أ. ليلى دسوم
◄إنّ أعظم كنز يمكن أن يمتلكه الإنسان هو الإيمان، إنّه جوهرة ثمينة منَّ الله على عباده الصالحين، الذين اختاره من بين سائر البشر؛ لذلك من ملك الإيمان الذي وهبه الله، فقد أدرك شوطاً كبيراً من الفلاح في هذه الدنيا وفي الآخرة. ويجب ان نسأل الله سبحانه وتعالى أن يمنحنا الثبات على الإيمان الصادق، فهو النور في قلوبنا والنور الساطع على درب الحياة، الذي يوصلنا بأمان إلى هدفنا وهي الآخرة الأبدية والتي نعمل من أجل أن تكون من رضا الله والبعد عن سخطه.
قال الحسن البصري (رحمه الله):
ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكنه ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال.
ولهذا عرّفه أهل السنة والجماعة، بأنّه قول باللسان واعتقاد بالقلب، وعمل بالجوارح يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
ونلاحظ عندما ندرس السيرة النبوية، ونتأمل ما أنزل الله في بداية الرسالة انه سبحانه وتعالى، ركّز تركيزاً هاماً على الإيمان.
فنجد أوّل السور والآيات التي نزلت تشير إلى الإيمان بالله واليوم الآخر والسور والآيات عديدة جدّاً تعتني بمبادئ الإيمان.
فاهتم الله سبحانه وتعالى أوّلاً فيما تحتوي القلوب من إيمان وتقوى ويقين بأننا سنرد إليه في يوم لا ريب فيه.
وبأنّ هذه هي دار ابتلاء، وإمتحان. وإنها ليست دارنا الأبدية، بل الدار التي نزرع فيها كي نحصد ثمارها بإذن الله، بعد موتنا.
وبعد أنّ رسخ الإيمان في قلوب المسلمين وأصبحوا مؤمنين، إيماناً كاملاً وخالصاً لله، أنزل الله التشريع وبيّن الحلال والحرام.
قال الله في كتابه الكريم (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام/ 82).
فنجد انّ الإيمان الذي وقر في القلوب وصدقته الأعمال هو سبب مباشر للحصول على الأجر. (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل/ 97).
(وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (سورة العصر).
في هذه السورة الكريمة نجد مخلص السر العظيم كي نصل إلى الفلاح والنجاة.
فيركز الله سبحانه وتعالى، أوّلاً على الإيمان، يليه مباشرة العمل الصالح الذي يقوم به المرء بنفسه أوّلاً ثمّ يوصي بالحق للآخرين، لأنّ الفرد وحده لا يمكن أن يحصل على النتيجة الكاملة إلا إذا شارك فيها الآخرين. لذلك أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن الباطل الذي يجلب سخط الله أوّلاً وفساد المجتمع ثانياً.
وهذا نلاحظه في المجتمعات التي يعم فيها الفساد، إنّ كل إنسان في حاله، لا يهتم بالآخر. لكن هذا يمثل خطراً كبيراً، عاجلاً أم آجلاً سيؤثر عليه نتيجة السلوك الفاسد ولو كان بغيره.
كمثل السفينة ذات الطابقين، الأعلى والأسفل، فإذا خرقوا السفينة من الأسفل مثلاً لابدّ أن يهلك الجميع، ما لم يقم أحد بترميم الخلل قبل فوات الأوان.
وأخيراً يذكر الصبر، والصبر مفتاح النصر في العديد من المواقف، ما لم يكن في جميعها من بعد توفيق من الله أوّلاً وآخراً.
فنصبر على طاعة الله وعلى المكاره. ونصبر على الوقت الذي قد يطول أمداً طويلاً كي نصل إلى النتائج المنشودة.
فيجب أن نخطط جيِّداً على مستوى الفرد والجتمع ونحدد الأهداف التي نريد الوصول إليها إن شاء الله، ونسعى إلى إتمام هذه المشاريع الخيرة بإذن الله (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق/ 2-3).
والإيمان بالله هو المحرك الأساسي في حياة الفرد والجماعات، فالإيمان بالله وبأننا سنرد إليه لا محالة، هو سبب رئيسي لينظم المرء تصرفاته في هذه الحياة. لذلك نجد إن سلوك الإنسان يتوقف على ما يدور في قلبه وعقله من إيمان وتقوى الله في أقواله وأفعاله.
فنجد عندما ندرس المجتمعات الإسلامية الأولى التي كانت حافلة بالإيمان بالله، وعبر التاريخ الإسلامي المجيد، عندما كانت الناس تؤمن بالله إيماناً ثابتاً ويقيناً وتعمل على حسب هذا الإيمان، نجدها افلة بالنصر والعدل الاجتماعي والألفة بين الناس والحقوق مضمونة بين أفرادها، والأمن سائد في كل مكان.
أما ما أوحى الله إلى نبيه الكريم من أجر على الأعمال الصالحة إذا قام بها، والعقوبة في الدنيا والآخرة إذا كانت أعماله فاسدة جالبة لسخط الله، فهذا أمر مهم جدّاً في تصرف الإنسان.
فنجد مثلاً في المجتمعات الغربية، حيث القوانين هي قوانين بشرية، مليئة بالأخطاء، أحياناً مقصرة في العقاب وأحياناً مفرطة.
فهي مجتمعات تعم فيها الفوضى من جميع النواحي، فقد هرب الأمان من حياة الناس، جالبة على نفسها الخزي في هذه الدنيا وفي الآخرة اشد وامر.
وعندما تبدأ مجتمعاتنا الإسلامية باسترداد ونقل ما عليها مجتمعات الغرب من عادات وأفكار ومبادئ هدامة، فسنعاني دون شك نفس المشاكل التي يعانون منها.
في نفس الوقت نجد أن في بعض هذه المجتمعات الغربية، هناك تيارات فكرية وجدت في المبادئ الإسلامية حلولاً منطقية للعديد من مشاكلها الاجتماعية. وهي تقوم بمجهود واسع لإفهام الناس هذه المبادئ الطبيعية وما هي إلا ما فطر الله في النفوس البشرية.
- السلوك البشري:
ذكرنا آنفاً ان الله سبحانه وتعالى أنزل الحلال والحرام والشرائع بعدما وقر الإيمان في القلوب.
فهذا المبدأ في غاية الأهمية إذا أردنا أن يتحسن سلوك الفرد ومن ثمّ سلوك المجتمع.
على الفرد أن يغيّر ما بنفسه أوّلاً من إنحراف في العقيدة أو نقص في إيمانه، طالباً من الله العون والهداية.
(إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد/ 11).
الأعمال التي لا يحركها الإيمان الصادق لا ثمر طيباً لها.
لأنّ الأجر في الآخرة هو المحرك الأصيل والثابت، مع أنّ الله يكرم عبده، فيلقي عليه بعض هذه الثمرات الطيبة في هذه الدنيا، كما هو الأمن والأمان في المجتمع وإزدهار التجارة والعمران الحضاري. وهذا جزء بسيط لا يوازي الأجر العظيم الذي اعداه الله لعباده المؤمنين.
- ثمرة الإيمان والتقوى:
الإيمان يمشي يداً بيد مع التقوى، فهي الرادع من الوقوع في المحرمات، وهذا له تأثير بالغ على تصرفات المرء الفردية والاجتماعية.
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
(وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) (الطلاق/ 4).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) (آل عمران/ 102).
فالتقوى تبعدنا عن الوقوع في المحرمات والمعاصي وتبعدنا عن الظلم، ظلم أنفسنا وظلم الآخرين. وهذا يوصلنا إلى ثمرة العدل. والعدل أمر ينشده أي إنسان وأي مجتمع.
والإسلام بني على العدل. وعدالة الإسلام اشتهرت بين الناس عبر التاريخ. فالمسلم يقول الحق ولو على نفسه، لأنّه يتقي الله في قلبه حق تقاته.
(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (البقرة/ 281).
كل هذه المبادئ تعين الفرد على الاستقامة في الحياة، لنجد أن سلوكيات البشر حينئذ هي المثالية.
فنلدع الله ان يثبتنا على الإيمان وأن يرسخ في قلوبنا التقوى وأن يعيننا على الإستقامة في حياتنا اليومية وأن ننال رضاه في الدنيا والآخرة وأن يجعل أفضل أيامنا يوم نلقاه.►
ارسال التعليق