• ٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ترك القرار للطفل.. مُهم للغاية

ترك القرار للطفل.. مُهم للغاية
◄إنّ الأُم التي لا تستطيع السماح لطفلها بأن يُجاهد لحل مشاكله والتغلب على مشاعر الغضب، القلق، الإنزعاج، الحزن، الإحباط.. إلخ، تعمل فعلياً، على تجريد طفلها من مهارة الإعتماد على النفس التي يحتاج إليها. معظم الأُمّهات يتعاملن بحُسن نيّة عندما يتعلق الأمر بتربية أطفالهنّ. مثلاً تُسارع الأُم إلى حمل طفلها بمجرد سماع صوت بكائه، لأنّه لا تتحمل سماع صوته وهو يبكي، أو تعود عن رفضها تلبية رغبته إذا شعرت بأنّه إنزعج عند قول "لا" له. أو تحاول "التدخل" إذا شعرت بأنّه مُحبَط لعدم قدرته على إنجاز عمل ما، أو حل أي مشكلة يواجهها، بحجة تسهيل الأمر على طفلها، لأنّها لا تستطيع رؤيته يعاني مشاعر الإحباط، أو بحجة تسهيل الأمر عليه، والتخفيف من شعوره بالألم نتيجة عدم قدرته على حل مشكلته بنفسه. مثل هذه الأُم تُدرك بعد التجربة أن لحسن نيّتها نتائج سلبية، لأن تدخّلها يعوق طفلها عن تطوير قُدراته في إتخاذ قراراته بنفسه وفي حل مشاكله وتحمّل نتائج أفعاله وأقواله. كل أم ترغب في حماية طفلها. ولكن، عندما يكون سبب الحماية هو عدم شعور الأُم بالراحة حيال مشاعر طفلها، فتتدخّل حالاً كلما رأته منفعلاً، فقد تؤثر هذه الحماية في تطوير الطفل لذاته. ذلك أنّ الطفل الذي لا يُسمح له أن يبكي إطلاقاً، يمكن ألا يتعلم تهدئة نفسه بنفسه. وعندما لا يتعلم الطفل تهدئة نفسه، فإنّه لن يتمكن من التعامُل مع مشاعر القلق والإحباط، التي يُواجهها بصورة دائمة في حياته اليومية. عندما تُسارع الأُم، نتيجة شعورها بالقلق، إلى مساعدة طفلها أو "تتدخل" لحل مشكلته، قد يشعر الطفل عن وعي أو عدم وعي، بأن تدخل الأم يعني أنّه عاجز ولا يملك القدرة على تسوية أموره بنفسه. والطفل الذي تقوم الأُم بتأدية عمله عنه، يُجرد من خوض تجربة المحاولة والخطأ التي يحتاج إليها بشدة في حياته المستقبلية، كما يؤثر تدخلها في ثقته بنفسه وإحترامه ذاته. والأُم التي تتدخل عندما تشعر بأن طفلها يمكن أن يفشل، لا تفسح في المجال أمامه ليتعلم من خطئه أو من فشله. لابدّ أن يذوق الطفل طعم الفشل كي يعرف معنى النجاح ويسعى إلى تحقيقه.   -        أهمية الشراكة: على الرغم من أنّ هناك أوقاتاً تُحتّم على الأُم تقديم يد المساعدة للطفل، لكن "التدخل" الدائم لا يساعد الطفل على تطوير حس المنافسة عنده، أو القدرة على التعامل مع مشاعره وإنفعالاته. بدلاً من تدخل الأُم السافر لحل مشاكل طفلها، عليها أن تبحث معه كيفية حل المشكلة، فهذا يجعله يشعر بأنه شريك، الأمر الذي يعزز من إحترامه ذاته ومن ثقته بنفسه. إنّ الإفساح في المجال أمام الطفل كي يشعر بعدم الراحة، يدل على ثقة الأم بأن في إمكان طفلها إيجاد الوسيلة ليكتشف ماذا يريد وكيف يصل إليه. من المهم أن تُبيّن الأُم لطفلها أن لا بأس من الجهاد، فالجهاد تجربة إنسانية، لابدّ أن يمر بها كل شخص ليتعلم معنى المعاناة حتى يستطيع مُواجهة الصعاب.  

-        تصحيح التصرّف: يتعرَّف الطفل إلى مشاعر مثل الغضب، القلق، الأُم، الفرح... إلخ، أثناء نموّه. وبما أن هناك رابطاً بين تصرفات الطفل ومشاعره (ضرب الأم أو الشقيق عندما يكون غاضباً، البكاء إذا لم تُلبَّ مطالبه، تحطيم ألعابه إذا رفضت الأم السماح له بمشاهدة التلفزيون.. إلخ)، تفترض الأُم خاطئة، أنّ التدخّل لتصحيح المشاعر يؤدي إلى تصحيح التصرف. ولكن، لا علاقة لهذا الافتراض بالحقيقة، على الأُم أن تُدرك أن معالجة مشاعر الطفل عندما يكون غاضباً أو محبَطاً هو أسلوب غير بَنّاء. كما أنّ على الأُم تعليم الطفل خطر النار قبل أن يحترق أي شيء في المنزل مثلاً، وعليها أيضاً تعليمه في الوقت المناسب، التصرفات الجيدة قبل حصول الكارثة. كذلك ألا تحاول تعليم الطفل التصرفات الحسنة عندما يكون غاضباً، يبكي ويصرخ ويحطّم الأشياء. إنما، يمكنها الإستفادة من هذا الوضع الخطر لتعليم طفلها التصرف الجيِّد، بعد أن يهدأ ويكون مستعداً للإصغاء إليها. معظم الأُمّهات يحاولن التعامل مع مشاعر الطفل أوّلاً، إعتقاداً منهنّ أنّ المشاعر أو الانفعالات هي السبب وراء التصرف السيئ. إذا غضب الطفل وحطم لعبة شقيقته، من غير المجدي سؤاله: "ما سبب غضبك؟" أو "لماذا حطمت لعبة شقيقتك؟". لأنّ هذه الأسئلة تركز على إنفعالات الطفل أو على الفعل نفسه، وليس على ما كان يدور في رأيه في تلك اللحظة، ودفعه إلى التصرف بتلك الطريقة، وهو الأمر الذي يجب أن تأخذه الأُم في الإعتبار. بما أن هدفها هو مساعدة طفلها على حل المشكلة التي أطلقت شرارة غضبه، عليها التركيز على معرفة السبب، وعلى التعاون مع طفلها لإيجاد الحل لا أن تحلّ المشكلة وحدها.   -        إختلاف: تختلف ردّات فعل الأطفال نحو "تدخل" الأم باختلاف شخصية الطفل، فالبعض منهم يُراقب ويسمع لكنه لا يفعل شيئاً، في حين يقاوم البعض الآخر ويُعاند. مثلاً، عندما تقول الأم لطفلها: "لا تستطيع ركوب الدراجة الآن، لأن وقت الطعام قد حان"، قد يهز الطفل كتفيه ويقول "حسناً" ويعود إلى المنزل. لكن، قد يتصرف طفل آخر بجرأة أكبر في حل مشاكله. مثلاً، لو قالت أم أخرى لطفلها الكلام نفسه، فمن الممكن أن يرد بغضب قائلاً: "لا أبالي. إن صديقي يركب دراجته الآن وأريد أنا أن أركب دراجتي"، ثمّ ترتفع نبرة صوته تدريجياً أثناء الإحتجاج، فيزداد شعوره بالغضب والإحباط. من المحتمل أن تكون الفكرة المسيطرة على ذهن هذا الطفل في تلك اللحظة هي أن قرار الأُم غير عادل، ولا يحق لها منعه من ركوب الدراجة، خاصة أن أمهات الأطفال الآخرين سمحن لأطفالهنّ بركوب دراجاتهم. أو يمكن أن يُثير موقف الأم "تدخلها" ردود فعل سلبية وانفعالية عند الطفل فيغضب ويُعاند. في هذه الحالة، على الأُم تعليم طفلها التركيز على الفكرة الأساسية التي دفعته إلى التفكير في أن قرارها لم يكن عادلاً، وعلى التصرف غير المناسب الذي إستخدمه لحل مشكلة قرارها غير "العادل". يجب أن يعرف الطفل أنّه لا يوجد عدل في الحياة. وهذا يؤدي إلى الشعور بالإحباط. أو أن هناك أوقاتاً يرغب فيها الإنسان في عمل شيء ما، لكن الوقت لا يكون مناسباً تماماً، هذا بدوره يؤدي إلى الشعور بالغضب والإحباط إذا لم يستطِع أداء العمل بالطريقة المناسبة وفي الوقت المناسب. على العموم، من المهم أن تدرك الأُم أن رد فعل طفلها نحو "تدخلها" لا يدل في أحيان كثيرة، على أنّه طفل عنيد أو مُشاكس، بل على رغبته في امتلاك القدرة على حل مشاكله وتسوية أموره من دون تدخل من طرفها.   -        نعم للمساعَدة لا تتدخّل: بالتأكيد، تهدف الأم من وراء تدخلها إلى تنشئة طفل آمِن، سعيد، كفء، قادر على الاعتماد على نفسه، قوي الشخصية.. إلخ. ولكن عليها أن تدرك أن كل هذه الصفات تستدعي أن يطوّر الطفل من قُدراته الذاتية، حتى يتمكن من التعامل بكفاءة ونجاح مع التحديات والمصاعب التي تواجه يومياً في الحياة، وأن يشعر بكفاءته وبثقته بنفسه وبقدرته على حل مشاكله وحده، مع تقديم يد المساعدة له للتعامل بفاعلية مع التحديات لا بالتدخل. أنّ تعمل الأُم على تقديم الدعم لطفلها بطُرق تدل على نيّة المساعدة لا "التدخّل"، هو جزء من عملية تنشئة طفل مَرِن. والمرونة تتضمّن قدرة الطفل على التعامل بفاعلية مع مشاعر الإحباط والغضب والقلق، والتغلب على التحديات اليومية، والنهوض ثانية بعد الفشل، وعلى تطوير أهداف واضحة وواقعية، وعلى التعامل مع الآخرين براحة وثقة بالنفس، وعلى احترام نفسه والآخرين.   -        أدلّة: إليك أربعة أدلّة تساعد على حل مشكلة التدخل. إذا تم تطبيق هذه الأفكار عندما يكون الطفل صغيراً، فهذا يساعد على تجنّب التدخل عندما ينمو. إذ إنّ إحتمالات أن يصغي الطفل إلى أمه ويتجاوب مع مطالبها، تزداد أكثر عندما يكون الطفل صغيراً. 1-    معرفة الطفل: تتطلب معرفة الطفل قدرة على التماثُل مع مشاعره وأفكاره مواقفه. على الأُم أن تسعى جادة إلى فهم وجهة نظر طفلها. لأنّ هذا يساعدها على التواصل معه، وعلى تجنب "التدخل" لحل مشاكله عنه، بل مشاركته في حلها. مثلاً، إذا كان الطفل يواجه صعوبات في الدراسة، على الأُم ألا تطلب منه بذل المزيد من الجهد، بل يمكنها القول: "أرى أن لديك مشكلة في حل واجبك المدرسي، ربما نستطيع معاً أن نتوصل إلى طريقة تسهل عليك الأمر". بهذه الطريقة تُعزز الأُم من ثقة طفلها بنفسه وبقُدراته وبتطوير مهارات مثل: حل مشاكله بنفسه، تحمل المسؤولية، التعاطف مع الآخرين، وإقامة علاقات إجتماعية ناجحة. أن تتعرف الأُم إلى طفلها والتعامل معه على هذا الأساس، هو بمثابة رسالة إلى الطفل بأنها تهتم لأمره، وتتفهّم وجهة نظره، وتتقبّل آراءه. وفي الوقت نفسه، يساعدها ذلك على إيجاد سُبل لتأكييد ما يقول الطفل ويحاول تحقيقه. وهذا لا يعني الموافقة على كل ما يقول، أو يفكر فيه، أو يؤمن به، أو يفعله، ولكنه يعني الإعتراف بما يقول. 2-    إلتزام الصمت والإكتفاء بالمراقبة والإصغاء: على الأم أن تتعلم بداية المراقبة والإصغاء. فكما تراقب الأُم طفلها عند البدء في خطواته الأولى من دون تقديم النصائح عند البدء في خطواته الأولى من دون تقديم النصائح أو انتقاده، عليها أن تتراجع وتراقبه وهو يحاول بأمان، القيام بعمل ما ويرتكب الأخطاء ويفشل، إلى أن يتمكن في نهاية الأمر من النجاح في تنفيذ العمل. في معظم الحالات، يُعتبر وجود الأم إلى جانب طفلها ودعمه أكبر مساعدة يمكن أن تقدمها له. لكن التدخل الزائد يمكن أن يجرد الطفل من تطوير قُدراته في الاعتماد على النفس ومن المرونة. مثلاً، إذا كان طفل في عمر خمس سنوات، يحاول بناء مبنَى من المكعبات الخشبية وكانت المكعبات تسقط باستمرار، فبدلاً من أن تُسارع الأم إلى إنجاز العمل، أو إلى إنتقاد الطفل وتوبيخه بالقول: "إنّ المكعبات تتساقط لأنك لست حريضاً. إنك تندفع دائماً في عمل الشيء وتحاول إنجازه بسرعة". من الأجدى القول له: "من غير السهل وضع المكعبات فوق بعضها بعضاً من دون أن تسقط. هل يمكن أن تفكر في طريقة تستطيع بها إنجاز البناء من دون سقوط المكعبات؟". بهذا التصرف، تبعث الأم برسالة إلى طفلها تُبيّن له أنها تُقدّر جهوده لأنّ العمل صعب، وأن في إمكانه التوصّل إلى حلول أخرى إذا فكر قليلاً. 3-    الفهم قبل رد الفعل: أحياناً، لا يرغب الطفل في مساعدة الأُم، لأنّه يرى أن مساعدتها تدخُّل في حياته، أو أنها دليل على عدم ثقتها بقُدراته. وفي أحيان أخرى، لا تتناغم المساعدة المقدمة مع المشكلة التي يدركها الطفل. عندما يرفض الطفل مساعدة الأُم أو يغضب منها، تنزعج فتنسحب أن تأمره، بأسلوب يمكن أن يستدل منه الطفل أنها تستخف بقدراته على تنفيذ العمل. إذا استطاعت الأُم فهم التجربة التي يمر بها الطفل، مثل ذلك الطفل الذي كان يحاول بناء مبنى من المكعبات الخشبية، أو الذي كان يواجه صعوبات في إنجاز واجبه المدرسي، عندها تكون ردّات فعلها وتعليقاتها على عمل طفلها إيجابية. مثل: "هل مساعدتي ضرورية؟"، أو "إذا كنت في حاجة إلى مساعدة فأنا مستعدة"، أو "إذا أسأت فهمك أرجوك قل لي". إذ من المحتمل أن يتقرب الطفل من الأم أكثر ويطلب مساعدتها ودعمها إذا خلقت جوّاً جعله يشعر بأنها مهتمة حقاً بفهم وجهة نظره. فإذا كانت تريد خلق مثل هذا الجو، عليها أن تفكر قبل أن تتصرف، وأن تفهم قبل أن تُقدم على أيّة خطوة. 4-    الإطراء والصبر: يعتقد الطفل أنّ الأُم مثل النائب العام الذي يذكر الأخطاء فقط، ولا يفكر إطلاقاً في ذكر الحسنات. إنّ الأُم التي تساعد الطفل على حل مشاكله أكثر من تدخلها لحلها بنفسها، تميل بتفكيرها إلى تقديم الدعم الإيجابي لطفلها، مقارنة بالأُم الميّالة إلى التدخل. عندما تتدخل الأُم، تركز حتماً على الخطأ لا على إنجازات الطفل. مثلاً، إذا قام الطفل بجمع ألعابه ووضعها في مكانها، لكنه ترك لعبة أن لعبتين على الأرض، وهذا أمر طبيعي، على الأُم أن تمدح العمل الذي قام به لا أن تركز على الألعاب التي تركها على الأرض. على الأُم أن تُدرك أنّ التعلّم يحتاج إلى وقت وجهد وصبر وتمرين. قد يصعب على الأُم أن تكون صبورة أحياناً، خاصة إن كان طفلها مُفْعماً بالنشاط والحركة. ولكن، إن كانت صبورة وتشجع طفلها باستمرار، وكانت تتفهّمهُ جيِّداً، تكون الفرصة أمامها أكبر لتعليم طفلها بطُرق تُعزز من مهارات الثقة بالنفس، والاعتماد الكلّي على الذات في حل المشاكل ومواجهة الصعوبات.►

ارسال التعليق

Top