• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

برامج عملية في تأصيل روح الأخوّة

عمار كاظم

برامج عملية في تأصيل روح الأخوّة

للأخوّة ثمار وآثار طيِّبة، فعلى مستوى العمل الجماعي لا شكّ في أنّ روح الفريق ستجعل من كلّ فرد شعلة نشاط يبذل كلّ ما في وسعه، ويأخذ بكلّ الوسائل لإنجاح ما يعدّ له مثل اليدين تغسل إحداهما الأُخرى. ولا شكّ في أن أي صفّ يعمل الجميع به بقلب رجل احد، متجردين لله، أقدر على تحقيق أهدافه، فلقد حقّق المسلمون الأوائل ما حقّقوه بعقيدتهم الراسخة وإيمانهم الوثيق بالله، ثمّ بأخوّتهم التي أرساها المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) حين آخى بينهم. كما تعزز الأخوّة وحدة الصفّ بكلّ معانيها، كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصفّ/ 4)، فروح الأخوّة ستجعله صفّاً واحداً يصعب اختراقه وتدميره.

أمّا على المستوى الفردي فإنّ أوّل المستفيدين من روح الأخوّة هو الفرد نفسه إذ يستشعر أنّه ليس وحيداً، وأنّ معه إخوانه يساعدونه على تقوى الله، وعبادته، وطاعته، فقد جاء في الحديث: «إنّما يأكل الذئب من الغنم القاصية». كما سيجد فيهم خير الأصحاب فهو إذا ذكر الله أعانوه، وإذا نسي ذكروه. وعندما يختلط المسلم بإخوانه سيكتسب منهم خبرات، وتجارب متنوّعة في شتّى المناحي، وسيرتفع بذلك مستوى أدائه في المجالات جميعاً، قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة/ 2). كما سيجد الفرد من بعض إخوانه قدوة حسنة، تقرّبه من ربّه، وتزرع فيه خصالاً، وذلك من خلال معايشته لهم.

في حين للأخوّة ثمار على مستوى المجتمع.. فالمجتمع الذي يكون أعضاؤه على قدر كبير من المحبّة والتعاون، ويعرف كلّ منهم حقوقه وواجباته، يكون مستواه متميزاً حتى لو كان هؤلاء الناس قلة لأنّهم سيكونون قدوة، وسيؤثِّرون في المجتمع، وسيتأثر بهم المجتمع، وسيرتفع مستواه الإيماني والثقافي.. إلخ، ممّا سيؤثِّر على إنتاجه في جميع المستويات والجوانب. هذا المجتمع سيقف في وجه أشد الصعاب، فلقد صمد الصحابة في شعب أبي طالب، وأبلوا بلاً حسناً، بإيمانهم ثمّ بأخوّتهم الفذة، كما صمد المسلمون في المدينة أمام التحدّيات الداخلية – من داخل المدينة – والخارجية وجاهدوا أفضل الجهاد. واجهوا في بدر وأُحد والخندق أكبر التحدّيات، وكانت أكبر عدّة لهم – بعد الله ثمّ إيمانهم الراسخ – هي إخوّتهم، ووحدة صفّهم، وتماسكه، فلقد ذاب كلّ واحد منهم في المجموع فتشكّلت قوّة واحدة منهم يصعب اختراقها بل كان النصر حليفها.

كما أنّ المجتمع المتحاب أفراده سيكون من القوّة بمكان ليقف في مواجهة شتّى التحدّيات، أو على أقل الخروج بأقل الخسائر، لأنّ هذه المجموعات ستشيع هذه الروح في أُسرها، وعائلاتها، وجيرانها وأصدقائها من خلال فهمها الصحيح للإسلام، وبعملها به، فما بالنا لو كان المجتمع كلّه على هذه الدرجة العالية من الأخوّة، والحبّ في الله؟

والخلاصة، إذا ازدهرت شجرة الأخوّة وترعرعت ونمت، فلابدّ من أن تنمو شجرة العمل وتزدهر، وتعطي حينها أطيب الثمار. علينا غرس روح وفقه الأخوّة في النفوس من خلال برامج عملية، وكذلك تأصيل هذه الروح وتجذيرها في النفوس بدلاً من الاهتمام بتوسيع رقعة الانتشار والاهتمام بالكمّ على حساب الكيف، أو الاهتمام بتوسيع القاعدة على حساب تربيتها. فلقد انتصر المسلمون في بدرٍ وهم قلة مؤمنة تتمتع بقدر عالٍ من التربية والأخوّة، لكنّهم انهزموا في حُنين على كُثرتهم، ذلك أنّ الكثرة قد تحوي الخبث الذي سرعان ما يزوى عندما يواجه محنة أو اختبار.

ارسال التعليق

Top