يتبادر إلى الإنسان سؤال في ساعة صفاء ذهنه وفي حالة التفكر في نفسه: لماذا خلقت؟ وما هي الغاية من خلقي؟. والقرآن يجيب على هذه المسائل ويوضح أنّ الغاية من خلق الله للإنسان هي عبادة الله، قال تعالى: (مَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات/ 56). فعبادة الله هي أقصى غاية الخضوع والتذلل له مع طاعته، وهذا يقتضي عدم الخضوع لأي كائن على هذه الأرض لأنّهم كلّهم مربوبون لله، وهذا ما صرّح به القرآن: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ) (يوسف/ 40). (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُو) (الأنعام/ 102). وعلى هذا فلا يجوز لكائن أن يعلو في الأرض ويتكبر ويقهر النّاس حتى يخضعوا له ويذعنوا لأمره وينقادوا لجبروته يأمرهم بما يشاء وينهاهم عما يريد كما فعل الملوك والكهنة قديماً، والذين يخضعون لأمثال هؤلاء الطغاة انما يشركون بالله، ويساهمون في نشر الفساد والشر والطغيان. فالإسلام حين أمر بعبادة الله فإنما يرمي من ذلك أن يحرر الإنسان من العبودية التي لازمته السنين الطوال من ملوك الأرض وزعمائها الطاغين ورؤساء الدين المتألهين، وأن ينزع من ذهنه ذلك الوهم بأنّهم من عنصر أفضل، وأن بيدهم النفع والضرّ، ولهذا يقول الله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا) (المائدة/ 76). ويقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ) (العنكبوت/ 17). لهذا أرسل الله الرسل في كافة العصور للناس، ليدعوهم إلى عبادته الله وحده وعدم خضوعهم لسواه. قال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل/ 36). والطاغوت هو كلّ معبود دون الله. وإنّ الشقاء الذي أصاب النّاس مردّه عدم فهمهم هذه الحقيقة لذا نراهم ألهوا بعض أفراد جنسهم الذين علوا في الأرض واستذلوا البشر وساقوهم إلى التناحر، وجعلوا الإنسانية شيعاً يحارب بعضها بعضاً، ولهذا يدعو الله الناس جميعاً – بقطع النظر عن ألوانهم وأجناسهم – إلى التوجه إلى عبادته وحده: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ* الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/ 21-22).
والمعنى: انّ الله هو الذي خصكم بهذه الآيات الكونية العظيمة والدلائل النيرة من خلق السماء والأرض الشاهدة بوحدانيته، فاخضعوا له ولا تتخذوا له شركاء في العبادة. مستلزمات العبادة: ولكن هل العبادة يقتصر معناها على الخضوع لله؟ كلا! فقد ذكر القرآن انّ لها مستلزمات أخرى وهي: الشكر لله، التوكل على الله، الإخلاص لله، دعاء الله. وقد بيّن القرآن أنّ هذه الأمور التي يجب أن يقوم بها الإنسان هي من العبادة. قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28). إنّ الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون، والله بلطفه وعنايته حذر المؤمنين من الخسران وبيّن أسبابه في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون/ 9).
فذِكرُ الله إذاً سبب لاطمئنان القلوب، واللهو والغفلة عنه سبب لخسارة فادحة حذرت منها الآية الكريمة... فعلى كلِّ مؤمن أن يكون من الذاكرين لهذين السببين ولقوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (الأعراف/ 205).
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق