حثّت الشريعة على ضرورة رعاية الأيتام والتحنّن عليهم كمؤشّر على سلامة المجتمع وتكاتفه وتعاضده، فالمجتمع الذي لا يكرّم أيتامه مجتمع مفكّك، وهذا أمير المؤمنين يوصي بالأيتام حتى لحظة وفاته، فعنه (عليه السلام) – في وصيته قبل الموت –: «الله الله في الأيتام، فلا تغبّوا أفواههم، ولا يضيعوا بحضرتكم، فقد سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "مَن عال يتيماً حتى يستغني أوجب الله عزّ وجلّ له بذلك الجنّة كما أوجب لآكل مال اليتيم النار"». قال تعالى: (الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) (البقرة/ 177). وقال أيضاً سبحانه وتعالى: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا).
وقوله (ويطعمون) يفيد أنّ هذه الآية تعلّمنا أنّ إطعام اليتيم ليس فعلاً فردياً وإنّما عمل عام ينبغي أن يتحوّل إلى ثقافة الأُسر والعائلات، فالقرآن الكريم لم يمتدح فرداً معيّناً في الآية وإنما مدح كافّة أفراد هذا البيت الذين كانوا يحملون هذه الثقافة.
ولذلك أشارت الأحاديث المرويّة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى التركيز على كونها ثقافة بيوت وليست ثقافة أفراد فقط، أي تربية عوائلنا على هذه الثقافة الإلهية. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه، وشرّ بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه، أنا وكافل اليتيم في الجنّة هكذا»، وعنه أيضاً (صلى الله عليه وآله وسلم): «خير بيوتكم بيت فيه يتيم مُكرّم».
تعتبر كفالة الأيتام من الأعمال الطيِّبة والمحمودة التي تقدسها الشرائع السماوية كافة، وتقدرها المجتمعات في مختلف الأزمان والأمكنة، فالتكفل هو ترجمة عملية ومساندة فعلية لليتيم الذي حرم من والديه، أو من أحدهما، في هذه الحياة، ويعيش ظروفاً صعبة على مختلف الصُّعد. الكفالة ليست ما يبذل من مال فحسب، بل هي بالدرجة الأولى علاقة روحية إنسانية بين اليتيم والكافل، تتجسّد في كثير من المجالات المفتوحة، كزيارة إلى اليتيم حيث يقيم، للتعرُّف إليه بشكل مباشر، والتعرُّف إلى أساليب رعايته ومقدّماتها، كما تتجسّد بالهدايا والرسائل المتبادلة في مناسبات معيّنة. إنّ رعاية الأيتام ضرورية حتى ولو كانوا يملكون كفايتهم المادّية، فالآية تشير إلى أنّ هذين اليتيمين كانا يملكان كنزاً لقوله (وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا)، ومع ذلك لم يتخذ نبيّ الله الخضر منهما أجراً على عمله مع أنّ الفعل الذي قام به نبيّ الله الخضر فعلٌ ماديٌّ وهو إقامة الجدار، وذلك لأنّ الرعاية التي يستحقّها اليتيم ليست دائماً رعاية مادّية، بل هناك رعاية معنوية ونفسية واجتماعية وسوى ذلك، ومن الواجب ألّا نقصّر فيها. ولعلّ هذه الآية أكثر دلالةً على اليتيم الذي كان أبوه صالحاً والذي يأتي بلا شكّ الشهيد على رأس هذه القائمة كونه مثال الصلاح ورمز الإصلاح، وبالتالي فإنّ هذه الآية أكثر مطابقةً لأبناء الشهداء.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق