الدُّعاء حاجة فطرية عند الإنسان، فرداً وجماعة، هو جزءٌ من الحياة، ومن دورتها، فنحن ندعو الله عزّوجلّ في الليل أو النهار، وفي أيِّ ساعةٍ نريد، ولا نحتاج إلى مقدِّماتٍ أو تمهيدٍ.
والدُّعاء دائماً له هدف وغاية، ولا فرق بين حاجةٍ صغيرةٍ تطلبها، وترجو أن يحقِّقها الله لك، أو حاجة كبيرة. قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة/ 186). عندما ترفع يديك وتدعو أو تتضرّع، أو تبتهل وتتوسّل، جهراً أو سرّاً، ففي كلّ الحالات، أنت تدقّ باب الله تعالى. إنّ الله لم يضع شروطاً مسبقةً ومواصفات محدّدة، أو دفتر شروط للدُّعاء، فالباب مفتوح ومتاح للجميع، فالمنافق بإمكانه أن يدعو كما يفعل المؤمن، والحريص أو البخيل يسأل الله كما يسأله الفقير والمسكين، وقد يطمع مَن هو على باطلٍ في زيادة منافعه، فيُدلي بدلوه في مواسم الدُّعاء.
إنّ الدُّعاء عبادة خالصة، ولو لم يكن فيها مصلحة للإنسان، لما فتح الله له هذا الباب من أبواب رحمته، لذلك دعانا إلى أن نسأله ونلجأ إليه سبحانه في الشدّة والرخاء، في الخوف والأمن، وفي العُسر واليُسر، ففي حديث قدسي، يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «عبدي تعرّف إليَّ في الرخاء أعرفك في الشدّة». ولا ينبغي لأحدٍ أن يتوهَّم أنّ الدُّعاء معناه أن تطلب من الله سبحانه حاجةً دنيوية يتعسِّر الحصول عليها، أو أن تطلب من الله أن يساعدك في الخروج من ضيق، أو عسرة أنت فيها.. هذا تصوّرٌ يمسخ مفهوم الدُّعاء، يحجِّمه. جوهر الدُّعاء أنّه عبادة كباقي العبادات، بل هو مخّ العبادة، كما ورد في الحديث، لكن من دون طقوسٍ ولا مواقيت.
يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّ أعجز الناس مَن عجز عن الدُّعاء». الدُّعاء سلاح، تربوي لإعادة صياغة علاقاتنا، وسلاحاً يواكب رحلتنا اليومية. إنّنا نعيش مرحلةً من سماتها انتشار ظاهرة القلق، والإحباط، واليأس، والقنوط من أيّ تغيير ينقلنا إلى الأحسن، على أكثر من صعيد. إنّنا بالدُّعاء الصادق نستطيع استعادة الثقة بالله، والخروج من ظاهرة الإحباط والقلق، على مستوى الأفراد والجماعات. والملاحظ أنّ معظم الأدعية في القرآن الكريم جاءت بصيغة الجمع، وهي بمثابة دعوة صريحة لجعل هذا النوع من الدُّعاء سلوكاً عامّاً بين المسلمين، والنتيجة واضحة وبيِّنة ومعروفة: الدُّعاء يتحوّل إلى وسيلةٍ لشدِّ العُرى داخل المجتمع الإسلامي، باعتباره مجتمع تكافلٍ وتعاونٍ، وتحابب. فحين تزاوج في دعائك بين هموم الدُّنيا من حولك وهموم مجتمعك وهموم آخرتك، فهذا يعني أنّ بوصلتك لم تنحرف، فهدفك وجه الله، ولا وجه غيره، فإن دعوت، فمن موقع عبوديّتك وفقرك وحاجتك إلى رحمة الله ورأفته وحنانه. نعم، في ساحة الدُّعاء، نمارس عبوديّتنا بحرّية كاملة، وباختيار واعٍ، تدفع بروحك وصوتك في معارج ملكوت الله، فتصبح جزءاً من منظومة كونية تُسبّح الخالق وتمجّده.
إنّ الدُّعاء يعبِّر عن منتهى الشفافية والإخلاص لله تعالى، ويُبرز أصالة الإنسان ومدى ارتباطه بربِّه، وشعوره الروحي والإيماني الصادق بهذه العلاقة، لأنّ الدُّعاء في مفرداته وأبعاده يجدِّد روحية المؤمن، ويعمل على إبقاء جذوتها حيّة في مشاعره وأفكاره وحركته في الحياة. من هنا، فإنّ الدعاء وجه من وجوه الشُّكر لله، فإذا ما عشنا الرخاء والطمأنينة في أوضاعنا النفسية والمالية والاجتماعية وغيرها، فلابدّ وأن يبقى دعاؤنا لله حيّاً وحاضراً، وألا نعيش السهو والغفلة عن الله، ونركن إلى الطمأنينة، وننسى فضل الله علينا في السرّاء والضرّاء، فمن التأدّب مع الله أن نشكره على نِعَمه وألطافه، وأن نستحضره أيّام رخائنا وشدّتنا، ومن حقّه علينا أن ندعوه في كلّ حالاتنا. وأصدق حالات الدُّعاء، عندما يتوجّه المرء إلى الله، ولا يكون عليه أيّ شكل من أشكال الضغوطات، ويكون باله مرتاحاً، فيمارس الشُّكر لله من موقع الوعي والتقدير لواجباته تجاه خالقه.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق