قد يرى البعض أنّ الحديث عن الأبعاد الاجتماعية لثورة الحسين (ع) وأثر الحسين (ع) في إصلاح المجتمع في عصره وفيما تلاه حديث بعيد عن الحسين (ع) وعن أجواء الشهادة والملحمة التاريخية في كربلاء. فالحسين (ع) خرج لإحياء دين جده وليبقى الإسلام حياً في القلوب إلى الأبد. هذا صحيح. من قال غير ذلك؟ ولكن الدين الذي أراد الحسين أحياءه يشمل كلّ جوانب الحياة. الدين ليس عزلة عن الحياة- بل يدخل في النسيج الاجتماعي بكلّ زواياه. يدخل في الاقتصاد والاجتماع والسياسة. يرى البعض أنّ ذكرى الحسين (ع) في قراءة قصته التاريخية وفي الحزن على ما أصابه وبالألم لتلك المأساة التي تُدمي كلّ قلب، بينما هناك مَن يرى أنّ ذكرى الحسين هي كلّ ذلك ولكن ليس صحيحاً أن نقف عند هذا الجانب من حياة الحسين واستشهاده. الحسين عاش سبعة وخمسين عاماً.
يجب علينا أن ننقُل إلى حياتنا قبساً من حياة الحسين (ع)، حتى تكون حياته ذكرى دائمة فينا، ذكرى لا تقتصر على يوم واحدٍ أو عشرة أيام من مطلع كلّ عام هجري، بل تستمر في كلّ عام ثلاثمئة وأربعة وخمسين يوماً هي أيام العام الهجري. "للعاطفة أثر في حياة الفرد والجماعة لا ينكر، فإنّ فرداً أو مجموعاً لا عاطفة له ليس كائناً تام الإنسانية. ولكن للعقل أيضاً جانب لا ينكر. والعاطفة حالٌ عارضة في الإنسان. ولكن العقل هو القاعدة في السلوك الإنساني".
"وللإنسان جانبان من العاطفة: جانب الحزن وجانب الفرح، ولا شك في أنّ جانب الحزن أقدر على جمع بعض البشر إلى بعض. ويكفينا مثلاً على ذلك ما نحن فيه من ذكرى الحسين (ع): تلك الذكرى التي يجتمع لها الناس في العالم الإسلامي منذ أربعة عشر قرناً. ولكن الإنسان يحاول في كلّ أمره أن يكون لكلّ شيء في حياته جانب عملي نافع".
يجب النظر إلى مأساة كربلاء على أنّها "كلمة حقّ في وجه حاكم جائر". ثم عزمنا على أن نجعل من تلك الكلمة من الحقّ علامة في تاريخنا وقدوة في حياتنا، نقف في كلّ قضية لنا كما وقف الحسين قبل كربلاء وبعد كربلاء. فإنّنا نكون فهمنا ثورة الحسين (ع) وبعدها الاجتماعي. ونكون قد وضعنا يوم كربلاء في إطاره الصحيح من تاريخ الإسلام. ونكون قد جعلنا من عمل الحسين أسوة لنا ننتفع بها في سلوكنا اليومي وحياتنا الاجتماعية وفي وضع الحلول لمشاكلنا ومعالجة قضايانا. وإذا لم يكن بإمكاننا أن نتصف بجميع فضائل أبطالنا في تاريخ الإسلام. أفلا يجدر بنا أن نحاول التأسي بهم في بعض فضائلهم؟ وتاريخنا الحاضر- وأوضاعنا الاجتماعية- بكلّ أسف- بحاجة كلّ يوم إلى قدوة كالحسين بن علي (عليهما السلام).
يقول الدكتور عمر فروخ: "أنا لا أنظر إلى مأساة كربلاء على أنّها حادث تاريخي فقط، بل على أنّها أيضاً حقيقة اجتماعية تتبَّدى كلّ يوم في حياة المسلمين. ألم تكن مأساة كربلاء خذلان الناس للقائد المُخلص الذي أراد أن يمسح الظلم عن المجتمع بيده الحانية وكفه الكريمة المعطاء؟ ألا نحتاج اليوم في كثير من بلاد الإسلام إلى من يفعل ذلك؟".
في كلّ عام الملايين من المسلمين يتوجهون إلى مرقد الحسين (ع) مشياً على الأقدام رجالاً ونساءً، كباراً وصغاراً ويهتفون باسم الحسين (ع) رغم التعرض للحوادث الدامية والقتل.
إنّ حبهم للحسين (ع) ولمبادئه ولرسالته يجعلهم على استعداد للتضحية بالنفس لتجديد ذكراه. لأنّه حي في القلوب، حي في الضمائر، حي في وجدان الشعوب ومأساة الحسين (ع) تجمع ولا تفرِّق تجمع الناس نحو الحقّ، نحو البطولة والفداء. نحو قيم الإسلام. والبشر عادة أكثر احتفالاً واهتماماً بالمآسي منهم. بسائر الذكريات، ذلك لأنّ المأسي تجعل الأفراد والجماعات يشعرون بفداحة الظلم وبردِّ الفعل وبروح التحدِّي والعنفوان اتجاه الطغاة. فيحاول كلّ فرد أن يضُمَّ نفسه إلى فرد آخر في جماعته ليستمد منه قوّة على مجابهة الظلم وتحدي الأعداء. من أجل ذلك كانت المآسي قادرة على أن تجمع بين طبقات الأمة أكثر مما تستطيع الأفراح. ﴿وَما لكُم لا تُقاتَلوا في سَبيل الله والمُستضعفين من الرجال والنساء والوِلدانِ﴾ (النساء/ 75). بعدئذٍ تشعر الأمة مشدودة إلى ماضيها فتكون أكثر رغبة في الحفاظ على وحدتها ومكانتها وجاهها.
إنّ المآسي أعمق تأثيراً في وجدان الأمة. إنّ المأساة التي تحدث في يوم من تاريخ الأمة تحفر أخدوداً في نسيجها الاجتماعي ويبقى أثرها مستمراً خالداً في سويداء القلب. وحرارة لا تطفأ أبداً. بل تزداد توهجاً لأنّ الحسين (ع) نور وانّه مصباح الهدى وسفينة النجاة وانّه لم يمت بل إزداد حياة. إنَّ نجاة الأمة الإسلامية من السقوط ونجاة المجتمع من الكوارث الاقتصادية والأزمات السياسية يتحقق بأمرِ أكد عليه الحسين (ع) مراراً هو الأمر بالمعروف. والقرآن الكريم يؤكد ذلك يقول سبحانه حكاية عن بني إسرائيل الذين أنزل الله عليهم العذاب إلّا الفئة المؤمنة التي كانت تنهى عن المنكر. قال سبحانه: ﴿ونَجَينا الذينَ كانوا يَنهُونَ عَن السُوءِ وأخَذنا الذينَ ظَلَمُوا بِما كانوا يَفسَقُون﴾.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق