◄"إستفد من الفرصة السانحة الآن للتمتُّع بالعلاقة بأطفالك.. فهم لا يلبثون أن يصبحوا مراهقين"
إنّ مثل هذه التحذيرات من الأصدقاء والأقارب فضلاً عن الصورة التي يقدِّمها الإعلام للمراهقين كمثيري شغب ومتمرِّدين وغير مسؤولين، تقود الأهل إلى أن تيرقّبوا حدوث المشاكل ما أن يبلغ طفلهم مرحلة البلوغ. غير أنّه ليس من الضروري أن تتحوّل الحياة العائلية إلى ساحة معركة في خلال سنوات المراهقة، بل يمكن للأهل والمراهقين أن يعيشا معاً في شكل منسجم ومتناغم، إذا ما عرف الأهل ماذا يتوقّعون.
تهدف هذه النصائح إلى مساعدة الأهل على التكيُّف في شكل أكثر فاعلية مع التغيُّرات التي تحدث لأبنائهم في فترة المراهقة. وعلى الرغم من أنّ النصائح المقدمة تستهدف أهالي المراهقين في شكل أساسي، إلا أنّه يمكن لأهالي مَن هم أصغر سنّاً الإستفادة منها أيضاً.
- الإطار الثقافي
الإهتمام الصحافي بالمراهقين ذو طابع سلبي، إذ تركِّز الصحافة دائماً على المراهقين من أصحاب المشاكل: الهاربين ومخالفي القانون. ونادراً ما نجد تحقيقاً عن المتطوعين في المستشفيات ومخيمات الأطفال.
وليس للمراهقين وضع معترف به في المجتمع.. فنحن لم نعد في حاجة إليهم للقيام ببعض المهام الاساسية كحلب الأبقار أو تقطيع الحطب، ما يمنحهم إحساساً بأهميّتهم (وحتى المراهقين الذين يعملون عملاً جزئياً لا يحصلون على مبالغ من المال تعدّ أساسية في تأمين معيشتهم).
كان المراهقون في الماضي يكبرون في سرعة. أمّا الآن، فنحن نطلب منهم أن يبقوا معتمدين علينا حتى ينهوا التعليم الذي يؤهلهم لإيجاد عمل في مجتمع ذي طابع تكنولوجي.
وهناك مشكلة أخرى تتمثّل في العزلة الإجتماعية. فالإتجاه السائد هو نحو العائلات الصغيرة، فضلاً عن الإنتقال السريع من بيت إلى آخر ومن بيئة إلى أخرى، وتزايد نسبة الطلاق، يؤدي في الغالب إلى عدم وجود أقارب مجاورين يمكن أن يساعدوا المراهقين وأهاليهم في التغلب على المشاكل الحادة. فعندما يحصل إحتكاك بين الأهل والمراهق، لن يكون هناك مَن يلجأ المراهق إليه طلباً للنصح والمساعدة، أو للتدخل لإزالة التوتر.
لذلك ليس من المفاجئ أن يشعر الأهل بأنّهم غير قادرين على التغلب على مشكلة تربية المراهقين من أبنائهم. غير أنّ هناك بعض الخطوات التي يمكن أن نلجأ إليها لبحث الأمر. يمكننا أن نبدأ على سبيل المثال بتذكّر فترة مراهقتنا. ونسال أنفسنا أسئلة من نوع: إلى أي مدى كنت أشارك أهلي في حياتي؟ ألم أكن نقدياً وأحبّ المحاججة؟ ماذا كانت أحلامي واهتماماتي؟ أسئلة من هذا النوع يمكن أن تساعدنا على تقبُّل سلوك أبنائنا.
هناك بعض الأُمور الصحيحة في كل عمر وفي كل ثقافة. فالمراهقة هي دائماً نضال من أجل الإستقلال وتتضمّن بالضرورة بعض التحدِّي لسلطة الأهل.
ولا يزال على المراهقين أن يتأقلموا، كما فعلنا نحن، مع التغيُّرات الجسدية الرئيسية، والتقلُّبات العاطفية، والمراحل الجنسية غير المعتادين عليها، ومنافسة أقرانهم وتغيُّر هوياتهم والحاجة إلى إتخاذ قرارات حياتية مهمّة مع ما يرافق ذلك من شعور بالوحدة والقلق.
العالم اليوم يتغيّر بسرعة ويختلف في مناح عدّة عن العالم الذي كنّا نعيش فيه. فالمراهقون يواجهون اليوم مجتمعات أكثر تعقيداً وأقل شخصانية. ولقد باتت المخدرات والكحول في متناول اليد. وعلى مراهقي اليوم أن يزيدوا إلى همومهم همّ الإيدز وتفشي العنف وعدم توافر فرص العمل.
والضغوط التي يتعرّض لها مراهقو اليوم أكثر شدّة. ولقد أصبح الشباب هدفاً رئيساً للمعلنين ولبعض الإعلاميين الذين يدعونهم لأن يكبروا بسرعة وأن يحصلوا على شيء الآن.
- العلاقات العائلية
وفي الوقت الذي يعاني المراهقون من هذه المشاكل، يغرق الأهل في مشاكلهم الخاصة المتعلقة بتقدمهم في العمر. فإذا كان المراهق ينزعج لدى ظهور كل حبّة من حبّ الشباب، نجد الأهل يقلقون مع بروز كل تجعيد جديد في وجوههم. وفيما يأخذ المراهقون في التفكير بالمستقبل والفرص التي تزخر فيه، نجد الأهالي يفكِّرون في الوقت المتبقي لهم، وفي تضاؤل الفرص أمامهم. وبينما يكتسب المراهقون المزيد من القوة في كل يوم، نجد الأهل يفكِّرون في محدودية قوّتهم. لكن التخلي عن السلطة التي يملكونها لأبنائهم ربّما كان أمراً بالغ الصعوبة. وبينما يدرك الأهل الجيِّدون أنّ عليهم أن يتخلوا في وقت ما عن مهماتهم، ولكن الصعوبة تكمن في معرفة كيفية القيام بذلك ومتى.
لكن الأهل ليسوا الوحيدين الذين يعانون من مشاعر متناقضة. ففيما يحاول المراهقون أن يحققوا هوياتهم، عليهم أن يتكيّفوا مع فقدانهم لأمان طفولتهم وتقبُّل المزيد من المسؤوليات.
وإذ يعمل أبناؤنا بجد للحصول على استقلالهم، فإنّ تعاطينا إزاء هذا النضال أساسي جداً لنجاحهم، ذلك أنّ امتلاك الأهل لمثل هذه الرؤية الشاملة والبعيدة المدى يجعل الطرفان، الأهل والأبناء، أكثر نجاحاً وقدرة على إجتياز هذه المرحلة. فعندما يتفق الأهل مع المراهقين، تكون الحياة العائلية أكثر من رائعة، ذلك أنّ هناك متعة حقيقية وطاقة حيوية يوفرها المراهقون لأهاليهم، وخصوصاً مع ما توفِّره روحهم المعنوية العالية وسرعة بديهيتهم من حبور، لكن عندما يقف المراهقون والأهل على طرفي نقيض، فإنّ نزوع المراهقين إلى الإعتصام بالصمت والرفض يمكن أن يربك الأهل ويوترهم. فالحياة مع المراهقين أشبه بقطار الملاهي الذي يعلو ويهبط، إنّما على المستوى العاطفي هذه المرّة.
عليكم الإستفادة إلى الحدّ الأقصى من لحظات الإتفاق مع أبنائكم، وعليكم أن تتذكّروا خصالهم الحسنة حتى في عزّ أوقات الإختلاف معهم. ومن المهم جداً أن يرى الأهل في عدم الإستقرار الذي يصاحب علاقاتهم بالمراهقين من أبنائهم كما هو فعلاً: مجرد مرحلة ضرورية من تطور المراهقين بإتجاه الإنفصال عن أهاليهم.
- "إفعل" و"لا تفعل"
- لا تناقض الطريقة التي ينظر من خلالها المراهقون إلى الأُمور، بل اعرض لوجهة نظرك قائلاً: "لديَّ وجهة نظر أخرى"، "هذا ما أؤمن به" و"هكذا أرى إلى هذه المسألة".
- لا تحاضر أو تعظ، فذلك لن يجر إلا إلى العداء. هذا فضلاً عن أنّ المراهق (العادي) يصبح (أصمّ) إذا زاد عدد الجمل عن الخمس.
- لا تضع حدوداً لا يمكنك فرضها.
- ركِّز على السلوك لا على الشخص.
- فكِّر مقدماً بما ستقوله وكيف.
- حافظ على وضوح رسالتك وقصرها.
- ركِّز على موضوع واحد في الجلسة الواحدة.
- القواعد والنظام
من الطبيعي أن يحاول المراهق أن يختبر القواعد الموضوعة، لكن بعض القواعد لا ينبغي أن تكون موضع تفاوض. والأهل الذين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها لدى حصول أي إختلاف يغامرون بخسارة أي نفوذ يملكونه على أبنائهم، إذ يؤدي طلب الخضوع التام غلى كسب خصوم ألدّاء حتى ولو كان ذلك في شكل غير واع. وبالتالي، يتعيّن، كلما ذلك ممكناً، أن تَذكُر القواعد كإرشادات عامة وليس كإنذارات، وإلا تحوّلت الحياة العائلية إلى سلسلة من الصراعات على السلطة.
وعلى الأهل أن يساعدوا أبناءهم على الإنتقال من إنضباط الأهل إلى الإنضباط الذاتي. ولكي يحصل ذلك، على المراهقين أن يتعلّموا فن التفاوض وكيف يكونون متعاونين في وضع القواعد وفي حل المشاكل. وعليهم أيضاً أن يعلِّموا أبناءهم كيف يفكِّرون في شكل مستقل لكي يكونوا قادرين على اتخاذ القرارات الصحيحة عندما لا يكون الأهل على مقربة منهم.
ويمكن مساعدة الأبناء على التدريب على التفاوض وتغيير المجرى الذي تصرف به طاقاتهم بإبعادها عن الصراع على السلطة.
وتعتمد المفاوضات الناجحة بين الأهل والمراهقين على ثلاثة أُمور:
1- إشراك المراهقين في عملية صنع القواعد ووضع الحدود والتوصّل إلى قرارات.
2- الإحتفاظ بأكبر قدر ممكن من الهدوء والعقلانية عندما تتأجج المشاعر، ومن المهم جداً في هذه الحالة السيطرة على الغضب.
3- استخدام الطريقة المحدودة التالية في حل المشاكل: تحديد موضوع التفاوض، التفكير في كل الحلول الممكنة وتضييق الخيارات إلى أن يتم التوصل إلى حل يمكن الطرفان أن يتعايشا معه، ومن ثمّ عقد إتفاق وتقويم النتائج.
ومن المفيد في هذا المجال النظر إلى السلوك غير الصحيح أو غير المقبول بصفة كونه خطأ في الحكم أو الإختيار الذي تقع تبعاته على المراهق نفسه في المقام الأوّل. إذا أخطأ إبنك في التصرف، دعه يعرف شعورك على الفور. فالتعبير عن الحزن أو الخيبة إزاء سلوك أو تصرف خاطئ، أكثر إيجابية من التعبير عن الغضب. فالحزن يترك المشلكة عند المراهق، في حين أنّ الغضب ينقل المشكلة إليك.
وعلى الأهل أن يكون لسان حالهم هو الآتي: "أنا أحبّك إلى حد لا يمكنني أن أقف متفرجاً وأنت تقوم بعمل مؤذ. وعندما تظهر لي من خلال تصرفاتك أنّك قادر على التصرف في شكل أفضل، فإنّني سأسكت".
وإذا كان حل المشكلة الآنية مهمّاً، فإنّ الأهم هو الصورة البعيدة المدى. وبالتالي، فإنّ مهمة الأهل تكمن في أن يساعدوا أبناءهم في تطوير قدرتهم على اتخاذ القرارات الصحيحة بالإعتماد على أنفسهم.
والشبان في العادة لا يفتقدون إلى الخبرة فحسب، بل هم غالباً لا يملكون بُعد النظر. وعلى الأهل أن يعلموا المراهقين على التفكير كلاعبي شطرنج، أي أن يفكِّروا في العواقب ويتوقّعوا ما يمكن أن ينتج منها.
في المقابل، يتعيّن على الأهل أن يسألوا أنفسهم: ماذا يمكن أن أفعل في مثل هذا الوضع لكي أسعد إبني على أن يكون أكثر مسؤولية؟.
- الأبوة الإيجابية
أن تقول لإبنك المراهق (أحبّك) أقل أهميّة من أن تظهر له في شكل ملموس أنّك مهتم بأمره. ومن أهم الوسائل التي تمكنك من القيام بذلك، تكمن في مساعدته على الإيمان بنفسه. ولا يمكن للمراهق أن يؤمن بنفسه إلا إذا كان يعرف أنّنا نؤمن به.
ولتكن الرسالة التي يوجِّهها كل منكم لإبنه المراهق: (قد لا أفهم دائماً ماذا يجري، ولكني على ثقة أنّك سترتِّب الأمر وتقع واقفاً على قدميك).►
ارسال التعليق