• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حقيقة القلوب في القرآن الكريم

السيد عادل العلوي

حقيقة القلوب في القرآن الكريم

من الواضح والمعلوم أنّ الحديث عن القلب إنّما هو حديث ذو شجون، فإنّ القلب أصل الإنسان ومنشأ حياته، وأساس كرامته وعظمته وشرافته.

أجل؛ إنّ القلب ذلك العضو الصنوبري الشكل الذي يضخّ منه الدم بعد تصفيته ليعطي الإنسان حياةً وقوّة، وعيشاً جديداً، وإذا توقّف عن العمل فإنّه يعني أنّ المرء قد جاء أجله وعليه أن يودّع الحياة الدنيوية، لينتقل إلى عالم آخر، فما دام القلب ينبض ويتحرّك فإنّه حيّ، وإنّ الحياة الدنيوية لا زالت تواكب أشواطها وتطوي مسيرتها حتى الموت الذي يعدّ رحلة ونقلة من عالم إلى آخر، ومن محيط ضيّق إلى دار أوسع.

نعم؛ هذا القلب الصغير الذي أودعه الله سبحانه من اليوم الأوّل في القفص الصدري من الجانب الأيسر، قد شبّه بالخير والشرّ والصلاح والفساد، فيقال: لفلان قلب صالح خيّر ونظيف، ولفلان قلب طالح شرور قاسي كالحجارة، كما ينسب إليه إدراك الحقائق والمعارف والعلوم والفنون. وهذا يعني أنّ هناك قلب آخر معنوي وراء هذا القلب المادي.

والقرآن الكريم كتاب الله الحكيم فيه بيان وتبيان لكلّ شيء، فرقان وهدى، وإنّه كتاب حياة وسعادة، قد اهتمّ بالقلب غاية الاهتمام، وإنّك لتجد في آياته الكريمة ما يفتح لك آفاقاً جديدة في الحياة، بأنّك كيف تعيش وكيف تموت؟ وما هي العوامل التي تسعدك في الحياة، وتضمن لك النجاح والفوز في الدارين؟ وذلك من خلال إصلاح القلب.

إنّ الإنسان ليسعد، وإنّ البشرية لتصل إلى ذروة كمالها وقمّة سعادتها لو طبّقنا القرآن الكريم في واقع الحياة، إلّا أنّ القوم اتّخذوا هذا القرآن مهجوراً، فأصابهم الذلّ والانحطاط والخذلان، ولا نعود إلى عزّتنا ومجدنا وأصالتنا إلّا إذا رجعنا إلى القرآن الكريم وترجمانه (العترة الطاهرة) في واقعنا وجميع حقول حياتنا، فيكون القرآن (حكومة الله) هو الحاكم والسائد في كلّ أبعاد الحياة وجوانبها على الصعيدين: الفردي والاجتماعي.

فهلمّ لنعرض قلوبنا وأعمالنا وحياتنا على القرآن الكريم (الصامت والناطق)، فإنّ الميزان وإنّه الفرقان لا ريب فيه هدىً للمتّقين، واضح في ذاته، وبيان في نفسه، وتبيان لكلّ شيء.

وهلمّ يا إخوان الصفا وخلّان الوفا لنرجع إلى إسلامنا العزيز وكتابه المجيد، فإنّه المهيمن على كلّ الكتب السماوية والأرضية، وإنّه العلم الحاكم على كلّ العلوم والفنون، فإنّه نزل من العليّ العليم، القدير الحكيم، العزيز الكريم.

وعلى كلّ مسلم ومسلمة أن يفهم الدين، ويفقه القرآن المبين، ويدرك السنّة الشريفة كما هي، فإنّهما مصدر المعارف الإلهية والإنسانية، وأساس التشريع الإسلامي الحنيف.

ومن المؤسف أنّ أعظم داء المسلمين وأكبر مصيبتهم، أنّهم بعدما كانوا أعزّة العالم، وأنّ حضارتهم الإسلامية غزت الدنيا وانتشرت العلوم الإسلامية وفنونها في ربوع الأرض، أصابهم الانحطاط وكسرت شوكتهم وبان الذلّ عليهم، وما ذلك إلّا نتيجة جهلهم بدينهم وقرآنهم.

(وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (القمر/ 17).

وفي الحديث الشريف: "فإذا التبست عليكم الفتن كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنّه شافع مشفع، وما حل مصدق، ومن جعله أمامه قاده إلى الجنّة، ومَن جعله خلفه ساقه إلى النار، وهو الدليل يدلّ على خير سبيل، وهو كتاب فيه تفصيل وبيان وتحصيل، وهو الفصل ليس بالهزل، وله ظهر وبطن، فظاهره حكم، وباطنه علم، ظاهره أنيق وباطنه عميق، له نجوم وعلى نجومه نجوم، لا تحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه، فيه مصابيح الهدى ومنار الحكمة، ودليل على المعرفة لمن عرف الصفة".

وعن الإمام الحسن بن عليّ (ع)، قال: قيل لرسول الله (ص): إنّ أُمّتك ستفتتن، فسُئل ما المخرج من ذلك؟ فقال: "كتاب الله العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، من ابتغى العلم في غيره أضلّه الله".

وقال أمير المؤمنين عليّ (ع) في وصف القرآن: "جعله الله ريّاً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاج تطرق الصلحاء، ودواء ليس بعده داء، ونوراً ليس معه ظلمة".

اعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغشّ، والهادي الذي لا يضلّ، والمحدّث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلّا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى، نقصان من عمى.

إنّه سبحانه لم يعظ أحداً بمثل هذا القرآن، فإنّه حبل الله المتين وسببه الأمين، وفيه ربيع القلب، وينابيع العلم، وما للقلب جلاء غيره.

فالقرآن آمر زاجر وصامت ناطق، حجّة الله على خلقه، آخذ عليهم ميثاقه، وارتهن عليهم أنفسهم.

أفضل الذكر القرآن به تشرح الصدور، وتستنير السرائر.

وقال (ع): "إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه أخفى من الحقّ، ولا أظهر من الباطل، فالكتاب وأهله في الناس وليسا فيهم، ومعهم وليسا معهم، لأنّ الضلالة لا توافق الهدى، وإن اجتمعا فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا على الجماعة، كأنّهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم، فلم يبقَ عندهم منه إلّا اسمه، ولا يعرفون إلّا خطّه وزبره".

وقد ورد في الحديث الشريف: سيكثر في آخر الزمان قرّاء القرآن، إلّا أنّه رُبّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه، لأنّه لا يعمل بآياته التي يقرأها ويتلوها، فالعمدة هو العمل بالقرآن الكريم كما أوصى بذلك أمير المؤمنين آخر وصيّته قائلاً:

"الله الله في القرآن، لا يسبقكم بالعمل به غيركم".

وإنّ هذا القرآن غضّ جديد لا يُبلى، وإنّه كتاب حياة لكلّ الأزمان والأجيال، ولكلّ الأمصار والأعصار، فهو أصدق القول، وأبلغ الموعظة، وأحسن القصص، وخير الهدى، والدواء النافع، وشفاء الصدور، ومصابيح النور، لا تخلقه كثرة الردّ وولوج السمع.

عن الإمام الصادق (ع) لمّا سُئل: ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلّا غضاضة؟ قال: "لأنّ الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان، ولا لناس دون ناس، فهو في كلّ زمان جديد، وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة".

قال الإمام الرضا (ع) في وصفه: "هو حبل الله المتين وعروته الوثقى، وطريقته المثلى، المؤدّي إلى الجنّة، والمنجي من النار، لا يخلق على الأزمنة، ولا يغثّ على الألسنة، لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان، بل جعل دليل البرهان والحجّة على كلّ إنسان، لأنّه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد".

فأهل القرآن أهل الله وخاصّته، وهم عرفاء أهل الجنّة يوم القيامة، وأشراف أُمّة محمّد (ص) المحفوفون برحمة الله، الملبوسون بنور الله عزّ وجلّ.

فعليكم بكتاب الله، فإنّه الحبل المتين والنور المبين، مَن قال به صدق، ومَن عمل به سبق.

هذا والمقصود من هذه الرسالة أن نعرف – ولو إجمالاً – حقيقة القلوب من خلال القرآن الكريم، وترجمانه أهل البيت (عليهم السلام)، فإنّهم القرآن الناطق، ولسان الله الصادق.

 

المصدر: كتاب حقيقة القلوب في القرآن

ارسال التعليق

Top