• ٢٣ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢١ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

تفهم صفة الخجل لدى الأطفال

تفهم صفة الخجل لدى الأطفال

من المعروف أنّ الخجل هو سمة شخصية وليس عيباً خُلقياً. إلّا أنّ كثيرين لا يفهمون أسباب خجل الطفل فيعتقدون أنّ الطفل يعاني مشكلة ما. قد يشعر الأهل بالقلق مثلاً، عندما يصمت طفلهم أثناء وجوده بين حشد من الناس، ويعتقدون أنّ سلوك طفلهم هذا يعود إلى عدم تقديره ذاته تقديراً عالياً. وهذا غير صحيح لأنّ معظم الأطفال الخجولين يقدّرون ذواتهم عالياً، ويملكون سلاماً داخلياً. إنّ الطفل الخجول الذي يقدّر ذاته عالياً ويستطيع أن يضع عينه في أعين الآخرين، هو في الحقيقة طفل مهذّب وهادىء ويشعر الناس بالراحة في وجوده. ويتّصف بعض الأطفال الخجولين بالحذر والتفكير العميق، إلّا أنّ هذا لا يعوقهم عن التفاعل مع الآخرين، خاصّة إذا شعروا بالارتياح نحوهم.

قد يكون الخجل في بعض الحالات دليلاً على وجود مشكلة لدى الطفل. ومن المعروف أنّ الطفل الذي يعاني مشاكل داخلية، هو أكثر من خجول. فهو كثير التحفّظ ومنغلق على ذاته ويتجنب أن تلتقي عيناه أعين الآخرين، ولا يشعر الناس بالراحة في وجوده. وإذا حاول أحد سبر أغواره، يكتشف أنّ تصرفاته ناجمة عن غضب أو خوف وليس عن سلام وثقة.

ويلجأ بعض الأطفال إلى الاختباء وراء الخجل ليخفوا ذواتهم التي لا يحبونها، فيشعرون بالأمان إذا أخفوا حقيقتهم. ويمكن أيضاً أن يتخذ الطفل من الخجل عُذراً لكي لا يطوّر مهاراته الاجتماعية، وسبباً لعدم ممارسته أي أنشطة اجتماعية. كما يمكن أن يستخدم الطفل، الذي يفتقر إلى الدافع إلى التواصُل مع الآخرين، الخجل للدفاع عن عدم محاولته بذل المزيد من الجهد في هذا الاتجاه. ويشكل الخجل لمثل هذا الطفل عائقاً أمام تعزيز ثقته بنفسه. إنّ الطفل الذي يحب الابتسام في وجه الغرباء، والتلويح بيديه لهم وهو في عمر السنتين، يمكن أن يتحوّل إلى طفل صامت عندما يصبح في عمر الثلاث أو الأربع سنوات. ويعود السبب في ذلك، إلى أنّ الطفل في عمر السنتين يكون أكثر انفتاحاً ويتصرّف تلقائياً من دون التفكير في تبعات العلاقات الاجتماعية. فالأطفال بين عمر السنتين والأربع سنوات يمرون في العادة بمرحلة تتصف بالقلق من الغرباء، والخوف من الأشخاص الذين لا يعرفونهم.

يعتقد التربويون، أنّ الخجل يزداد عند الأطفال مع تقدم العمر. فبينما تكون نسبة الأطفال الخجولين في عمر أربع سنوات لا تزيد على 20%، فإنّها ترتفع إلى 50% عندما يصبحون في سن المراهقة. وبما أنّه من المستحيل على الأُم معرفة ما إذا كان خجل طفلها فطرياً، أو أنّه مجرد تصرف طفولي عادي، فأنّ عليها البحث عن «علاج» لخجله. وبدلاً من القلق عليه، عليها إيجاد الحلول التي تساعده على تكوين مشاعر جيِّدة نحو ذاته ونحو الأخرين، وعلى التواصل بإيجابية مع الأطفال الخجولون، حتى أولئك الخجولون بالفطرة، من الممكن أن يصبحوا ودودين وواثقين بأنفسهم عندما يكبرون. وتستطيع الأُم مساعدة طفلها على الوصول إلى هذه الغاية إذا عملت على اتّباع ما يلي:

تقبُّل خجل طفلها: من الصعب على الأُم تَقبُّل خجل طفلها إذا كانت هي نفسها اجتماعية بطبعها. ولكن، من المهم أن تقبل الأُم خجله. فالطفل شخص مستقل وليس صورة مصغرة عن أُمه. لذا، عليها ألا تتوقع أن يكون مثلها، أو يتصرف وفقاً لطريقتها عندما يكون في عمر السنتين أو الثلاث سنوات. فإذا اعتبرت الأُم أنّ خجل طفلها معيب، أو إذا عبّرت عن قلقها، ولو بطريقة لطيفة، بسبب افتقاره إلى الشجاعة الاجتماعية، أو إذا لّمحت أمامه إلى أنّ تصرفاته تسبب لها الإحراج، فقد يتسبب ذلك كلّه في زيادة خجل طفلها. من المهم جداً أن تبيّن الأُم حبّها لطفلها، سواء أكان خجولاً أم لا، فحبّها له يكسبه الثقة بالنفس، والقدرة على التغلب على خجله إذا كان خجولاً.

عدم إطلاق صفة معينة عليه: أنّ إطلاق صفة «الخجل» على الطفل عند التحدث إليه، أو التكلم عن خجله أمام الآخرين في وجوده، سيرسّخ هذه الصفة في ذهنه ويتقبّلها على أنّها حقيقة ثابتة. إنّ هذا التصرف من قِبل الأُم، قد يؤدي إلى تأييد صفة الخجل عند طفلها حتى لو لم يكن خجله فطرياً. وقد يستخدم الطفل هذه الصفة كمبرر لتجنب القيام بأمور لا تعجبه أو تُشعره بعدم الراحة. فيردد في نفسه: «أنا خجول، لذا لست مضطراً إلى فعل هذا الأمر». ومن المهم أن تتجنب الأُم الإشارة إلى الأطفال الاجتماعين والمنفتحين أو مدحهم أمام طفلها الخجول، وألّا تقارن بين أدائهم الاجتماعي وأداء طفلها. لأنّها بذلك تخاطر بإيذاء شعوره وتؤثر في اعتزازه بنفسه. فمن المعروف أنّ افتقار الطفل إلى الاعتزاز بالنفس يمكن أن يزيد من خجله.

تفهُّم سلوكه: من الصعب على الطفل ألا يشعر بالخجل إذا دخل غرفة مليئة بأطفال آخرين، خاصّة إذا كانوا يلعبون معاً كفريق، أو إذا كان كلّ طفلين منهم يلعبان معاً، حتى لو لم يكن طفلاً خجولاً في الأصل.

في مثل هذه الحالة، على الأُم أن لا تسخر من شعور طفلها الصادق ومن تردده في دخول الغرفة، بل عليها أن تقدم له كلّ الدعم الذي يحتاج إليه وتشجعه، ليتمكن من التغلب على قلقه، وبالتالي على خجله، وإذا كان طفلها يشعر بالقلق في حالات معينة، عليها ألا تجبره على مواجهة مثل هذه الحالات، وفي الوقت نفسه، عليها ألا تسارع إلى إنقاذه إذا واجه حالات تسبب له القلق، بل يجب أن تعطيه فرصة ليحاول ويجرّب بنفسه قبل أن تحكم عليه بالفشل مسبقاً.

تشجيعه على التفاعل الاجتماعي: من غير المفروض على الأُم أن تدفع طفلها إلى التفاعل اجتماعياً مع الغير، إلّا أنّ عليها أن تشجعه على المشاركة في الأنشطة مع أطفال آخرين، وأن تساعده على كسر الجليد عند الضرورة. بدايةً، قد يجد الطفل أنّ من الأسهل عليه التفاعل اجتماعياً مع الأطفال الأصغر منه سناً، وذلك لعدم شعوره بأنّهم يشكلون تهديداً له. وبما أنّه الأكبر سناً بينهم سيشعر بثقة أكبر. وقد لا يجد مشكلة في التفاعُل مع مَن هم أكبر منه بسنة أو سنتين إذا كان يتقبّل وضعه كتابع لهم. بشكل عام، يجب أن يعتمد اختيار الأُم أنداد طفلها على صفاتهم السلوكية وليس على أعمارهم. فتختار مثلاً أطفالاً هادئين لا عدوانيين ليلعب طفلها معهم، بغض النظر عن أعمارهم. وعلى الأُم أن تشجع طفلها على أقامة الصداقات وعلى بناء الثقة بالنفس والاعتزاز بها، وأن تساعده على أن يشعر بقيمة ذاته، وأن تعلمه ما الذي يجب فعله عندما يشعر بالقلق من وضع ما، مثل التفكير في الأشياء السارّة أو أخذ نَفَس عميق.

تدريبه على التواصل: بدلاً من أن تضغط الأم على طفلها ليلعب مع الآخرين، يمكنها أن تدرّبه على التواصل معهم، وذلك بأن تلعب دور طفل يتسكّع في أرجاء الملعب ويرغب في دخوله، لكنّه خائف من المحاولة، ثم تطلب من طفلها النصيحة عما يجب عمله، ومتى يمكنها الطلب من الأطفال الآخرين دخول أرض الملعب والاشتراك في اللعب، والمشورة في توزيع الأدوار على الفريق. وبما أنّ الأطفال يمتازون بقدرتهم على تقليد تصرفات البالغين، فإنّ لعب الأُم هذا الدور سيتشجع طفلها على التغلب على خجله والانضمام إلى الآخرين.

تحضيره لمواجهة الأوضاع المستجدة: يتحسس بعض الأطفال من أي تغيير قد يطرأ على محيطهم. لذا، على الأُم تهيئة طفلها لتقبُّل الأوضاع الجديدة، ما يساعده على التفاعُل معهما بطريقة أفضل. مثلاً، إذا كانت تنوي المشاركة مع طفلها في حدث اجتماعي ما، عليها أن تعده لمثل هذا الحدث ليعرف تماماً ما ينتظره، وذلك بذكر أسماء الأطفال أو البالغين المشاركين في الحدث والأنشطة التي سيمارسونها، وما يتوجب عليه فعله عند الوصول إلى المكان. ولكن، على الأُم أن تكون حذرة من رد فعل طفلها. فالمبالغة في تحضيره يمكن أن تزيد من قلقه واضطرابه بدلاً من التخفيف منهما. وإذا اصطحبت الأُم طفلها الخجول إلى المدرسة في اليوم الأوّل من التحاقه بها، عليها أن تحرص على أن يصل إليها قبل الأطفال الآخرين، حتى يتمكن من التأقلم معهم بسهولة عند وصولهم، فيشاركهم اللعب من دون شعور بالحرج أو الخجل. فوصول الطفل متأخراً، يحوّل كلّ الأنظار إليه، ما يتسبّب في إحراجه، حتى لو كان كبيراً في السن. كما أنّ عليها الوصول باكراً مع طفلها إلى الحفلات والأنشطة المدرسية، تجنباً لإحراجه وإرباكه. أما في حال وصولهما متأخرين، فعليها أن تشرح له ما يجب عليهما فعله عند دخول الحفل، فتقول له مثلاً: «علينا أن ننزع الجاكيت عند الوصول، ثم نضع الهدية على الطاولة إلى جانب الهدايا الأخرى. وبعدها، سأصطحبك للعب مع الأطفال الآخرين». وحال دخول الحفل، عليها اتّباع الخطوات التي ذكرتها لطفلها.

تجهيزه بما يلزم: من المعروف أنّ حضور مناسبة اجتماعية يكون أسهل إذا حمل الشخص معه هدية، مهما صغرت. وينطبق هذا على الطفل. فالطفل الذي ينضم إلى فريق من الأطفال حاملاً لعبته بيده، على شاكلة دمية أو لعبة محشوّة على شكل حيوان، تزداد ثقته بنفسه. فالدمية تمنحه الشعور بالأمان، لأنّها لعبة في الدرجة الأولى، ولأنّها بمثابة «جواز دخول» إلى فريق الأطفال. لذا، يجب أن تحرص الأم على إعطاء طفلها لعبة في يده عند ذهابه إلى بيت طفل آخر ليلعب معه، وأن تساعده على اختيار اللعبة التي يُفضّل.

مساعدته إن كان في حاجة إلى ذلك: إذا لاحظت الأُم أنّ طفلها أخذ يُراقب فريقاً من الأطفال يلعبون معاً وتردّد في الانضمام إليهم، على الرغم من رغبته في ذلك، عليها أن تحاول مساعدته، وذلك بالاقتراح عليه أن يذهب ليري الأطفال لعبته. واذا لاحظت أنّ طفلها يريد منها أن تذهب معه، عليها ألا تتردد في ذلك وأن تبقى إلى جانبه لفترة من الوقت، حتى يتغلب على خجله، ويبدأ في التفاعُل مع الأطفال الآخرين.

تجنب الضغط عليه: من المؤكد أنّ الأُم ترغب في مساعدة طفلها الخجول. ولكن عليها أن تكون حذرة وأن تتجنب الضغط عليه. إذ كلما زاد ضغط الأُم على طفلها، ازداد خجله وتقوقعه على نفسه. تستطيع الأُم مساعدة طفلها على التخلص من خجله، وذلك بخلق بيئة مناسبة تسمح لشخصيته الاجتماعية بالتطوّر، وعدم الإشارة باستمرار إلى خجله. فبدلاً من استخدام لفظ «خجول» لوصف حالة طفلها، ما يؤثر في طريقة تعامُل الآخرين معه، يمكنها استخدام تعبير ألطف من مثل «طفل مُتحفّظ» وذلك لن يتسبب في إحراجه ويؤثر في تعامُل الآخرين معه. فإذا أرادت الأُم اصطحاب طفلها لزيارة عمته مثلاً، عليها تجنب القول له: «لا تكن خجولاً. إنّ عمّتك لن تؤذيك». فمثل هذا التنبيه يدفع الطفل إلى الصمت وإلى زيادة شعوره بالخجل، خاصّة إذا كان الطفل واعياً لذاته. فبدلاً من تحذيره، عليها أن تعلمه كيف يُحيِّي عمّته، وأن تطلب منه أن يتصرف بأدب، وأن تشجعه على أخذ لعبة معه، قد تكون هي مَدْخله للتواصُل مع عمّته.

ارسال التعليق

Top