• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تقوى القلوب

عمار كاظم

تقوى القلوب

يقول جلّ وعلا: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج/ 32).. الشعائر الدينية هي مظاهرُ العبادة، وتقاليدها، وممارستها، وشعائر الحجّ: أعمالهُ ومناسكهُ، والشعيرةُ ما ندبَ الشرعُ وأمرَ بالقيام به في العبادات والمعاملات والعلاقات. احترامُ هذه الشعائر بالالتزام بها دليلُ التقوى واستشعار عظمة الله في تشريعه لحدوده، واستحضاره - جلّ جلاله - في وعي المعظِّم للشعائر على أنّها وصفة ربّانية في تكامله، وصلاحه، وسعادته، ونجاته، وهي ليست وصفة موسمية خاصّة بشهر الصيام، أو شهر الحجّ، إذ كلّ المندوبات في هذه الأشهر، مندوبة في غيرها من الشهور، وكلّ المحظورات فيها، محظورة في باقي الشهور، ما عدا استثناءات خاصّة هنا وهناك. الأمر الذي نفيد أو نخلص منه إلى حقيقة أو ضرورة الانطلاق من تقوى الذات إلى تقوى الحياة، إذ إنّ مراعاة الإنسان الفرد للتقوى له آثاره الإيجابية ولا شكّ.. أمّا إذا اتّسع إطار التقوى ليكون مجتمعياً، ويكون الأخذُ به من قبل جماعاتٍ وليس أفراداً، عندها تكون فضيلة التقوى كأيّ خُلقٍ ربّاني آخر يُتاح له الانتشار، في نصابها وموضعها اللّائقِ بها، ولا تكون مجرّدَ زينة ذاتية، أو لباساً لبعض الناس.

والتقوى ـ في ما نفهمه ـ هي الإسلام بمعناه الحيّ المتحرّك. فقد يمكن لقائل أن يقول: إنّها التلخيص العملي لكلمة الإسلام، لأنّها تشمل الجانب الفكري الذي يمثّل العمق الداخلي، والجانب العملي الذي يمثّل الحركة الخارجية له؛ وذلك بأن تنطلق في فكرك وعملك وعاطفتك وعلاقتك وتعاملك مع الآخرين، من خلال رِضا الله في أمره ونهيه في عملية التزام وانضباط؛ «فلا يفقدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك»، وأن تملك إرادتك في مواقع حركة المبادئ في الحياة، بين يدي ربِّك، فلا تسقط التزاماتك أمام ضغط شهواتك ومطامعك. وهذا ما يستهدفه الإسلام في تخطيطه لبناء الشخصية الإسلامية، في تشريعه الذي يريد أن يجعل من التزام الإنسان بأحكام الله، حركةً يوميةً تجدّد في داخله الإحساس الدائم بحضور الله ومسؤوليته في إطاعة أوامره ونواهيه، لئلا يكون هناك خللٌ في داخل الشخصية بين طبيعة الإيمان والعمل، بل على العكس من ذلك، تقوم كلّ منهما لدعم الآخر. هذا ما يجب أن نركّزه في أسلوب التربية للمؤمنين، ولا سيّما العاملين منهم، من أجل الابتعاد عن الجفاف الروحي الذي قد يعانيه المؤمن من جرّاء التأكيد على جانب العمل بعيداً من روحية التقوى. والتقوى - كما نفهمُ من عديد نصوصها - ترى أنّ الله أهلٌ للعبادة، وهو يُعبَدُ لذلك، لا طمعاً بجنّته ولا خوفاً من ناره، وعبادة الأحرار المُشار إليها في نصّ الإمام أمير المؤمنين (علیه السلام)، مُرتقىً صعب؛ لكنّها جبلٌ عالٍ قابل للتسلُّق، ولو إلى بعض سفوحهُ، إن لم نبلغ قممه.

ويقول أمير المؤمنين الإمام عليّ (عليه السلام) في خطبة له: «أوصيكم عباد الله بتقوى الله الذي ضرب الأمثال، ووقّت لكم الآجال، وألبسكم الرياش، وأرفع لكم المعاش، وأحاط بكم الإحصاء، وأرصد لكم الجزاء، وآثركم بالنِّعَم السوابغ، والرفد الروافغ، وأنذركم بالحجج البوالغ، فأحصاكم عدداً، ووظّف لكم مُدداً، في قرار خبرة، ودار عبرة، أنتم مختبرون فيها ومحاسبون عليها». تقوى الله تعالى تعني الصحوة في الضمير، وتعني العمل الدَّؤوب في سبيل إحقاق الحقّ والتمسّك به، ومواجهة الباطل والظلم، ومكافحة كلّ شكل من أشكال الفساد والانحراف، إنّ التقوى تعني التزام حدود الله، والتحلّي بالإخلاص، وتحمّل الأمانة والمسوؤلية، حتى تكون دنيانا ساحةً نكتب فيها مصيرنا في الآخرة، بكلّ إيمان وثبات وإخلاص وتقى.

وختاماً، حياةٌ بلا تقوى.. طريقٌ فيه الكثير من المطبّات والمنزلقات، بل والمفاجآت غير السارّة أيضاً. حياةٌ مع التقوى.. حِفاظاً على السلامتين: الذاتية والمجتمعية.

ارسال التعليق

Top