• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تبسمك في وجه أخيك.. صدقة

السيد هاشم الموسـوي

تبسمك في وجه أخيك.. صدقة

◄نقرأ في هدي النبوة أرقى تثقيف حضاري في التعامل الإنساني وفي صفحة المجتمع اليومية حين جعل الابتسامة صدقة، فجاء في تثقيف السلوك الإنساني هذا المقطع من مفاهيم الصدقة، فكان أخلاقية إنسانية سامية، وروحية مليئة بالحب والمودة لبناء العلاقات الاجتماعية.. انها الحث على إشاعة السرور والابتسامة، وطلاقة الوجه عند الحديث مع الاخر، وعند استقبالهم والتعامل معهم في السوق والبيت ودوائر العمل وقاعة الدرس، وفي كلّ مجال يلتقي الناس فيه.. ليشعر الآخرين بالسرور به والرضا بلقائه، والاحترام له، والتعاطف معه.. انّ الابتسامة تعبّر عن الحب، وعن الاستعداد النفسي والعاطفي لاستقبال الآخر.. انّ ترجمة الابتسامة تعني: اني أرحب بك وأحب لقاءك.. قد يلتقي بعض الناس مع من لهم حاجة عنده أو يتوقف إنجاز عملهم أو قضياهم على مشاركته أو قراره أو إنجازه.. فيستقبل الناس بوجه كالح بائس، وبرؤية معقدة مقطبة.. تزرع الاشمئزاز، وتشعر بالعداء والكراهية.. والتربية الإسلامية تريد أن تصنع الوجه الباسم الوديع، الذي يخفف عن الناس آلامهم، ويزيل قلقهم ومخاوفهم، ويزرع في نفوسهم الشعور بالمحبة والاحترام.. لذا  كانت الابتسامة صدقة، لاسيما للنفوس البائسة اليائسة القلقة على قضاياها وحوائجها المشروعة، أو التي تبحث عن العلاقة الإنسانية الكريمة في التعامل مع الآخر..

ويذكر كُتّاب السير أنّ الرسول (ص) كان باسم الوجه، لا تفارق الابتسامة وجهه الكريم، بل ويذكر أيضاً أنّه (ص) ولد باسماً بخلاف المواليد الآخرين.. فأنهم يولدون باكين، يتعالى صراخهم..

ثم يواصل الرسول (ص) توجيهه الثقافي والتربوي الفريد في بناء الذات والمجتمع الإنساني وحشد المشاعر والعواطف النبيلة إلى جنب الجهد الطوعي لخدمة الآخرين والتعاطف معهم والدعوة الى العمل الإصلاحي للنهوض بالمجتمع، والذوق الحضاري، وحماية البيئة وجمال الحياة..

لنقرأ النص النبوي الخالد كاملاً، ولنستجلي القيم الإنسانية السامية فيه..

قال (ص): (‏تبسمك في وجه أخيك لك صدقة، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض ‏الضلال ‏‏لك صدقة، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقة،‏ ‏وإماطتك ‏الحجر والشوكة والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة)[1]

وهكذا يتسع مفهوم الصدقة ليشمل إطلاق الابتسامة في وجوه الآخرين، والأمر بالمعروف، وهو دعوة الناس الى عمل الخير والإحسان، والالتزام بقيم الأخلاق وطاعة الرحمن، ومنع حدوث الفساد ومقاومة الباطل والسلوك المنحرف، فانّ كلّ ذلك صدقة يثاب المرء عليها، إذ يعملها تطوعاً واحتساباً..

ومن عمل المعروف والإحسان وارشاد من ضل طريقه، ولا يستطيع الاتجاه نحو مقصد مسيره.. في الطرقات البعيدة، وفي الشوارع والأحياء والبراري.. فتلك الخدمة الطوعية، وهذا الإرشاد الإنساني الخيّر اعتبره الرسول (ص) صدقة.. أمر بها وحث عليها.. بل ويدعو الرسول (ص) الى إزالة الأذى عن الطريق.. إزالة الحجر والأوساخ والقاذورات والعوائق، وتلك الدعوة الحضارية تعبر لنا عن اهتمام الرسالة الإسلامية بالنظافة والجمال.. كما تعبّر عن العناية بالآخر والاهتمام بالصالح العام والتجرد من الأنانية.. أن يتطوع الفرد لخدمة المجموع، وتوفير راحتهم من غير مقابل مادي، أو اعتراف معنوي.. وفي التوجيه النبوي دعوة إلى إيجاد روح المشاركة في المنافع والتخلص من الاستئثار، وإن كانت تلك الدعوة مجسدة في بيئة المرحلة.. إذ كان الناس يستخرجون الماء من الآبار بالدلاء.. فملاك التوجيه النبوي لا يحدد أثره بزمان أو مكان، بل هو دعوة إلى أن يحصل الجميع على المنافع.. وإن كان البعض قد حازها.. والرسول (ص) اعتبر هذا الإشراك صدقة لأنّه معروفٌ، وتطوع بالعطاء من غير ثمن.. تلك هي الروح الأخلاقية والثقافة الحضارية التي تشع بها هذه التوجيهات النبوية الخالدة لبناء المجتمع المدني والإنساني المتعاون..

 

ردّ السلام صدقـــة

وردّك السلام صدقة.. إشاعة التحية، تحية السلام في المجتمع تزرع المحبة والاحترام بين الناس، وتقرّب بين القلوب والنفوس.. وتكسر حواجز التكبر والاستعلاء على الآخرين.. لذا كان ردّ السلام صدقة.. والقرآن يدعو إلى أن يكون ردّ التحية بأحسن منها.. أو بمثلها.. (وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا) (النساء/ 86) وعندما تتعالى النفوس ويملؤها التكبر، وتهمل الآخرين ولا تحترمهم حين يؤدون التحية، أو يردها بشكل مُزري، فانّ ذلك يعتبر حالة أخلاقية سيئة، تصور صاحبها بصورة بشعة مقيتة. إنّ الصدقة يجب أن تؤدى باحترام وتكريم.►


[1]- المتقي الهندي/ كنز العمال، الحديث/ 16305.

ارسال التعليق

Top