• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

بيت الله الحرام.. معناه ودوره

عمار كاظم

بيت الله الحرام.. معناه ودوره

ينطلق الناس إلى بيت الله الحرام ليؤدّوا الحجّ كفريضة فرضها الله على مَن استطاع إليه سبيلاً، أو كمستحبّ استحبّه الله لمن أدّى هذه الفريضة، أو لمن تطوّع بذلك. إنّ معنى قوله تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) (آل عمران/ 96)، ليس هو أنّه أوّل ما بُني على وجه الأرض، كما قد يتوهّمه البعض، بل المراد به أوّل بيتٍ وُضِع للعبادة والهدى والبركة للناس.

وقد جعله مباركاً، والبركة هي الخير الكثير الذي تمتدّ منه المنافع والمصالح للناس، ما يعني أنّ دور المسجد لا يتحدَّد بالعبادة، بل يتّسع لكلّ منافع الناس، سواء كانت علمية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، أو غير ذلك من الأُمور المتصلة بحياة الناس العامّة. وفي ضوء ذلك، كان الدور الإسلامي للمسجد، هو أن يكون المُلتقى الروحي للناس، فيعبدون الله ويتعلّمون العلوم النافعة لهم في دينهم ودنياهم، ويجتمعون فيه للتداول في أُمورهم الداخلية والخارجية، فكانت تنطلق من منابره التوجيهات والتخطيطات المتعلّقة بتنظيم حياتهم، كما تنطلق منها صيحات الجهاد. وسارت حياة المسلمين في مساجدهم على هذا الخطّ، فكانت تجسيداً للمفهوم الإسلامي للعبادة التي تنفتح على الله سبحانه، لينفتح الناس من خلال ذلك على الحياة من مواقعها المضيئة المتحرّكة في سبيل الخير.

وقد نستوحي من كلمة «مبارك»، المعنى الممتد في حياة الناس الذين يقصدون هذا البيت من سائر أنحاء العالم، ليجتمعوا حوله على أساس كلمة التوحيد التي توحّدهم، والرسالة التي تجمعهم، والقضايا الحيوية التي تتحرّك في واقعهم الخاص والعام، ولا سيّما القضايا المتصلة بالمصير السياسي والثقافي والاقتصادي والأمني والاجتماعي أمام التحدّيات الكبرى التي يواجهونها، ليتعارفوا فيما بينهم، وليتبادلوا المعلومات، وليستلهموا التجارب، وليخطّطوا للوحدة في الموقف، من حيث إحساسهم بوحدة أُمّتهم في خطِّها العقيدي والعملي، وفي مصيرها الواحد، وليتحاوروا في ما اختلفوا فيه من تفاصيل العقيدة والشريعة والمنهج، والأُمور المتصلة بالواقع السياسي والأمني والاقتصادي في علاقاتهم ببعضهم البعض وبالآخرين، وليحرّكوا أوضاعهم الاقتصادية على أساس خطّة سليمة تحقّق لهم الإنتاج ممّا يحتاجونه في حياتهم العامّة، بحيث يصلون إلى مستوى الاكتفاء الذاتي ليكونوا في موقع الاستقلال في إدارة أُمورهم. وهكذا يتحوّل الحجّ إلى مؤتمر إسلامي عالمي يحقّق البركة للإسلام في فكره وحركته، وللمسلمين في وجودهم وامتدادهم وأوضاعهم العامّة والخاصّة، وهذا ما نستوحيه من الكلمة المعبِّرة «مبارك».

وقد جعله الله هدى للعالمين، من خلال ما يهدي إليه من سعادة الدُّنيا والآخرة، ما يوحي بأنّ مهمّة المساجد للقائمين عليها، هي هداية الناس بالممارسة من خلال عبادة الله فيها، وبالتوجيه من خلال توجيه الناس وتعليمهم وتثقيفهم بأُمور دينهم في كلِّ ما يتّصل بحياتهم، لينطلق المسلمون من المساجد إلى حياتهم من خلال الانفتاح على كلّ المعاني الكبيرة التي يستهدفها الإسلام للحياة، وليحمل كلّ واحد منهم المعرفة الشاملة لشريعة الله في كلّ أحكامها المتصلة بالحياة الخاصّة والعامّة، لتكون الشريعة ومفاهيم الإسلام المنبثقة عنها في كلّ فكرٍ وعلى كلّ لسان، فلا تبقى محتكرةً على فئة معيَّنة من الناس، لنستطيع من خلال ذلك أن نجعل من كلّ مسلم إنساناً واعياً متحرّكاً يعمل في حياته الخاصّة لإسلامه من موقع الوعي، ويدعو إليه بطريقة واعية من قاعدة الحركة. وفي ضوء ذلك، نستطيع أن نؤكّد أنّ القائمين على شؤون المساجد الذين يقتصرون فيها على إقامة الجماعة، ولا يقومون بمهمّة التوجيه والهداية، ويحوّلونها إلى منطقة نفوذ يتوارثها الأبناء عن الآباء، هم من المنحرفين عن رسالة المسجد التي هي الهدى للناس بحسب ما يتّسع له المسجد من ذلك، فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً.

ارسال التعليق

Top