• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ثقافة ترشيد الاستهلاك في المجتمع

د. عدنان أحمد مسلم/ آمال صلاح عبدالرحيم

ثقافة ترشيد الاستهلاك في المجتمع

 ◄هل نحن حقاً بوصفنا أفراداً وأسراً ومن ثمّ بوصفنا مجتمعاً بحاجة إلى ثقافة الترشيد؟ الإجابة الفعلية هي نعم في ظل الحياة المعاشية ذات الإرتفاع المتواصل والمتطلبات غير العادية. ولكن كيف يحدث هذا في مجتمع تعود أفراده ومنذ فترة ليست بالقصيرة على ثقافة الهدر أو الإهدار؟

    تعد ثقافة ترشيد الاستهلاك، بل الإسراف، ظاهرة شبه عامة في المجتمع العربي والمجتمع السعودي خاصة وشواهدها كثيرة مثل: سعة المنازل مقارنة بعدد أفراد الأسرة في المنزل متعدد الغرف.

     تعتبر ثقافة الهدر الاستهلاكي ثقافة سلبية تؤدي إلى مخاطر لا يقتصر أثرها على الجانب الاقتصادي فقط، بل يمتد إلى الجانب الاجتماعي والسياسي، فعلى مستوى المخاطر الاقتصادية تؤدي سيادة ثقافة الاستهلاك إلى انهيار المقومات الأساسية للنمو ممثلاً في الادخار والاستثمار، فالدخل القومي هو محصلة الاستهلاك والادخار، وزيادة الاستهلاك سوف تكون بالطبع على حساب الادخار الذي يساعد على زيادة التكوين الرأسمالي مما يساعد بدوره على زيادة الإنتاج والتشغيل، ومن الحقائق الثابتة أنّ البلدان ذات الادخار المرتفع قد نمت بصورة أسرع من البلدان ذات الادخار المنخفض، كما أنّ التسليم بتعظيم الاستهلاك بوصفه هدفاً رئيساً في حياة الفرد يحول بينه وبين التضحية من أجل الآخرين، وهو الأمر الذي ينعكس أثره سلباً على نصيب الأجيال القادمة من الموارد، وفي نهاية المطاف لا يسلم أداء السوق والحكومة من التأثير السلبي لذلك الاستهلاك.

    كما أن سيادة ثقافة الاستهلاك تؤدي إلى تضاعف الحاجات البشرية وتجاوزها قدرة الموارد المتاحة على تلبيتها، وهو ما يعني ميزيداً من ارتفاع الأسعار، فضلاً عن خلق بيئة غير صحية أمام المنتج المحلي مما يعرضه للانهيار، مما يكرس مفهوم التبعية والاعتماد على الغير بديلاً عن الاعتماد على الذات.

    ولا يقل الأمر خطورة في الجانب الاجتماعي، فهجوم الثقافة الاستهلاكية يؤدي إلى مخاطر اجتماعية على الأسرة يأتي في مقدمتها نشر ثقافة الدول المصدرة، وما ينتج عن ذلك من تبعية ثقافية وفقدان للهوية، فضلاً عن افتقاد العديد من السلع لمعايير السلامة الصحية، وكذلك الحيلولة دون وجود قدوة استهلاكية من الآباء للأبناء، بالإضافة إلى إرباك ميزانية الأسرة من خلال استهلاك العديد من السلع التي لا معنى لها، وهو ما يوقع الأسرة في براثن الاقتراض، مما يؤثر على كيان الأسرة، وقد يؤدي إلى انفصام عراها.

    وعلى مستوى المخاطر السياسية يأتي في مقدمة ذلك مخاطر التبعية نتيجة الاعتماد على الغير في تلبية حاجات المستهلكين، فضلاً عما يترتب على التمادي في سياسة الاستهلاك الترفي غير الرشيد التي يمتد ضررها إلى بيان الدولة ذاتها.

    

    - الثقافة Culture وثقافة الاستهلاك Consumption Culture:

    الثقافة هي جميع أساليب الحياة ومعانيها ورموزها. وثقافة الاستهلاك Consumption Culture هي تلك الجوانب الثقافية المصاحبة للعملية الاستهلاكية. إنها مجموعة المعاني والرموز والصور التي تصاحب العملية الاستهلاكية. والتي تضفي على هذه العملية معناها وتحقق دلالتها في الحياة اليومية. وفي ضوء هذا التعريف فإنّ للثقافة الاستهلاكية جوانب مادية واضحة، إذ إنها تلتفت بالأساس حول عملية استهلاك مادي، ولكن فهم هذه الجوانب المادية لا يكتمل إلا بفهم الجوانب المعنوية المتصلة بها والتي توسع من دائرة الثقافة الاستهلاكية لتشمل المعاني والرموز والصور المصاحبة لعملية الاستهلاك المادية.

    

    - ثقافة ترشيد الاستهلاك: Consumption Rationalization Culture

    يقصد بثقافة ترشيد الاستهلاك: المعرفة المكتسبة من مصادر مختلفة بخصوص حصول كل فرد في المجتمع على احتياجاته المثلى من السلع والخدمات دون زيادة أو نقصان، كل وفقاً لجنسه وعمره ونوع العمل الذي يؤديه على أن يكون ذلك في حدود موارده المتاحة.

    

    - دور المجتمع:

    1- قيام وسائل الإعلام على اختلاف أنواعها وأهمها التلفاز بالدور الإيجابي لتعزيز ثقافة ترشيد الاستهلاك، ولتكون هذه الوسائل الإعلامية مصدراً رئيساً من مصادر المعرفة بثقافة ترشيد الاستهلاك.

    2- قيام المؤسسات التربوية والدينية والاجتماعية وشتى الجمعيات التي تهدف إلى العمل التوعوي والتربوي والإرشادي بدور فاعل في نشر ثقافة ترشيد الاستهلاك من خلال الخطط والبرامج والأنشطة التي تنفذها وبشكل خاص بين فئات الشباب ومنهم الطلبة.

    3- يتطلب من الباحثين ومؤلفي الكتب إعطاء الأهمية الخاصة لثقافة ترشيد الاستهلاك من خلال تأليف الكتب التي تحتوي على مفاهيم هذه الثقافة وإعداد الدراسات النظرية والميدانية حول موضوعات ثقافة ترشيد الاستهلاك لتصبح هذه الثقافة (ثقافة ترشيد الاستهلاك) جزءاً من الثقافة الكلية في المجتمع.

    

    - دور الأسرة:

    تؤدي الأسرة دوراً مهماً في تعزيز ثقافة ترشيد الاستهلاك من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تقوم بها، ومن خلال النموذج الصالح عبر السلوك العملي والممارسة العملية لمفاهيم ترشيد الاستهلاك أمام الأبناء في الأسرة ومن خلال الحوار الدائم مع الأبناء في أهمية مفاهيم ترشيد الاستهلاك وجعلها حديثاً أسرياً يمارس بشكل يومي، ونعتقد أنّ للطالبة الجامعية دوراً رائداً في تجسيد مهمة التوعية والمشاركة في الحوار الأسري كجزء من ممارستها ونشرها لثقافة ترشيد الاستهلاك.►

    

    المصدر: كتاب دليل الباحث في البحث الاجتماعي

 

    * أستاذان في علم الإجتماع

ارسال التعليق

Top