قال الله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ) (البقرة/ 220). قد حث الله تعالى على رعاية اليتم من خلال الآية الكريمة؛ لأنّه جزء من قوّة الأُمّة، وعنصر من عناصر الأُسرة المسلمة والمجتمع المسلم. وكفالة اليتيم تعني القيام بشؤونه من التربية، والتعليم، والتوجيه، والنُّصح، والإرشاد، والتهذيب، والقيام بما يحتاجه من حاجات تتعلّق بحياته الشخصية، وتأمينه على جسده، ونفسه، وعرضه، وماله، وعقيدته، ودينه، وأخلاقه.. والمسلم مأمور أن يُعَلّم اليتيم ممّا علمه الله، ويجود عليه بخبراته الحياتية؛ لأنّه ضعيف وعديم الدراية، ومفتقر للموجّه والمرشد.. والكفالة الحقيقية هي التي تُشعر اليتيمَ بأنّه يعيش حياة كريمة، ولا يشعر بفرق بينه وبين أقرانه ممّن ليسوا أيتاماً. ولقد قاسمت السنّةُ الشريفةُ القرآنَ الكريمَ في الدعوة إلى الإحسان إلى اليتيم، وإحاطته بالرعاية والعناية بأساليب متنوّعة، تحفّز النفوس، وتُهيّج عناصرَ الخيرِ في قلوب المسلمين للنهوض بدورهم نحو اليتيم.. يقول النبيّ محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم): «أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا - وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما» في إشارة وبشارة منه أنّ كافل اليتيم سيكون ملاصقاً له (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجنّة، فكما أنّ الأصبعين (السبابة والوسطى) متلاصقان جدّاً أكثر من غيرهما، فإنّ مُكرِم اليتيم سيكون ملاصقاً للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في الجنّة.
رعاية الأيتام والتحنّن عليهم مؤشِّر على سلامة المجتمع وتكاتفه وتعاضده، فالمجتمع الذي لا يكرّم أيتامه مجتمع مفكّك، وهذا أمير المؤمنين يوصي بالأيتام حتى لحظة وفاته، فعنه (عليه السلام) – في وصيته قبل الموت: (الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «مَن عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّوجلّ له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار»). وقال تعالى: (وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا) (آل عمران/ 37). ولا يخفى أنّ كفالة نبيّ الله زكريا (عليه السلام) لمريم (عليها السلام) لم تكن كفالة مادّية بل معنوية.. فالرعاية التي يستحقّها اليتيم ليست دائماً رعاية مادّية، بل هناك رعاية معنوية ونفسية واجتماعية وغير ذلك، ومن الواجب ألّا نقصّر فيها. وهذا خير دليل على أنّ الكفالة مهمّة بشقيها المادّي والمعنوي. وقال تعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً) (الإنسان/ 8-9). وقوله (ويطعمون) يفيد أنّ هذه الآية تعلّمنا أنّ إطعام اليتيم ليس فعلاً فردياً وإنّما عمل عامّ ينبغي أن يتحوّل إلى ثقافة الأُسر والعائلات. ولذلك أشارت الأحاديث المرويّة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى التركيز على كونها ثقافة بيوت وليست ثقافة أفراد فقط، أي تربية عوائلنا على هذه الثقافة الإلهية. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُحسن إليه، وشرّ بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يُساء إليه، أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير بيوتكم بيت فيه يتيم مُكرّم».
ختاماً، قال تعالى: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) (الكهف/ 82). هذه الآية التي وردت في قصّة موسى والخضر إشارة واضحة إلى بناء الخضر لجدار اليتيمين دون أن يتّخذ عليه أجراً تعلّمنا أنّ الله هو الذي أمرنا برعاية الأيتام وتكفّلهم. وبالتالي، فإنّ رعايتهم قبل كلّ شيء واجبٌ إلهيٌّ وتكليفٌ شرعيٌّ لا يجوز تجاهله أو تناسيه. إنّ هذه الرعاية ينبغي أن تستمر حتى يبلغ اليتيم أشدّه أي يصبح بالغاً راشداً، أي حتى يستغني ويُصبح قادراً على إعالة نفسه. وهذا المعنى أوردته الآية. وإشارة أيضاً إلى أنّ معاملة الأيتام ينبغي أن تكون قائمة على الرحمة لا بدل ولا عوض فيها يطلبه الإنسان وإنّما يتوسّم الأجر والثواب وعلوّ الدرجات يوم القيامة.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق