• ٢١ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ١٩ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

ترويض النفس المؤمنة على التقوى

عمار كاظم

ترويض النفس المؤمنة على التقوى

ان النفس البشرية مستقرٌ للفجور والتقوى، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، غلبت عليه صبغة التقوى في نفسه، وساقته الى مكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات، ومن أعرض عن الدين والايمان، غمره الفجور، وغرق في الضلال. (ونفْس وما سواها * فألْهمها فجورها وتقْواها) (الشمس/ 7-8).

وقد مكن الله عزوجل، الانسان من التصرف في نفسه، ومنحه القدرة الكافية لتحديد وتغيير مسار النفس، وتركه مخيرا لا مسيرا، يختار بنفسه لنفسه الطبيعة التي يفضلها، ان كانت فجورا أو تقوى. وبذلك يصرح امام المتقين، أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول: «انما هي نفسي، أروضها بالتقوى، لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، وتثبت على جوانب المزلق». أي يحملها ويمرنها على التقوى، وان كان ذلك عسيرا بعض الشيء، ولكنه يملك من القدرة أن يوطن فيها التقوى، ويجنبها الفجور والانحلال. ينبه الامام (عليه السلام)، أن النفس المؤمنة، تلك التي تفرض على ذاتها قيودا خاصة في هذه الدنيا، لتحقق المكاسب الأخروية، لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر.. لتسعد بالنعيم والراحة عند الله. ان الله تعالى، أرشد بني البشر، الى أن اختيار الفجور سيؤدي - لا محالة - الى التهلكة والدمار، وعبر سبحانه وتعالى عن فجور النفس، بالطغيان في بعض الأحيان. (فأما منْ طغى * وآثر الْحياة الدنْيا * فان الْجحيم هي الْمأْوى) (النازعات/ 37-39). وان اختيار التقى سينتهي بالانسان الى السعادة والخير لا محالة. (وأما منْ خاف مقام ربه ونهى النفْس عن الْهوى * فان الْجنة هي الْمأْوى) (النازعات/ 40-41).

وبهذا الشكل تحصل النفس على الاستقرار والاطمئنان، لأنها تعيش في كنف الله وتحيا مع الايمان والهدى. ان الحياة تكون أجمل وأحلى، لو عاشها الانسان بهدوء البال، واطمئنان الخاطر، ويزداد عطاء الانسان، ويتضاعف عمله، ان كانت نفسه آمنة مستقرة ولا يتم ذلك الا بالاستناد الى الله تعالى، والالتزام بمنهجه السامي، والاعتماد عليه في كل الأمور، وفي كل الأحوال. ان نفس المؤمن متصلة بالسماء، تسترشد بها، وتستمد منها الهدوء والسكينة والقوة والعزيمة، والاصرار على مواصلة العمل الصالح، واسعاد النفس في الدارين. قال تعالى: (هو الذي أنْزل السكينة في قلوب الْمؤْمنين ليزْدادوا ايمانا) (الفتح/ 4)، وقال جل جلاله: (ألا بذكْر الله تطْمئن الْقلوب) (الرعد/ 28).

المؤمن تختلف نظرته الى الحياة عن غيره لأنه سوف ينظر بعيدا... ينظر الى الحياة الآخرة... ويحسب لها حساباته النفسية، والسلوكية، بخلاف من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، فانه يرى هذه الدنيا، هي البداية وهي النهاية، وتقوم حساباته على هذا الأساس، فتطغى عليه نوازع الشر، ويذوب في المادة، وفي الدنيا، لا يهتم الا بالجانب الذاتي في سلوكه مع الآخرين، وتموت في نفسه القيم والمبادئ، وتضيع لديه الموازين والمعايير الأخلاقية، لا يتحرك الا اذا كان في تحركه مردود مادي، ليحقق المكتسبات الشخصية، لا يهمه أحد سوى نفسه. فهو لا يؤمن أساسا بالعمل الصالح، والأخلاق الدينية الفاضلة.

يقول القرآن الكريم: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكْتوبا عنْدهمْ في التوْراة والانْجيل يأْمرهمْ بالْمعْروف وينْهاهمْ عن الْمنْكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليْهم الْخبائث ويضع عنْهمْ اصْرهمْ والأغْلال التي كانتْ عليْهمْ فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنْزل معه أولئك هم الْمفْلحون) (الأعراف/ 157). ان هذه الآية القرآنية الشريفة، وغيرها من الآيات الكريمة، ترسم للمؤمن نهجا حياتيا، وتجعله على هذا النهج، يكيف نفسه وفقه، ويتبع خطوطه ومنحنياته، فهو يرى كل حلال طيبا، تستطيبه نفسه، وكل حرام خبيثا تأباه نفسه، ويرى في العبودية لغير الله، غلا وقيدا يحاول أن ينفك عنه جهد امكانه، ويعتقد أن الدين الالهي الذي يعتنقه، هو النور الذي يستكشف به دروب الحياة الحالكة، ويهتدي به في ظلمات الدنيا.. انه يحيا لله، ويعمل لله وللناس.. ويخطط للآخرة أكثر مما يخطط للدنيا، وتنعكس كل معتقداته الدينية على نفسه، وتلقي بظلالها على كل تحركاته في هذه الحياة.

ارسال التعليق

Top