البيئة الثقافية هي الحاضنة لكل الأفكار التي تسود المجتمع، بل تشكل رحماً خاصاً تغذيها وتمدها بالنماء، وكلما ارتقت هذه البيئة وأصبحت غنية بمعطياتها شكل ذلك زخماً من القيم الإيجابية التي بدورها تحدد سلوك الأفراد، وتشكل أيضاً مرجعية يحكمون من خلالها على ما يصدر عنهم من سلوك ظاهرياً أم باطنياً كان، ففي الحرب مثلا سواء أكانت حاصلة فعلاً أم استنزافية أم حتى باردة، نجد أن هناك ثقافة تقود كل التوجهات القيمية والسلوكية، وهذه مسألة طبيعية لأنّها تشكل استجابة لواقع فرضته الحرب على الإنسان، وفي حالات السلم يجب أن تسود القيم التي تقدر الحياة والإنسان، وكل ما من شأنه أن يرفع من قيمة الإنسانية. ولكن ماذا عن ثقافة الموت؟ ومن الذي يدعمها ويشكلها؟ فإذا كانت حالات الحروب تجعل الموت حالة حتمية، فماذا عن حالات السلم أو الحالات التي نفترض أنها حالات صراع حتى وإن كانت غير ذلك، هذه الثقافة التي تروج للموت حتى إن كان عبثياً ثقافة أثرت سلباً في حياتنا، وساعد الإعلام العربي في بعض صوره ومحطاته على تثبيت هذه الثقافة ونشر مثل هذه الأفكار، فعندما يموت أناس عزل من السلاح لا ناقة لهم ولا جمل في أي صراع نجد أن هناك من يقفز ويطرب فرحاً. وعندما تنسف المباني المدنية هناك من يصرح ويرفع عقيرته ليمجد من قام بهذا الأعمال، وعندما يقتل إنسان نفسه بحجة الانتحار والتضحية هناك من يجعله شهيداً ويدخله الجنة، متناسياً أن كلمة شهيد كبيرة، ودخول في علم الله، وكأنّه يشهد مع الله والملائكة أن فلاناً في الجنة. هنا خلطوا بين الجهاد والانتحار وقتل الأبرياء وترويع الآمين، شيء مؤسف ومؤلم ما نسمعه ونراه، من التثبيت المتعمد لثقافة الموت، فبه هدم للإنسان وقيمه السامية، وبه تشجيع على الغلو والتطرف، الذي يؤدي إلى الإرهاب، والضحية هم دائماً الأبرياء، فمتى تتوقف سموم ثقافة الموت، حتى لا تجرنا إلى نتائج لا يحمد عقباها. المصدر: كتاب العيش في الحقيقة (مقالات في الفكر والثقافة)
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق