• ٢٦ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ٢٤ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حسد جميل إيجابي

د. فوزية الدريع

حسد جميل إيجابي
◄كثيرون منّا حين نَذكُر لهم أنّ شخصاً يحسدهم، أو حين يُوهمهم شخص بالحسد، فإنهم يرون في ذلك صفة سلبية، ودلالة شيطانيّة على ذلك الإنسان. لكنني شخصياً لا أرى الحسد دائماً دلالة سوداويّة في قلب وروح الإنسان. صحيح أنّ البعض، وهو يرى إنساناً سعيداً، يولّاهُ غَيْظ ورَغْبَة في أن تختفي نعمة هذا الإنسان. والبغض، بسبب إستحكام الحسد فيهم، يتخيّلون هذا الآخر بدون نعمته، وبدون الفلوس، وبدون الجاه،وبدون الموهبة،وبدون الجَمَال، وبدون الأسرة. لكن الإنسان ليس فقط مُجرَّد إنسان حاسد وراغب في خياله وأمله المريضين في أن يحرم الآخر ممّا عنده. فهناك الحسد الإيجابي.. نعم يوجد حسد إيجابي، وهو أن نجد شخصاً في وضع جيِّد، ونتمنّى أن يكون لدينا مثل ما لديه، بدون أن يزول ما عنده. ويكون الحسد إيجابياً بدراسة ماذا عند الشخص، وماذا يمكن أن أستفيد من نجاحه، وما هي الخطوات التي يمكن أن أتّبعها لأكون مثله. بالطبع، هناك حرقة وحرارة في الإحساس، وهذه فطرة بشرية. لكنها تكون إيجابية، حين لا تقف عند نقطة تَمَنّي زوال نعمة الآخَر، بل تتعدّاها إلى نقطة جعله قُدوة، ونموذجاً يقتدي به. إنّ حالة الإحساس بالحسد قابلة لأن تجعل الإنسان يعرف نفسه أكثر، ويعرف احتياجاته. فنحن نحسد لأننا نحتاج إلى ما نحسده، ولا يهمّنا ما لا نحتاج إليه. لذا، إذا مررت بإحساس الحسد، قف واسأل نفسك: ماذا ينقصني؟ وهل هذا الذي يسبب الحسد عندي هو ما أحتاج إليه؟ ومن المهم أن يعرف الإنسان نفسه من خلال إحساس يُعتبر سلبياً. فربما كل ما تريده هو شهرة ومال وحُب وطفل.. إلخ. لذا، اسأل نفسك: هل كانت تلك أمنيتك التي تُريدها؟ وهل هناك طريقة تتبعها مثل الآخر الذي تحسده، لتصل إلى ما وصل إليه؟

إنّ الحسد قد يكون لقاءً مع الذات، ومعرفة حقيقيّة لِمَا يُريد العقل الباطن. أوَلَيس الحسد رائعاً عندما لا يُخبرك فقط بما تحتاج إليه، بل يدفعك إلى أن تُحقق هذا الاحتياج؟

إنّ الحسد حالة إنفعاليّة إذن، قد تكون إيجابيّة. أعرف واحدة كانت تحسد امرأة لأنها تطبخ بشكل رائع. وحسدها قادها إلى حقيقة أنها كانت تُحب أن تطبخ، لكن إحباطات أمها منعتها من ذلك. وهكذا، أخَذَها حَسَدُها إلى إتّباع دروس طبخ، والآن هي تَنْعَم بمدح طبْخها. الحقيقة، إنّ رَغَبات الإنسان التي تخلق حسده تختلف من زمن إلى آخر. فما كان يُثير الحسد في زمن قد يُغايرهُ تماماً. فمثلاً، في السابق كانت تُحْسَد المرأة السمينة. أمّا الآن فالمرأة الرشيقة هي التي تحسدها الأخريات. إنّ أجمل ما في الحسد، أنّه يُحرّض الإنسان على تحقيق أمانيه، سواء أكانت شعورية أم لا شعورية. لكنْ هناك حَسَد لا يقف، وساعتها يكون حسداً سلبيّاً، كأنّ تحسد امرأةٌ أخرى على جَمَال منزلها. ولكنها حتى لو حصلت على منزل جميل، تَرَاها تحسد أخرى، ولا ينتهي الأمر بتحقيق شيء واحد. وبذلك يظل الإنسان لاهثاً إلى ما لا نهاية. هناك أمور يكون الحسد فيها ورغبة التحقيق، على درجة عالية من الصعوبة، كأن تحسد إنساناً وَرثَ مالاً، أو فاز بجائزة على إختراع. فهناك أمور صعبة المنال. ويبقى عند الإنسان القناعة بخصوصيّة الهِبَات الذاتيّة والربّانية. ولكن، لنكن واقعيّين: هذه القناعة حالة روحانيّة عالية أصبحت قليلة في زَمَن كلّهُ حَسَد.►

ارسال التعليق

Top