• ٥ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٣ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

خطة للشهر الكريم تتضمن ترتيب الأولويات مع النفس

د. عصام العريان

خطة للشهر الكريم تتضمن ترتيب الأولويات مع النفس

إقتضت حكمة الله تعالى أن يفضل بعض الأزمان على بعضها كما فضل بعض الأماكن وشرفها على البعض الآخر، فقد شرّف الله مكة المكرمة بأن اختارها موضعاً لأوّل بيت وضع للناس، البيت الحرام الذي بناه أبو الأنبياء وولده إسماعيل وبه الحجر الأسود المكرم. كما شرف الله المدينة المنورة بأن جعلها مهاجر رسوله الكريم ومواطن أنصاره وعاصمة أوّل دولة أقيمت في الإسلام. وشرف الله بيت المقدس بأن جعل به "المسجد الأقصى" الذي أسرى برسول الله (ص) إليه. فرمضان محل لفريضة جامعة لا تسقط إلا على المرضى أو المسافرين، هي فريضة الصوم بما لها من فضل كبير، فالإيمان نصفان: صبر وشكر، والصوم نصف الصبر أي أنّ الصوم ربع الإيمان. والصوم مفزع المؤمن حين تلم به النوازل. قال تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) (البقرة/ 45)، وصوم المسلمين يمتاز على غيره من صوم أهل الكتاب بأنّه مهرجان للعبادات ومضمار للخيرات، فهو ليس مجرد إمساك عن الطعام والشراب، بل إنّ الشهر يشهد مهرجاناً من ألوان القربات لله تعالى: صلاة وتهجد وتزاور وتراحم وإعتكاف وعمرة وذكر وتلاوة قرآن... إلخ. والشهر الفضيل به ليلة هي خير من ألف شهر، ليلة القدر: (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر/ 4-5). والمسلمون يصومون معاً في وحدة جامعة تشعرهم بأنهم جميعاً أمة واحدة في مظهر رائع لوحدة المسلمين، فينبغي للمؤمن الصادق أن يستعد لإغتنام هذا الشهر. لذلك على المسلم أن يتعرف على هذا الشهر من دروس العلم ومن كتب الفقهاء وقبل ذلك من كتاب ربنا وهدي نبينا (ص)، وأن يتعرف حكمة الصوم في جميع الشرائع السابقة بل إنّ الأُمم التي ليس لها دين سماوي معروف كانت تصوم أيضاً. وصدق الله تعالى إذ يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183)، وأن يتأمل في ألوان العبادات التي فرضها الله علينا في رمضان، وكذلك أنواع القربات حتى يختار منها ما يركز عليه من عدم حرمان نفسه من فضل بقيتها.

 

-        خطة شهرية:

نعم: أنت في حاجة إلى أن تجلس جلسة تأمل مع نفسك، وأن تجلس أخرى مع أسرتك، وثالثة مع إخوانك، والهدف من ذلك هو تحقيق الإستفادة القصوى من شهر رمضان. مع نفسك: لوضع برنامج عملي خلال شهر رمضان، وكان يجب أن تبدأ التنفيذ قبيل حلول الشهر بأيام بأن تصوم من رجب وشعبان، وأن تبدأ صلاة القيام والتهجد فيهما.

 

-        وهذا البرنامج يشمل:

•       تحديد الأهداف خلال شهر رمضان هذا العام بدقة (المطلوب التركيز على تحقيق هدف رئيس ومعه أهداف أخرى ثانوية. مثلاً يمكن التركيز في أحد الأعوام على القرآن الكريم، ومرة أخرى على صلة الأرحام، وثالثة على صلاة التهجد... إلخ).

•       وضع جدول زمني للشهر الكريم، بحيث تبدأ الشهر بقوة وتختمه بقوة.

•       إحاطة البرنامج ببقية الجوانب الحياتية، فالطالب لابدّ أن يضع الدراسة في حسبانه، والزوج لابدّ أن يجعل لبيته نصيباً، والموظف يختلف عن صاحب العمل الحر، وهكذا.

•       أن يكون هذا البرنامج واقعياً قابلاً للتطبيق حتى تنطلق النفس إلى آفاق جديدة، ولا تشعر بإحباط نظراً لعدم إنجاز المطلوب.

أما مع الأسرة؛ فنحن في حاجة إلى إتفاق مع الأهل والأولاد عند حلول رمضان كي نحقق أقصى إستفادة ممكنة من الشهر العظيم:

1- كيف ندير الوقت في رمضان؟

2- الإتفاق على تجنب إضاعة ساعاته أمام أجهزة التلفاز.

3- نظام الزيارات خلال الشهر حتى لا تستهلك الوقت كله، مع التركيز على صلة الأرحام.

4- تقليل الطعام خلال الشهر رمضان مع عدم حرمان الأولاد من أطعمة رمضان الخاصة الشهية.

5- أهمية الجلوس بصورة يومية عند الإفطار للذكر والدعاء، وقبل وعند السحور للإستغفار والتهجد، وأسبوعياً للدراسة والتأمل في فضائل رمضان وذكرياته الإسلامية (غزو بدر والفتح).

أما مع الإخوان: فإنها تنطلق من ضرورة تحقيق أقصى استفادة ممكنة خلال رمضان للنفس والأحباب ولجميع المسلمين وذلك:

بوضع ترتيب للمسجد خلال رمضان يتضمن:

•       صلاة القيام وتنظيمها.

•       التذكرة بين التراويح وإعدادها.

•       المقرأة في رمضان.

•       دروس العلم وتنويعها.

•       الإتفاق على عمل إفطار جماعي في المسجد مرة أو مرتين مع الأسر والعائلات دون إرهاق بحيث تصطحب كل أسرة طعامها معها.

•       التهنئة لجميع المسلمين وجيران المسجد بحلول رمضان، ويمكن توزيع تهنئة مطبوعة للتذكير بفضائل رمضان.

•       الإهتمام بالفقراء في رمضان، والتشجيع على الصدقات كما في العيد.

•       الإستعداد للإعتكاف في رمضان خاصة في العشر الأواخر، والإعداد له.

•       الإستعداد لصلاة العيد.

•       تهنئة المسلمين بالعيد خاصة ذوي الأرحام والجيران وأصدقاء الدراسة وزملاء العمل.

إذا أحسنا التخطيط لرمضان فإنّ الله تعالى سيوفقنا إلى أقصى إستفادة من هذا الشهر العظيم الذي إذا حل سرعان ما ينقضي، وقد أخبرنا رسولنا (ص) أنّ الأُمة إذا علمت ما في رمضان من الخير لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان.

ارسال التعليق

Top