• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية

عمار كاظم

ترسيخ مفهوم الوحدة الوطنية

قال الله سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران/ 103). إنّ الاختلاف والتنوّع في الشكل والفكر والعلم، حقيقة إلهيّة يجب احترامها وتقبُّلها في المجتمع الواحد، والآيات والأحاديث النبويّة الشريفة كثيرة التي تؤكّد على اختلاف البشر والشعوب والأُمم كذلك، وهذه الحقيقة اقتضت التألف والترابط والتراحم بين الأفراد في نطاق المجتمع الواحد وبين الشعوب والأُمم دفعاً لأسباب التنافر والخلاف التي تفضي إلى التحارب والاقتتال، من هنا كان الاهتمام الربّاني له دلالاته الكثيرة وعبره الكبيرة، أوّلها الحفاظ على سلامة المجتمع كلّه من الانحرافات والأخطار التي تحدق به من حين إلى آخر، فيكون هذا التماسك مثَّل بالنسبة له طوق نجاة.

في أي مجتمع تتعدد الانتماءات والولاءات، لكنّ لابدّ من قاسم مشترك يجمع تلك الانتماءات، ليتقدّم عليها الانتماء والولاء للوطن.. فالوحدة الوطنية هو ذلك المفهوم الكبير الذي يحمل كلّ صفات المواطن الصالح لبلده ومجتمعه، فهي المدخل الذي تتطوّر منه الأُمّة حيث يجب أن يكون جميع أفراد المجتمع يداً واحدة. وتطبيق هذا المفهوم يكون من خلال توجيه المواطنين وغرس الوطنية ومصلحة الوطن بهم منذ الصغر، وتنبيه المجتمع دائماً بأنّ الوحدة الوطنية هي أساس كلّ شيء وهي التي تقوي الأُمّة وتطوّرها.

ومن أكثر العوامل التي تؤدِّي إلى زيادة تماسك المجتمع واستقراره، هو تحقيق وحدته ونسيجه الاجتماعي هو تقبُّل كلّ فرد فيه للآخر المختلف معه في أي رأي كان أو في أسلوب الحياة، أو بعض الأفكار، طالما أنّ هذا الاختلاف محصور في إطار التنوّع داخل وحدة المجتمع ذاته؛ لأنّ الاختلاف هو سُنة الله في الكون والبشر، وهو اختلاف يُثري الحياة ولا يضرها؛ ولأنّه يعبّر كذلك عن التنوُّع في الأفكار، وبها نكتسب مجالات كثيرة متنوّعة مفيدة. إنّ الوحدة المجتمعية (الوطنية) لا توفر للمجتمع القدرة على تحقيق نمو مضطرد فحسب، بل هي تكسبه المناعة ضد الأخطار الخارجية التي تتربص به، وتحين الفرص للانقضاض عليه، وإذن من الأهميّة بمكان أن نعمل بكلّ جهد على الحفاظ على تماسكنا الاجتماعي لأنّ وجودنا واستمرارنا في الوجود كمجتمع مرهون به ومتوقف عليه وصدق الله تعالى الذي حذّرنا من الصراع وما يفض إليه فقال: (وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/ 46).

تعد الوحدة الوطنية أساس التقدّم في أي مجتمع، وقد دلّ التاريخ على أنّ ضعف الأُمم وانحلالها يكون السبب الرئيسي وراءه هو تفكك أبنائها وعدم وعيهم بأهميّة وضرورة الوحدة الوطنية. ولا تقف حدود الوحدة الوطنية عند التفرقة، بل تمتد لتشمل معاملاتنا اليومية كافة من تعاون وتسامح، ونبذ العنف والتطرّف بكلّ أشكاله، استجابة لما دعت إليه الأديان من التعايش الحقيقي على أُسس إنسانية، ونشر قيم المحبّة والحرّية والمساواة.. فالوحدة الوطنية تعني التآخي بين أبناء الأُمّة دون تفرقة بين المواطنين على أساس اللون أو الجنس أو الدِّين أو العامل الاقتصادي، وإنّما الجميع متساوون، يعملون من أجل تحقيق أهداف إيجابية لصالح الوطن. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات/ 13).

وفي الختام، لا تقتصر الوحدة الوطنية على الحروب فقط، إنّما تتّضح في السلم أيضاً، من خلال تضافر أبناء المجتمع، وتزداد ضرورة وأهميّة الوحدة الوطنية في عصرنا الحاضر، حيث يواجه هذا العصر كثيراً من التحدّيات تختلف عن التحدّيات في الماضي. فالثورة المعلوماتية، والعولمة، والغزو الثقافي، كلّ تلك التحدّيات تفرض علينا أن نؤهل أبناءنا لمواجهتها. ولن يتأتى هذا إلّا من خلال تنمية الوحدة الوطنية والعمل على ترسيخها، ونبذ العنف والإرهاب، والعمل على بناء الإنسان وتنمية مهاراته من أجل الصمود أمام تحدّيات العصر.

ارسال التعليق

Top