الكلمة والاتحاد والأخوّة، فالاتحاد نظام الأُمّة الإسلامية وعمودها، وبه تحصل الألفة وتحل المودّة محل الجفاء وتجمع الكلمة. فصلاح الأُمّة الإسلامية بانضمام أفرادها وشدة ارتباط بعضهم لبعض وحدة حقيقية تعيش بروح واحدة وترمي إلى هدف واحد وتكون حقيقية تعيش بروح واحدة وتكون بمثابة الجسد الواحد، فيسعى كلّ فرد منه لخدمة المجتمع فتكون أُمّة صحيحة صالحة قوية لها مجدها وكيانها وعزها وشأنها.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق