ميزّ البُعد العالمي ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) ليعطيها أهم صفات الديمومة، فهي لم تأتِ لأجل فئة معينة في أرض معينة بل إنّها رسخت مبادئ أساسية تُعنى بالإنسانية في كلّ زمان ومكان، الأمر الذي سخّر لها البُعد الزمني ليمدّها بعناصر الاستمرار والتجدد ويحيطها بنطاق يقيها التلف أو الانحراف، وعليه فإنّ العالم اليوم بحاجة إلى الاستنارة بنور الإمام الحسين (عليه السلام) أكثر من قبل.
فالحسين (عليه السلام) مدرسة وفكر وعطاء لكلّ الناس على اختلاف طوائفهم واعتقاداتهم. فهو قدوة لكلّ العاملين على إقامة حكم الحقّ والعدل والحرّية. نعم، امتازت نهضة الحسين (عليه السلام) عن بقية النهضات والثورات أنّها كانت نهضة إنسانية ودينية خالصة لله تعالى.
حضور الحسين (عليه السلام) في كلِّ خطوات هذا التاريخ، وإشراقته في كلِّ ظلمات التاريخ، لا تزال تفرض نفسها على العقل الذي يفكّر، وعلى القلب الذي يحبّ، وعلى الحركة التي تنطلق وتتحدّى وتواجه التحدّي. إنّنا نشعر أنّ الحسين (عليه السلام) حاضرٌ معنا، لأنّه (عليه السلام) كان ثائر الإسلام وإمامه وشهيده. صحيح أنّه استشهد في كربلاء ودُفن فيها مع الصفوة الطيّبة من أهل بيته (عليه السلام) وأصحابه، ولكنّه كان شهيد الأُمّة كلّها، وشهيد الإسلام كلّه؛ لم تختصره كربلاء في الموقع الجغرافي، بل إنّه انطلق في العالم كلّه، من خلال عالمية الإسلام الذي أطلق الحسين (عليه السلام) كلمة الإصلاح فيه وفي أُمّة جدّه (صلى الله عليه وآله وسلم). إنّ القضية هي أن نجدد رسالة الحسين في كلِّ رسالاتنا، ونجدد قضية الحسين في كلِّ قضايانا، لنقول له: إن لم نجبك بأجسادنا ودمائنا، فإنّنا نجيبك بأرواحنا وعقولنا وقلوبنا، لكي نبقى معك يا أبا عبد الله في رسالتك وثورتك وشرعيّتك، سنبقى معك ومع جدّك وأبيك، وأُمّك وأخيك، والأئمة من ولدك وبنيك.
في موسم عاشوراء، وفي غيره من المواسم، نحتاج إلى أن نتفهّم حركة الإمام الحسين (عليه السلام) فهماً واعياً منفتحاً على القضايا الأساسية كلّها التي تُماثل القضايا التي انطلق منها الإمام الحسين (عليه السلام). لأنّ المسائل التي كان يفكّر بها الحسين (عليه السلام) لم تكن من المسائل الفريدة في الحياة، بل كانت نموذجاً لقضايا تسير مع الزمن كلّه وتوجد في كلّ مكان. لذلك لا نريد أن نتطلَّع إلى كربلاء لندرس كيف كان موقف الإمام الحسين (عليه السلام)، ثمّ لا يكون لنا أي موقف مماثل من القضايا التي تكون في نفس الدرجة من الأهمية لما ثار الإمام الحسين (عليه السلام) من أجلها.
إنّ عظمة الثورة الحسينية وامتيازها في التاريخ لها ثلاثة أسرار وراء خلودها الزماني والمكاني. الأوّل هو عظمة صاحبها وامتيازه لكونه إماماً معصوماً وسيِّد شباب أهل الجنّة باتفاق المسلمين. وثانياً ظروف الثورة، لقد ثار الحسين (عليه السلام) في وقت كانت إرادة الأُمّة ميتة، فأراد الحسين (عليه السلام) بثورته المباركة إحياء هذه الأُمّة الميتة. فجاءت ثورة الحسين (عليه السلام) كالزلزال الذي أيقظ الأُمّة من غفلتها. وثالثها هو إحياء الإسلام ذاته. لذلك احتاجت الأُمّة والاسلام لدم بعظمة الحسين (عليه السلام) للحفاظ على الإسلام المحمّدي الأصيل.
من أهم طُرق بقاء الثورة الحسينية هي إقامة الشعائر ومجالس العزاء كما وردت عن الأئمة (عليهم السلام) بشكل يتناسب مع ظروف العصر، إنّ هذه المجالس مستمرة إلى يومنا هذا، ولابدّ أن تستمر إلى الأبد لأجل استقطاب العواطف، فمن خلال أجواء العاطفة والمحبّة والشفقة يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق، التي يصعب فهمها خارج نطاق هذه الأجواء.مقالات ذات صلة
ارسال التعليق