في الغرب، لا يدور النقاش حالياً، حول سرج الحصان ولا على مفهوم الحرية، بل حول الإنتاج، وحول تكريس قيم الخلق والإبداع لزيادة هذا الإنتاج، وبالتالي الأرباح، وعندما قرر صاحب إحدى المزارع في هولندا أن يجعل الموسيقى في خدمة البقر، فزرع أجهزة للموسيقى في كلّ حظيرة، فهو لم يكن يهتم بتنمية الحس الفني عند البقر، بل بزيادة إنتاجها، وقد نجح في ذلك، وتبعه مزارعون كثيرون...
ومثل ذلك يحدث على مستوى البشر، حيث يرفع المجددون شعار " دوام أقل يعني إنتاجاً أكبر"، وهذا الربط بين الدوام والإنتاج لا يهمه من تجديد الحيوية أو إعادة الروح إلّا بمقدار ما يزيد صاحب تلك الروح من إنتاجه وإبداعه في حقل عمله، ومن هنا تلقى فكرة دورتي العمل التي بدأت بعض الدول في تطبيقها، ألمانيا خاصة، تشجيعا كبيراً لأنّها تساعد من ناحية على امتصاص الأيدي العاملة، ولأنّها من ناحية ثانية، تقطف زهرة نشاط العامل أو الموظف، وتعيده إلى منزله باكراً وقبل أن يصيبه التعب، فلا يضطر رب العمل إلى دفع بدل ساعات عمل لعامل فقد نصف جهده ومعظم تركيزه في ساعات العمل الصباحية (!).
الموظف... معاق
والمقارنة بين ما يجري في الغرب، وما يجري في دول العالم الثالث، تبدو ظالمة، خاصة إذا ما استعدنا تلك الإحصائية عن دولة خليجية ثبت فيها أن إنتاج الموظف الفعلي لا يتجاوز 15 دقائق فقط من أصل دوام يصل إلى 6 ساعات في اليوم، وعلى مدى 6 أيام في الأسبوع، أي أن إنتاجه لا يغطي إلا ساعة واحدة من دوام يصل إلى 36 ساعة أسبوعياً. ولكن هذه الإحصائية تكشف مساحة الخراب التي يمكن أن يخلفها دمار الروح وغياب الحوافز، ويعيد بالتالي طرح القضية من جذورها، فالدوام أو العمل ليس مهماً لذاته، بل بمقدار ما يقدم خدمة للإنسان العامل أو الموظف وفي طليعتها الشعور بأنّه حر، والحرية هي بالتأكيد شرط الإبداع والإنتاج. إن الموظف أو العامل يستطيع دائماً أن يوقع صباحاً، أو أن يدفع ببطاقته داخل ساعة الدوام ليعود فيوقع أو يدفع تلك البطاقة مجدداً عند انتهاء الدوام أو الوظيفة، ولعل هذه أسرع طريقة، كما أثبتت دول العالم الثالث، لتحويل الإنسان المنتج إلى "معاق" مهمته إعاقة الإنتاج وليس زيادته ولا تنشيطه، بل وحتى منع الآخرين من استعادة الروح أو خلع سرج الحصان...
إن شعار "دوام أقل وإنتاج أكثر" يصح في الوظائف وفي المصانع كما يصح في المدارس وفي الجامعات، شرط أن تتوافر للعامل والموظف مرافق عامة ترفيهية وتعليمية تستوعب ما يتيحه الشعور بالحرية من نشاط وإبداع.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق