علي الحمادي
دخل رئيس مهندسي مشروع تطوير البرمجيات على نائب الرئيس لتطوير المنتجات؛ ليقدم له نتائج شهور من العمل الذي قام به فريقه، وكان العاملون معه من الرجال والنساء فخورين بتقديم ثمرة جهدهم الشاق، لكن بمجرد أن أتم المهندس عرضه لمشروعه، التفت إليه نائب الرئيس وسأله بسخرية: "منذ متى وأنت في هذا العمل؟ هذه المواصفات مضحكة ولن تتجاوز درج مكتبي".
شعر المهندس بالحرج والإحباط الشديدين، وجلس مكتئباً طوال ما تبقى من اللقاء منكمشاً في صمته، بينما قام الرجال والنساء في فريقه بإلقاء تعليقات قليلة مستطردة – وأحياناً عدائيةً – دفاعاً عن جهودهم، لكن نائب الرئيس أنهى الاجتماع فجأة، تاركاً فيهم رواسب من المرارة والغضب.
وظل المهندس منشغلاً لمدة أسبوعين بتعليقات الرئيس، ومن يأسه وإحباطه ظن أنّ الشركة لن تكلفه بعدها بأي عمل مهم، وفكر في ترك الشركة رغم أنّه كان يستمتع بعمله بها كثيراً.
وبعد تفكير طويل، ذهب المهندس لرؤية نائب المدير ليذكره بالاجتماع وبتعليقاته النقدية وتأثيرها المحبط، فوجّه إليه سؤالاً صاغ كلماته بعناية: "لم أفهم تماماً ما الذي كنت تريده، لا أظن أن هدفك كان مجرد إحراجي – هل كنت ترمي إلى قصد آخر؟".
اندهش نائب المدير الذي لم تكن لديه فكرة بأن تعليقه – الذي لم يكن سوى رد عابر – سيؤدي إلى هذا الأثر المدمر، لقد رأى بالفعل أن خطة البرمجيات واعدة لكنها تحتاج إلى المزيد من الجهد، ولم يعتبر أبداً أنها بلا قيمة، فهو – كما قال – لم يدرك أبداً مدى السوء الذي صاغ به رده ولم يعرف أنّه سيؤذي مشاعر أحد.. وأخيراً اعتذر.
يقول عالم النفس الأمريكي "لي شوشونا زوبون" جامعة هارفارد، في معرض حديثه عن أهمية الذكاء العاطفي وإدارة المشاعر في المؤسسات والشركات يقول: "لقد حدثت تغييرات ثورية في الشركات خلال هذا القرن، صاحبها تغيّر موازٍ في مجال المشاعر، ولقد مضى وقت طويل على السيادة الإدارية للهرم الاتحادي الذين كان يكافئ المدير المناور عديم المبادئ.
وقد بدأ هذا الهرم الجامد في التفكك في ثمانينيات القرن العشرين تحت الضغط المشترك للعولمة وتكنولوجيا المعلومات، ويمثل المدير عديم المبادئ ما كانت عليه الشركات، أما المدير الفنان في مهارات المعاملة فهو مستقبل الشركات".
وأسباب هذا التغيّر واضحة تماماً، فلتتخيل العواقب على جماعة عمل عندما لا يمنع أحدهم نفسه عن الانفجار في ثورة غضب، أو لا تكون لديه حساسية عما يشعر به الآخرون حوله، فكل التأثيرات الضارة للتوتر على التفكير تنطبق في موقع العمل أيضاً.
فعندما يصاب الأشخاص بالكدر الانفعالي تضطرب ذاكرتهم وانتباههم وقدرتهم على التعلم وعلى اتخاذ القرارات، إذ انّ الضغوط تجعل الناس أغبياء.
ومن الجانب الإيجابي، تخيل الفوائد التي يجنيها العمل من المهارة في الكفاءات الانفعالية الأساسية: كالتناغم من مشاعر من نتعامل معهم، والقدرة على منع الخلافات من التصاعد، والقدرة على الدخول في الانسياب أثناء أدائنا لعملنا.
"فالقيادة ليست سيادة، لكنها فن إقناع الآخرين بالعمل تجاه هدف مشترك، وإذا أردنا إدارة مستقبلنا المهني؛ فإنّه من المهم التعرف على مشاعرنا العميقة تجاه ما نفعله، والتغيير المطلوب هو الذي يجعلنا أكثر رضاً بما نفعله.
ارسال التعليق