التواضع من الصفات الحميدة والسجايا المفضّلة في نظر الإسلام، يجب على كلِّ مسلم في أسلوب معاشرته مع الآخرين أن لا يحذر من التكبر والاستعلاء فقط، بل عليه أن يكون متواضعاً بالنسبة إلى غيره ويحترم شخصيات الآخرين على اختلاف طبقاتهم ومنازلهم..
قال تعالى في سورة لقمان ، آية (18):
(ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ).
وفيها توجيه للشباب من قِبَل الله -سبحانه وتعالى- تربية لهم والتفاتاً إلى حقيقة يعيشها الشباب، فالعنفوان دائماً يُسبب الزهو.. والصحة دائماً تُسبب الكبرياء.. ويعتقد الإنسان أنّه قادر على كلِّ شيء، ولا شيء يقف أمامه ولهذا تظهر سمات سلبية، من هذه السمات والتي يريد القرآن الكريم أن يُعالجها للأُمّة وللشباب بشكلٍ خاص، فلقمان يقول في موعظته لولده:
(ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ)
تصعير الخد: هو التكبُّر -وكما قلت- هو نتيجة ما يرى في نفسه من عنفوان وشباب، ومن قوة وجسم، ومن ألطاف إلهية كثيرة.. ولكنها في بعض الأوقات تُستغل استغلالاً سلبياً، استغلالاً غير ناضج ولا مدروس ولهذا تحصل حالة التكبُّر.. هذه الحالة (حالة التكبر) قرّبها القرآن لنا بتصعير الخد، فيقول:
(ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ)
أي لا تمل بوجهك عن الناس ولا تُعرض عنهم تكبّراً واستعلاءاً، بل أقبلْ عليهم، وقد وَرَدَ عن الإمام الصادق (ع) قال:
"أي لا تمل بوجهك عن الناس ولا تُرض عن من يُكلمك استخفافاً به".
بمعنى أن لا تستخفَّ بالآخرين ولا تُغيّر اتجاه وجهك عن من يُكلمك تَكَبّراً منك عليه واستخفافاً منك به.. ويقول الإمام الصادق (ع):
"ما من رجلٍ تَكبّرَ أو تَجبّر إلّا لِذِلّةٍ وجدها في نفسه".
وهذا في علم الاجتماع والنفس له وجود كبير، فالأمور الظاهرية التي تخرج من الإنسان الغير سليمة والغير طبيعية هي نتيجة أمراض نفسية في داخله، نتيجة عقدة ومرض في داخله، نتيجة ضعف في داخله.. وكلّ أنواع أمراض التعقيد وكلّ أنواع الضعف هي نتيجة:
عدم الارتباط مع الله -سبحانه وتعالى- .. عدم تغذية نفسه التغذية السليمة.. عدم الإنابة إلى الله.. ومن البديع أنّ الآية تقول:
(ولا تُصَعِّرْ خَدَّكَ للنَّاسِ)
لماذا لم تقل: "تُصَعِّرْ وجهك أو عينك أو أنفك"؟..
من الممكن أن يكون المقصود تذكير للإنسان وخصوصاً في أيام الشباب وعنفوان الشباب، إنّك -أيُّها الإنسان- كادح إلى ربِّك كدحاً فملاقيه، وعندما تُلاقيه، خدّك الأيمن على التراب.. فعندما ذكرت الآية (خدّ)، فسيكون هذا الخدّ الذي كلّه تَرَف، يكون على التراب وأنت مُلاقي ربّك، ولا تعلم عدد السنين التي يبقى فيها هذا الخدّ على التراب، من موتك إلى يوم نَشْرك.
فعلام هذا التكبّر؟.. وعلام هذا التصعّر؟.. وعلام هذا التجبّر؟.. وعلى من تتجبّر؟.. وعلى من تتكبّر؟.. أعلى الله؟.. أم على خَلْقهِ؟.. ولهذا يكون المتكبّرون أبعد الناس عن الله!.. لأنّهم نسوا الله ونسوا أنفسهم، لأنّه من عرف نفسه فقد عرف ربّه، ولو كان قد عرف نفسه لما تَكبّر.. فهو لو عرف نفسه لعَلِمَ أنّ أوّله نطفة قذرة وآخره جيفة نتنة وما بينهما حامل عَذِرَة، فعلامَ التكبُّر؟!.. لَعَلِمَ أنّه كما يقول تعالى في سورة طه، آية (55):
(مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى).
فعلامَ التكبُّر؟!.. ولو كان قد عَلِمَ معنى العبودية لله -سبحانه وتعالى- لما تكبّرَ لحظة، وهل يمكن للعبد أن يكون مُتكبّراً؟!.. التكبُّر لا يليق إلّا بربِّ العزّة، وما دونه فهم عبيد.. وهل يمكن أن يجتمع التكبر مع العبودية؟.. ولهذا يقول الله -سبحانه وتعالى- في سورة النحل، آية (23):
(إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ)
بعكس الذين أنابوا واستغفروا وتابوا، يُحبّهم ويُحبّونه، أما هنا لا يُحبُّ المُتكبرين.
المصدر: كتاب التواضع.. إنسانية وعبودية
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق